القسم الثالث: أعداء الدعوة وحالهم
أََرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
1- ما دلالة الكلمة أرأيت في بداية المقطع؟
أرأيت كلمة يراد بها لفت النظر إلى أمر عجيب والاستغراب منه، تقال للذي رآى حالا عجيبة والرؤية هنا للعلم بمعنى: أعلمت خبر الذي ينهى، أخبرني بخبر الذي ينهى، ونحوه
والاستفهام مستعمل في التعجب لأن الحالة العجيبة من شأنها أن يستفهم عن وقوعها استفهام تحقيق وتثبيت وكأنه الخبر لا يصدق.
2- ما دلالة الإتيان بينهى بالمضارع مع أن الحادثة مضت؟
كان المقتضى أن يقول: أرأيت الذي نهى ولكنه أتى بالمضارع لاستحضار الصورة بهذا الفعل وكأن المخاطب الآن عندما يسمع هذه الكلمات يستحضر هذه الحادثة كأنها تجري أمامه حاضرة حية.
3- ما وجه ذكر العبد بالتنكير هنا؟
هذه الصيغة أفادت أمرين:
الأول: التعظيم ، إن قلنا أنه قصد بها النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وهو مع تنكيره معرف، والمعنى: عبدا لا يمكن وصف كمال عبوديته وإخلاصه.
الثاني: العموم، والمعنى: أرأيت هذا الذي ينهى أي عبد يراه يصلي، فهذا دأبه وعادته، نهي عباد الله عن الصلاة.
4- ما وجه التعبير عن النبي صلى الله عليه وسلم بصفة العبودية؟
ذكر العبودية هنا مقابل لذكر الربوبية التي تكرر ذكرها أكثر من مرة في هذه السورة وهذا من تناسب ألفاظ السورة مع بعضها.
كما أن فيها إشارة إلى أن النهي كان عن خدمة العبد لمولاه، وهذا زيادة في التقبيح فإن نهي العبد في هذه الحالة أدهى وأمر.
5- ما دلالة إذا هنا؟
إذا هنا حالية وليست شرطية والمعنى أرأيت الذي ينهى عبدا وهو يصلي، أو حال صلاته.
6- من المخاطب في قوله أرأيت الثانية؟
الظاهر أن المخاطب في هذه هو الكافر نفسه، وبيان ذلك:
أرأيت الأولى: خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللعموم من بعده
أرأيت الثانية: خطاب للكافر،
أرأيت الثالثة: عودة لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فكأن الله هنا شاهد للمظلوم والظالم، وهو المولى الذي قام بين يديه عبدان، كالحاكم الذي حضر عنده مدعيان، فيخاطب هذا تارة وهذا تارة، وهذا متناسب مع الرجعى المذكورة في أول السورة، فكأنها تذكرة بها.
7- ما وجه ذكر الصلاة هنا؟
ذكر الصلاة مناسب للحادثة التي وقعت حيث قال أبو جهل أنه سيطأ عنق النبي صلى الله عليه وسلم حال سجوده في صلاته
كما أن في التنصيص على الصلاة هنا إشارة إلى أهمية هذه العبادة في حياة المسلم إلى درجة أنه يعبر بها أحيانا عن الدين.
8- ما وجه تكرار قوله أرأيت؟
التكرار مرة أخرى للفت النظر إلى قبح هذا الأمر وشدة غرابته، والمعنى: أرأيته إن كان العبد على الهدى أينهاه عن الهدى أو كان العبد آمرا بالتقوى أينهاه عن ذلك أيضا.
فكأنها إشارة إلى أن ذلك هو الظن به فيعجب المخاطب من ذلك لأن من ينهى عن الصلاة فقد نهى عن الهدى وليس غريبا بعدا أن ينهى عن أن يأمر أحد بالتقوى.
فكررت مفصولة لوقوعها موقع التكرير لأن فيها تكرير التعجيب من أحوال عديدة لشخص واحد.
9- ما وجه استخدام إن؟
كلمة إن تستخدم في مقام الظن وإذا في مقام التحقق، ولما كان الخطاب للكافر أبي جهل، فكأن الله يقول له: افرض ولو احتمالا يسيرا يغلب ظنك على عكسه، أنه على الحق فلماذا تعارضه وتحاده؟
وهذا من باب التنزل مع الخصم، وهذا كثير في القرآن كقوله تعالى (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) وكقوله تعالى على لسان نوح عليه السلام (قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون).
10- ما وجه تعدية فعل (يعلم) بالباء؟
فعل يعلم هنا مضمن معنى (يوقن) والمعنى: ألم يعلم علم اليقين بأن الله يرى، أو ألم يوقن بأن الله يرى.
11- ما وجه استخدام على؟
على تدل في العموم على الاستعلاء والتمكن فالمعنى: أرأيت إن كان مهتديا متمكنا من الهدى غاية التمكن ثابتا فيه غاية الثبات.
12- ما دلالة أو هنا؟
أو هنا تدل على التنويع وهو أن كل أمر من هذين الأمرين الهدى أو الأمر بالتقوى يستحق منفردا الاستغراب لنهي ذلك الكافر عنه.
ولو عطفت بالواو لكان مصدر الغرابة اجتماع الأمرين معا وهذا غير مراد.
13- ما المعنى المراد من الاستفهام هنا؟
الاستفهام هنا للإنكار والمعنى: كان حقه أن يعلم ذلك ويقي نفسه من العذاب.
14- ما سبب ذكر الرؤية خاصة هنا؟
المقصود من ذكر الرؤية هنا ما يترتب عليها وهي العقاب، فالعلم بأن الله يرى ضابط من ضوابط العقل والفكر والسلوك، ميزان تزن به التصرفات الظاهرة، وينضبط السلوك، اِحذر بأن الله يرى.
15- ما وجه الإتيان بلفظ الجلالة هنا على خلاف العادة في السورة من ذكر الربوبية؟
المقام هنا مقام تخويف لهذا الكافر الفاسد في نفسه المفسد لغيره لذلك ناسب الإتيان بلفظ الجلالة الموحي بالمهابة والمخافة بدلا من الربوبية.
16- ما دلالة ذكر هذه الصفات؟
هذه الآيات أشارت إلى صفتين في الناهي الباغي وصفتان في المنهي المظلوم:
فذكر الصلاة دليل على صلاح المنهي في نفسه، وذكر الأمر بالتقوى دليل على محاولته للإصلاح.
وذكر النهي عن الصلاة إشارة إلى أمر الناهي بالمنكر ونهيه عن المعروف، وفي ذكر تكذيبه وتوليه إشارة إلى فساده في نفسه.
فذكر صلاحا وإصلاحا وفسادا وإفسادا، وفي هذا إشارة على أنه بقدر الصلاح والإصلاح يستقيم أمر الدعوة ويكون حفظها.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved