( الجمعة فضلها وما جرى فيها )
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
ما مناسبة هذا المقطع لهذه السورة؟
كل ما سبق من الآيات والأخبار يأتي كالتوطئة والتهيئة للكلام في هذا المقطع.
إذ تختم السورة بهذه الآيات التي تتحدث عن صلاة الجمعة باعتبارها أعظم الصلوات المفروضة، والتي تؤدى في أعظم يوم من أيام الأسبوع ذلك اليوم الذي اهتدى له المسلمون وضل عنه اليهود والنصارى، فجاءت لتحثهم على الانقطاع إلى الصلاة وقتا يسيرا يتركون فيه مشاغلهم وتنخلع قلوبهم من الدنيا وعلائقها وتتفرغ للتزود من الذكر والإيمان.
ثم تبيح لهم الآيات العودة إلى الكسب والبحث عن الرزق الذي يمن الله عليهم به ابتداء، وهذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي. التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض، من عمل وكد ونشاط وكسب. وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر. وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى، وتنتهي الآية بلفت انتباههم إلى أن ما هم فيه خير لهم مما انصرفوا إليه وأن ما يرجونه من خير الدنيا العاجل إنما هو بأمر الله الذي أقامهم في هذا المقام .
ولئن كان القسم الأول من الآية الأخيرة في ملامتهم على فعلهم هذا، فإن جملة ( وتركوك قائما ) فيها زيادة تفظيع لقولهم، إذ يقفز إلى ذهن قارئها منظر النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر ومعه هذا النفر القليل من الناس بعد أن تولى عنه الأكثرون.
وهذا الحادث كما أسلفنا يكشف عن مدى الجهد الذي بذل في التربية وبناء النفوس حتى انتهت إلى إنشاء تلك الجماعة الفريدة في التاريخ. ويمنح القائمين على دعوة الله في كل زمان رصيدا من الصبر على ما يجدونه من ضعف ونقص وتخلف وتعثر في الطريق. فهذه هي النفس البشرية بخيرها وشرها. وهي قابلة أن تصعد مراقي العقيدة والتطهر والتزكي بلا حدود، مع الصبر والفهم والإدراك والثبات والمثابرة، وعدم النكوص من منتصف الطريق. والله المستعان.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved