المقطع الأول: القسم والمقسم عليه

المقطع الأول: القسم والمقسم عليه

       ما مناسبة هذا المقطع لمقصد السورة؟ وما هي المناسبة بين القسم وجوابه في هذا المقطع؟

أقسم الله بثلاثة أمور على الكبد في حياة الإنسان:

الأول وهو البلد الحرام مكة كرمها الله

والثاني والثالث: هو الوالد وما ولد على المعنى الخاص الذي هو إبراهيم وسيأتي شرحه.

وأما مناسبة القسم بمكة فله عدة وجوه:

منها: طبيعة البلد والجغرافية وجبالها وضيق الرقعة الموجودة فيها

ومنها: طبيعة البلد المناخية وجوها الحار الحارق.

ومنها: صعوبة الوصول إليها في الحج وغيره

ومنها: الكبد الذي عاناه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها من أهلها وإعراضهم عنه وقتالهم له حتى تكون له الغلبة فيكون حلالا في مكة

وأما مناسبة القسم لإبراهيم وولده: فإن حياته كلها عليه الصلاة والسلام كانت مكابدة ومشقة فقد كان أبوه كافرا ورماه قومه في النار يريدون تحريقه كما أنه حرم من الولد دهرا ثم رزق جارية ثم أنجبت له هاجر فأمره الله بتركها وولدها في البادية في مكان لا إنس فيه ولا جن مع طفلها الرضيع ثم أمره الله بذبحه وهكذا كانت حياته كلها مكابدة ومشقة في الله.

وفي هذا رسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن لا تحزن ولا تجزع مما يصيبك من أهل مكة فإنما هي سنة الله في خلقه أن الإنسان لن يعيش إلا وقد أحاطت به الشدة والتعب من كل جانب.

وانظر إن شئت إلى أحب البلاد إلى الله فلو شاء الله لجعل مكة رياضا غناء وأنهارا جارية وسهولا منبسطة ومناخا عليلا، ولو شاء الله لعاش ابراهيم أبوك والذي رفع القواعد من البيت في سعة وراحة فإنما أنت من ولد إبراهيم الذي عانى ما عانى وقاسى ما قاسى.

وفي هذا رسالة إلى من بعده من الدعاة أن انظروا كيف كانت حياة أئمتكم في الهدى كلها تعب وعناء، فلا تجزعوا ولا تحزنوا واصبروا واحتسبوا، فإن التعب ملازم للإنسان في حياته كلها.

فسواء عاش الإنسان حياته لله، وجعل محياه ومماته وصلاته ونسكه لله، أو عاش لنفسه ولحياته المنقطعة القصيرة، فإن الكبد ملازم له حتما، فلا يظن إنسان إنه إن تخلى عن الله وعن سبيله وعن الدعوة فإنه سيعيش مرتاحا، أبدا، فالشدة والشقاء أصل دائم ملازم للإنسان.

والمراد من كل هذا تأصيل هذه الفكرة لحملة الرسالة:

فإذا حملة الرسالة هذا وقارنوا حالهم بحال إبراهيم عليه السلام وحال النبي صلى الله عليه وسلم وما لاقوه من أقوامهم في سبيل دعوتهم، وهم أحب الخلق إلى الله هانت عليهم أنفسهم، وهان عليهم ما يلاقونه في سبيل الله، ومضوا إلى اقتحام العقبة بهمة وسعي.

       ما المغزى من الابتداء بالقسم؟

الابتداء بالقسم بشكل عام يقصد به التشويق لما بعده والاهتمام به فاستخدام أسلوب القسم لا يكون إلا لتأكيد شيء مهم ذو خطر

       ما وجه تطويل القسم؟

زيادة طول القسم زيادة في المقصد الرئيس للقسم نفسه وهو التشويق فكلما طال القسم زاد الغرض منه.

       ما هي دلالة لا في بداية القسم ؟

لا هذه ليست نافية بل فيها قولان:

الأول: أنها مؤكدة للقسم والمقصود أقسم قسما جازما

الثاني: أنها تسبق الحصر والمقصود لا أقسم إن أقسمت إلا بالبلد للتدليل على عظمته

علما أنه لم يرد لفظ القسم في القرآن مجردا أبدا ( أقسم ) بل كل ما فيه لا أقسم

وهذه هي السورة الثانية من اثنتين ابتدأتا بالقسم هما القيامة والبلد

2019 07 03 23h14 24

 

       ما وجه استخدام هذا النوع من القسم هنا؟

هذا النوع يأتي عادة عندما يكون الأمر المقسم عليه من الأمور الواضحة البينة التي لا تحتاج إلى ما يسندها من قسم ونحوه فالقسم  ..

وقد جاء هذا القسم في القرآن ثمان مرات وافتتح بها سورة واحدة هي سورة القيامة وهي السورة التي تحوي قسمان من الأقسام الثمانية وجواب القسم فيها محذوف وكان جواب القسم مرتين ( إنه لقول رسول كريم )

       ما وجه استخدام اسم الإشارة هذا؟

الإشارة ب «هذا» مع بيانه بالبلد، إشارة إلى حاضر في أذهان السامعين كأنهم يرونه لأن رؤيته متكررة لهم وهو بلد مكة، ومثله ما في قوله: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة  وفائدة الإتيان باسم الإشارة تمييز المقسم به أكمل تمييز لقصد التنويه والاهتمام به.

       ما نوع الواو في قوله وأنت حل؟

الواو اعتراضية والجملة كلها اعتراضية

       ما هو المراد من هذه الجملة الاعتراضية؟

والمقصود من الاعتراض يختلف باختلاف معنى (وأنت حل) وقيل فيها قولان:

الأول: أن يكون حل اسم مصدر أحل، أي أباح، ومنه قوله تعالى ( كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل ) أي حلالا، فالمعنى وقد جعلك أهل مكة حلالا بهذا البلد الذي يحرم أذى صيده وعضد شجره، وهم مع ذلك يحلون قتلك وإخراجك، قال هذا شرحبيل بن سعد فيكون المقصود من هذا الاعتراض لفت الانتباه إلى المعنى العجيب في مضمون الجملة ويكون المعنى: وأنت حلال منك ما حرم من حق ساكن هذا البلد من الحرمة والأمن.

والمعنى التعريض بالمشركين في عدوانهم وظلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم في بلد لا يظلمون فيه أحدا. والمناسبة ابتداء القسم بمكة الذي هو إشعار بحرمتها المقتضية حرمة من يحل بها، أي فهم يحرمون أن يتعرضوا بأذى للدواب، ويعتدون على رسول جاءهم برسالة من الله.

الثاني: أن يكون حل اسما مشتقا من الحل وهو ضد المنع، أي الذي لا تبعة عليه فيما يفعله. ويكون المعنى: ما صنعت فيه من شيء فأنت في حل أو أنت في حل ممن قاتلك أن تقاتله مهما تمكنت من ذلك والمقصود من هذا الاعتراض بهذا المعنى في هذه الحالة: تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم قدمت له قبل ذكر إعراض المشركين عن الإسلام، ووعد بأنه سيمكنه منهم.

فيصدق بالحال والاستقبال ولا تنافي بين المعنيين بل حمل الكلام على وجوهه المقبولة أمر وارد وهو من إعجاز اللفظ القرآني.

وعلى كلا الوجهين في محمل صفة حل هو خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد خصصه النبيء صلى الله عليه وسلم بيوم الفتح فقال: «وإنما أحلت لي ساعة من نهار»

 الثالث: حكي أن معنى وأنت حل بهذا البلد أنه حال، أي ساكن بهذا البلد وهو يقتضي أن تكون جملة وأنت حل في موضع الحال من ضمير أقسم فيكون القسم بالبلد مقيدا باعتبار كونه بلد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو تأويل جميل لو ساعد عليه ثبوت استعمال حل بمعنى: حال، أي مقيم في مكان فإن هذا لم يرد في كتب اللغة ولا يقال:  لا عبرة بعدم ثبوته في كتب اللغة، لأن المرجع في إثبات اللغة إنما هو كتب أئمتها.

فيجتمع من هذا ثلاثة معان في كلمة واحدة:

       مقيم في هذا البلد.

       حلالا يستحل منك أهل مكة في الحرم ما لا يحل.

       مستحلا للحرم بإذن الله تفعل فيه ما تشاء.

وهذا فيه بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه على الرغم مما أنت فيه مقيم في هذا البلد يستحل الكفار أذاك على الرغم من أنه بلد حرام، سيأتي يوم تحل لك هذا البلد وستكون لك فيها الغلبة تأخذ من شئت وتدع من شئت.

وهذه بشارة أيضا لمن سار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم أنه مهما طال أمد الأذى والكبد فسيأتي يوم تكون فيه الغلبة لأهل الحق.

2019 07 03 23h14 15

 

10- لم لم يذكر صفة للبلد الأمين مثلا كما في سورة التين؟

لأن جو السورة كلها فيه ذكر للمكابدة والمشقة واستحلال الحرمات وما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا البلد وليس في السورة مجال لذكر الأمن، فالرسول والصحابة ليسوا آمنين في هذا البلد والرسول صلى الله عليه وسلم حلٌ يفعل ما يشاء يوم الفتح فارتفعت عن البلد صفة الأمن في هذه السورة، فجو السورة كلها من أولها إلى آخرها ليس فيه أمن وأمان حتى في نهاية السورة لم يذكر جزاء المؤمنين (أولئك أصحاب الميمنة) إنما اكتفى تعالى بذكر جزاء الكافرين (والذين كفروا بآيتنا هم أصحاب المشئمة عليهم نار مؤصدة). لا يوجد أمن في البلد ولا الجو العام في السورة فيه أمن.

11- ما وجه تكرار كلمة البلد؟

التكرار بشكل عام يقصد به التأكيد أو التعظيم أو التحسر أو التهويل ومع أن الأصل أن لا يكرر اسم البلد مرة أخرى لكنه أظهر مع أن المقام مقام إضمار بقصد التعظيم ، ولقصد تأكيد فتح ذلك البلد العزيز عليه والشديد على المشركين أن يخرج عن حوزتهم على المعنى الثاني

وهناك معنى لطيف فالله عندما أحل البلد لنبيه صلى الله عليه وسلم صار حلالا بعد أن كان حراما لا يسفك فيه دم ولا يروع فيه آمن فكأنه صار بلدا غير البلد الأول فكرر الكلمة لتكرار الوصف

12- ما وجه تنكير كلمة والد وذكرها بهذا الصياغة دون غيرها؟

( والد ) وقع منكرا فهو تنكير تعظيم ، إذ لا يحتمل غير ذلك في سياق القسم ، فتعين أن يكون المراد والدا عظيما والراجح حمل والد على المعنى الحقيقي بقرينة قوله وما ولد.

14- ما المقصود بقوله وما ولد؟

جاء فيها ثلاثة أقوال:

الأول: العموم أي: أي والد وأي ولد.

الثاني: أنه آدم وذريته.

الثالث: أنه إبراهيم وذريته.

والذي أراه أن الأقرب بالمراد هو القول الثالث أي أنهم ابراهيم عليه السلام وذريته لما لهم من تعلق بالبلد الذي هو مكة أكثر من غيره، وهذه من المواضع التي يؤثر فيها السياق على الاختيار بين التفاسير، فالمقصود هم ذرية إبراهيم الموجودون في هذا البلد والذين بقوا على دينه الحنيف ومحمد صلى الله عليه وسلم منهم على هذا المعنى.

وقد تقدم شرح المناسبة بين ابراهيم والنبي صلى الله عليه وسلم والبلد والكبد.

15- ما وجه الإتيان بالاسم الموصول ما بدلا من من؟

الأصل هو استخدام اسم من لأنها مختصة بالذكور العاقلين وأما ما فتشمل العاقل وغيره فعدل عن (من) لأن ما أشد إبهاما، فأريد تفخيم أصحاب هذه الصلة فجيء لهم بالموصول الشديد الإبهام لإرادة التفخيم، ونظيره قوله تعالى: والله أعلم بما وضعت يعني مولودا عجيب الشأن. ولأن قوة الإبهام في ما أنسب بإرادة الجماعة دون واحد معين، ألا ترى إلى قول الحكم الأصم الفزاري:

اللؤم أكرم من وبر ووالده … واللؤم أكرم من وبر وما ولدا

يريد ومن أولاده لا ولدا معينا.

       ما هي مناسبة القسم بإبراهيم وذريته ممن هم على دينه؟

وفي هذا تعريض بالتنبيه للمشركين من ذرية إبراهيم بأنهم حادوا عن طريقة أبيهم من التوحيد والصلاح والدعوة إلى الحق وعمارة المسجد الحرام قال تعالى: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا .

        من هو المراد بقوله الإنسان؟

الظاهر أن المراد عامة جنس الإنسان ويكون المراد به خصوص أهل الشرك لأن قوله: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد إلى آخر الآيات لا يليق إلا بأحوال غير المؤمنين

       ما هو عدد المؤكدات لجواب القسم؟

جاءت مع جواب القسم أربع مؤكدات

الأول: القسم

والثاني: اللام

والثالث: قد

والرابع: إيراد الفعل بصيغة الماضي وهذا يدل على تؤكد الصفة وحدوثها.

       ما وجه استخدام الحرف في للتعبير عن كون الإنسان في مشقة؟

في تفيد الظرفية وكأن التعب محيط بالإنسان من جميع جوانبه ومستغرق لجميع حياته فالإنسان في بطن أمه في كبد ولادته في كبد وتربيته في كبد معيشته في كبد إلى أن يقتحم العقبة أو لا يقتحمها ثم يموت ثم في حساب القبر ثم في حساب آخر فكل حياته تعب ونصب ومكابدة أو المقصود أن الحياة كلها منغصات وحتى المؤمن يرضى وهو يعايش كثيرا من المصائب والمكابدات لكنه يرضى لأن الله أمره أن يرضى

2019 07 03 23h14 03

Map Shot 3

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved