القسم الرابع: تهديد ووعيد

                             كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)

1-  ما معنى لنسفعن؟

السفع الأخذ بقوة وشدة، فجمعت ثلاث معان: القبض، والأخذ، والشدة، ولم تأت في القرآن إلا في هذا الموضع، وجاءت مؤكدة بمؤكدين اللام ونون التوكيد

والتهديد هنا بشكل عام واضح في أربع نقاط:

الأول: حرف الردع والزجر كلا

الثاني: اللام الموطئة للقسم

الثالث: اللام الرابطة لجواب القسم

الرابع: نون التوكيد الخفيفة

2-  ما دلالة الباء في الفعل؟

الباء تدل على المصاحبة وكأن العسف مصاحب لهذا الرجل إن لم ينته.

3-  ما وجه ذكر الناصية خاصة هنا؟

الناصية هي مقدمة الرأس، والأخذ بها له دلالات:

الأولى: أن الأخذ بها أخذ من لا يترك له تمكن من الانفلات، فمن صار في القبضة على هذه الهيئة المهينة المزرية فهو هالك لا محالة، واكتفي بهذا عن ذكر ما بعده.

الثاني: أن الناصية هي دليل التكريم لدى الإنسان والعرب لا تأنف من شيء أنفتهم من أخذ الناصية حتى أنهم إذا أرادوا مذلة أسير ونحوه جزوا ناصيته.

الثالث: التعريض بمن دونه من الأتباع، فكأنه يقول: إذا كان هذا حال الشريف والزعيم فيهم فما بالك بغيره ممن هو دونه؟

وهذا من ناحية أخرى مناسب للحادثة التي جرت مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث أراد أبو جهل أن يطأ رقبته ليمرغ ناصيته بالتراب حال سجوده عليها.

كما أنها مناسبة لذكر الصلاة فيها والسجود ركن أساسي في الصلاة والوحيد الذي يكرر مرتين، وفحواه وضع الناصية على الأرض خضوعا لله.

وهو مناسب أيضا بالأمر بالسجود في نهاية الآية.

وقيل أن الناصية هي المسؤولة عن الكذب في دماغ الإنسان ولم يتسن التأكد من هذا الأمر من جهة ذات مصداقية، وإن صدق الكلام على كل حال يكون مناسبة مضافة لما سبق.

4-  ما دلالة تكرار الناصية هنا؟

كرر الناصية للاهتمام، هذا من جهة.

من جهة أخرى نلاحظ أن كلمة الناصية الأولى معرفة، والثانية منكرة، فالأولى معرفة لأنه استغنى بالتعريف العهدي عن تبيان صاحب هذه الناصية، وذكر الثانية للتقبيح والتبعيد، كأنه يقول: ناصية عظيمة القبح.

5-  لم ذكر الخاطئ بدلا من المخطئ كما هو شائع؟

الخاطئ اسم فاعل من خطئ بمعنى أذنب أما مخطئ فهو اسم فاعل من أخطأ، والفرق بينهما أن الخاطئ هو الذي يقارف الذنب عامدا والمخطئ هو الذي يقارفه دون عمد، ولذلك ورد في الآيات ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال الله: نعم.

6-  لم قال فليدع ناديه ولم يقل: فليدع أهل ناديه؟

يقال في سبب النزول أن النبي أغلظ القول لأبي جهل فهدده أبو جهل قائلا ( ألم تعلم بأني أكثرهم ناديا ) أي أن له ناسا يجتمعون له والقصة رواها النسائي والترمذي.

والنادي هو مكان اجتماع الناس ولا يسمى ناديا إلا إذا كان فيه ناس مجتمعون، وهو لمجلس القوم نهارا وأما بالليل فيسمى المسامر

والتعبير بالمحل لا يكون إلا إذا كان ممتلئا, والمعنى : لو أن نادي هذا الرجل امتلأ عن آخره ناسا من أصحابه، فليأت بهم، فلا يهمنا ذلك، فسندع لهم الزبانية، وهذا من التنزل مع الخصم بحسب فهمه وطريقته في إدراك الأمور فهو مسكين لا يدرك إلا القوى المادية

والدعوة هنا للتعجيز، والمعنى: إذا استطعت فافعل،

7-  ما وجه الإتيان بالفعل ندعو مقرونا بالسين؟

وأتى بالفعل المضارع مع السين لتأكيد الفعل بوقت قريب وضمير الجمع من صور التخويف والتعظيم.

8-  ما هي الزبانية؟

الزبانية جمع زباني وزبنية بكسر الزاي وباء ساكنة فنون مكسورة وياء مخففة مفتوحة أو زبني وقيل: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه مثل أبابيل, وهو مشتق من الزبن أي الدفع بشدة، فالزبانية هم الذين يزبنون الناس: أي يدفعونهم بشدة، ويطلق على أعوان الشرط ونحوه، والمراد بهم ملائكة العذاب.

9-  ما هي هدايات ما سبق؟

هناك عدة أمور تستنتج مما سبق:

الأول: حلم الله على عباده المعاندين، رغم حربهم على دينه ورسوله وقدرته عليهم، لم يأخذهم ولم يعذبهم، بل خوفهم وهددهم ليعودوا إلى رشدهم وينتهوا عن غيهم.

الثاني: هذا المقطع معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سمعها أبو جهل وأنصاره، يتلوها النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوها أصحابه طيلة فترة مكثهم في مكة، فلم يقدم أحد منهم على أذية النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجرؤ أحد على ذلك، مع ما فيها من إثارة حميتهم وإهانة لنفوسهم التي تأبى دون هذا بكثير، فلولا أن هذه الدعوة محاطة من الرب تعالى لما بقي لها باقية.