المقطع الثاني: توبيخ وتقريع
المقطع الثاني: توبيخ وتقريع
– ما مناسبة هذه الآيات بعد تقرير كون الإنسان في تعب وشقاء؟
في هذه الآيات انتقل الكلام من الحديث عن أولياءه، إلى الحديث عن أعداءه.
فبعد الحديث عن الشدة التي أحاطت بأولياءه وأن هذا لا يضيرهم، وإنما هي سنة الله الجارية في خلقه، انتقل الكلام إلى الحديث عن أعداءه، باستفهام إنكاري مفاده:
كيف يخطر على بال هؤلاء الضعفاء أنهم يستطيعون أن يخرجوا عن قدرة الله وعن سننه ويظن أحدهم أنه يستطيع أن يخرج من هذه الشدة والشقاء التي قدرها الله عز وجل على الإنسان، فيؤثر جانب الكفر ظنا منه أن باستنكافه عن طريق الدعوة والحق قد شب عن طوق الشدة المصاحبة لها وخلص من تبعاتها، كلا، فالشدة لا يخرج منها أحد ولو خرج منها أحد لخرج منها أولياؤه.
ثم إنه يظن يطغى ويصد عن سبيل الله ويظن أنه لن يقدر عليه أحد لا في عقاب ولا في حساب، على الرغم من حالة الكبد التي خلق عليها، فيتصرفون تصرف الذي يحسب أنه ليس بمأخوذ بعمله، ولا يتوقع أن يقدر عليه أحد فيحاسبه، فيطغى ويستكبر دون أن يخشى أو أن يتحرج، وكأن الآية تقول لكفار قريش ومن سار على نهجهم:
عجبا لحال هؤلاء الضعفاء المغمورون في الشدة والتعب، يظنون أنهم خارجون عن قدرتي وعن سلطاني، وهم الضعفاء الغارقون في الشدة والشقاء، ويظنون وهم يسومون المؤمنين سوء العذاب أن هذا بقوتهم الذاتية، كلا ،بل هي سنة الله في خلقه.
كما أن الآيات تقول للمؤمنين:
اعلموا أن ما يسومكم به أهل الشقاق من العذاب والنصب ليس لتسلطهم ولا لخروجهم عن سلطان الله، حاشا وكلا، بل هي سنة الله في خلقه وفي كونه، أن الإنسان في شقاء وشدة.
– ما مناسبة قوله ( يقول أهلكت مالا لبدا )؟
تصور هذه الآية جانبا آخر من نفس الإنسان حين يظن أنه بإمكانه أن يخرج عن سنن الله في خلقه، فيظن أنه بالمال يستطيع أن يخرج من الشقاء الذي هو فيه، كلا.
– ما مناسبة قوله ( أيحسب أن لم يره أحد)؟
هذا فيه استكمال لما ظنوه من نفي العلم، فإنهم في الأولى ظنوا انتفاء القدرة عليهم، فأبطلت الآيات هذا الظن، ثم جاءت هذه الآية لتنفي ظنهم بعدم العلم بهم.
– من المخاطب بقوله أيحسب؟
هو موجه للإنسان عموماً فالإنسان الذي خلقه الله تعالى مكابداً للشدائد ينبغي أن يكون قادراً على تحمل الشدائد فالذي خُلق صلباً شديداً مكابداً أيحسب أن لن يقدر عليه أحد وهذا الحسبان يكون في نفوس البشر لأن البشر يظنون أن لن يقدر عليهم أحد فيظلم بعضهم بعضا ويضرب بعضهم رقاب بعض. فالبشر يرون أن لن يقدر عليهم أحد والذين يستضعفون المؤمنين يظنون أن لن يقدر عليهم أحد.
– ما معنى القدرة في قوله أيحسب أن لن يقدر عليه أحد وما علاقة ذلك بالكبد؟
القدرة بحسب معنيي الكبد لها معنيان لأن هاتان الآيتان بدل اشتمال من الآية الأخيرة
فعلى المعنى الأول: أيحسب أن لن نقدر عليه بعد اضمحلال جسده فنعيده خلقا آخر، في كبد من العذاب في الآخرة لكفره.وبذلك يظهر موقع إدماج قوله في كبد لأن المقصود التنظير بين الخلقين الأول والثاني في أنهما من مقدور الله تعالى.
وعلى المعنى الثاني: فإن الإنسان لما صارع الحياة وكابد أعجب أنه يستطيع أن يصبر ويجاوز العقبات فهو معجب بقوته البدينة أو الذهنية فقال الآية أي لو تجاوز كل هذه المصاعب فهل يعتقد أنه يستطيع أن يفعل ما يشاء ويتجاوز ما يشاء ويتبين هنا وجه ذكر القدرة سواء القدرة الجسدية أو العقلية.
4- ما دلالة الاستفهام هنا؟
الاستفهام مراد به التوبيخ والتخطئة
5- ما وجه استخدام الفعل حسب هنا؟
حسب بمعنى ظن للرجحان ولكن هناك فرقا بالمعنى بينهما فإن حسب القلبية بمعنى ( حَسَبَ) الحسي والذي منه الحساب وليس هذا مطابقا للظن بشكل كامل فالحسبان قائم على الحساب والنظر العقلي بخلاف الظن الذي يدخل على الذهن ويلابسه لأدنى سبب فكأنك أجريت عملية حساب فأدى حسابك إلى ذلك بخلاف الظن.
والقرآن غالبا ما يستخدم حسب في مواطن الخطأ، يعني التي يخطئ صاحبها في حساباته، ومن ذلك قوله تعالى: أيحسب الإنسان أن يترك سدى، وقوله تعالى:
6- ما دلالة استخدام الحرف لن هنا؟
الحرف لن يستخدم لنفي المستقبل ولا يلزم منه التأبيد على الراجح والفرق بينه وبين لا أنه آكد في المعنى، تقول: لا أفعل فإذا شددت تقول لن أفعل
7- ما وجه استخدام كلمة أحد؟
كلمة أحد عامة أكثر من واحد فالواحد تنفي الواحد ولا تنفي الاثنان أو أكثر أما كلمة أحد فتعم أي شيء.
8- ما وجه استخدم لفظ أهلك؟
هذا هو الموضع الوحيد الذي يستخدم فيه هذا اللفظ واستخدام هذا اللفظ يوحي بعدم المبالاة وكأن عنده مالا كثيرا وهذا القسم الذي ذهب منه لا يبالي فيه وقد كان أهل الجاهلية يتبجحون بإتلاف المال ويعدونه منقبة لإيذانه بقلة اكتراث صاحبه به، قال عنترة:
وإذا سكرت فإنني مستهلك … مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى … وكما علمت شمائلي وتكرمي
كما أن اختيار كلمة أهلكت في هذه السورة مناسب لجو السورة ومناسب لما تقدمها ولما يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في لحظات الشدائد التي أدت إلى إهلاك بعضهم ومناسب للعقبة ومناسب ليوم ذي مسغبة لأن الذين لم يطعموا في ذلك اليوم أهلكوا ومناسب مع أصحاب المشئمة الذين أهلكوا ومناسب لكل إنفاق بغير وجه مناسب لأنه يعتبر إهلاكاً للمال وليس إنفاقاً في الخير. إذن جو السورة هكذا في إهلاك المال بغير وجهه وكل السورة مشقة وإهلاك (الكبد، سلوك النجدين، اقتحام العقبة، المشئمة والمسغبة) فكان استخدام كلمة إهلاك أنسب وأفضل كلمة تؤدي المعنى المطلوب الذي يقتضيه جو السورة وسياق الآيات فيها.
9- ما دلالة ذكر كلمة لبدا؟
كلمة لُبدا: لبد معناها الكثير المُجتمِع.
وفيها احتمالان: الأول: مفرد صيغة مبالغة (صيغة فاعل) مثل هُمز وحُطم الثاني: جمع (لُبدة) مثل نقطة نقط.
وكلمة لبدا ليس معناها الكثير فقط لكن الكثير المجتمِع وهي مناسبة لاجتماع الكفرة على الرسول صلى الله عليه وسلم مثل قوله تعالى في سورة الجن (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لُبدا) وهو مناسب للإهلاك وجو الاجتماع في أكثر من موطن في جو السورة (ووالد وما ولد، العينين في آلة الإبصار، اللسان والشفتين في آلة النطق، النجدين، تفسير العقبة بجملة أمور منها اجتماع الذين آمنوا على التواصي بالحق والتواصي بالمرحمة، واجتماع الكفرة في النار واوصاد النار عليهم) لو قال تعالى (كثيرا) لا يؤدي المعنى المطلوب لجو الاجتماع في السورة. الكثرة لا تنفي الاجتماع لذلك اختيار الإهلاك واللبد متناسب جداً من الناحية البلاغية والفنية لجو السورة.
10- ما وجه ذكر الرؤية بعد ذكر المال؟
لها وجهان:
الأول: قوله أهلكت مالا لبدا يصدر منه وهو يحسب أنه راج كذبه، على جميع الناس وهو لا يخلو من ناس يطلعون على كذبه قال زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة … وإن خالها تخفى على الناس تعلم
الثاني: في مسألة النية والمعنى أيحسب أن لا أحد مطلع على نيته فيما يفعل من إهلاك المال هل أراد بذلك وجه الله أم أراد بذلك التفاخر بعدم اكتراثه بالمال.
11- ما وجه ذكر فعل القدرة بصيغة المضارع والرؤية بصيغة الماضي؟
ذكر القدرة لأن الحسبان هنا مستمر طالما كانت معه القوة فعبر عن ذلك بالفعل المضارع الذي يفيد الحدوث والتجدد بعكس الرؤيا لأنها تناسب الفعل ( أهلكت ) الذي جاء بصيغة الماضي أي لم يره أحد حال إهلاكه لهذا المال.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved