التكذيب بالدين في سورة التين
التكذيب بالدين في سورة التين
ما هي الأسماء الواردة فيها ؟
سميت في معظم كتب التفسير والمصاحف ( سورة والتين ) بإثبات الواو تسمية بأول كلمة فيها، وسماها بعض المفسرين سورة ( التين ) بدون واو،
مكان نزولها؟
مكية في قول أكثر أهل العلم، وهو الراجح المتعين.
كم عدد آياتها ؟
سبع آيات.
هل ثبت شيء في فضلها ؟
لا يوجد في فضلها حديث يثبت.
ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟
حتى نحدد مقصد السورة والمعاني التي تدور حولها لا بد لنا من تحديد تفسير أو معنى أو المراد من القسم وجوابه في هذه السورة، فقد أقسم الله عز وجل في هذه السورة بأربعة أشياء على أمرين، ولا بد من جمع أقوال المفسرين فيها حتى نضبط معانيها، وبالتالي نضبط حركة المعاني والسياق في هذه السورة فلنبدأ باستعراض أقوال المفسرين بشكل مختصر في القسم وجوابه.
ثم نمضي بعدها إلى الحديث عن التكذيب بالدين الذي فرعته السورة على ما سبق حتى يتضح المعنى الإجمالي للسورة.
( القسم )
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
ما هي الأقوال الواردة في تفسير التين والزيتون؟
اختلفوا في المراد بالتين والزيتون على أقوال كثيرة تندرج تحت قسمين رئيسين:
الأول: أنها في حقيقة التين والزيتون كشجرتين أو ثمرتين.
الثاني: أنها مجاز والمراد بها شيء غير شجرتي التين والزيتون، وأن المراد بها مكان بدلالة ذكر أماكن بعدها ( طور سينين والبلد الأمين ) واختلفوا في المكان المراد على قسمين:
قسم قال بأنهما مسجدان أو جبلان أو بلدان.
وقسم قال بأن المراد بهما بلاد الشام، وقالوا أن المراد بهذا إشارة إلى رسالة عيسى عليه السلام حيث نزلت في بلاد الشام.
وتركنا ذكر باقي الأقوال لضعفها.
وأكثر المفسرين نصروا القول الأول بشدة، واختاره الطبري والقرطبي وابن القيم ومال له البقاعي واستنكر ابن الجوزي العدول عنه وقال: ( وليت شعري ما الحامل لهؤلاء الأئمة على العدول عن الحقيقة إلى المجاز؟)
والذي حمل أصحاب القول الثاني عن العدول من الحقيقة إلى المجاز هو: وجود ذكر الأماكن بعدها ( الطور والبلد الأمين ) فقالوا أن هذا دليل على أن المراد بالتين والزيتون مكانا مثلهما حتى تتماثل المتعاطفات، وسننظر لاحقا إن شاء الله كيف سبك أصحاب هذا القول السياق كاملا.
ما هي الأقوال الواردة في تفسير: طور سينين، والبلد الأمين؟
أما هاتين النقطتين فقد وقع فيهما خلاف يسير، الراجح فيها أن المراد بطور سينين هو طور سيناء الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام أول مرة، ثم أوحى إليه في المرة الثانية عندما كان مع قومه فواعده أربعين ليلة، وهو الجبل الذي نتقه الله فوق بني إسرائيل ليظلهم، وليكون مكان العهد معهم.
أما البلد الأمين: فهو مكة شرفها الله.
ما هي الأقوال الواردة في تفسير قوله تعالى: أحسن تقويم، وقوله تعالى: أسفل سافلين؟
هاتان النقطتان أيضا مما وقع فيه خلاف، على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه أحسن خلقة وذلك باستواء خلقه واستقامته وحسن تصويره واعتدال هيئته، ولزم من هذا القول أن يكون المراد بأسفل سافلين ما يكون الإنسان فيه حال تنكيسه في الخلق بعد كبر سنه كما قال تعالى ( ومن نعمره ننكسه في الخلق ).
الثاني: أن المراد بأحسن تقويم هو الفطرة واختار هذا القول كل من سيد قطب والطاهر بن عاشور رحمهما الله، وأن أسفل سافلين هو تخلي الإنسان عن فطرته وارتكاسه مع هواه حيث ينحدر إلى مستوى أقل من مستوى البهائم كما هو مشاهد.
كيف أجاب أصحاب القولين عن سؤالات المناسبات؟
القول الأول:
على القول بأن المراد بالتين والزيتون هما الشجرتان أو الثمرتان، وأن المراد بأحسن تقويم هو حسن خلق الإنسان واستواؤه ثم مرده إلى أرذل العمر بعد ذلك قال أصحاب هذا القول:
أكثر المفسرين التفتوا إلى قضية تعظيم التين والزيتون كثمرتين، وتوسعوا في بيان مزايا وفضائل التين والزيتون باعتبار أن القسم للتعظيم، وأن القسم لا يكون إلا بعظيم، وتوسعوا في بيان فضائل التين ما لم يفعلوا مع الزيتون، باعتبار أنه اسم للسورة من جهة وأن الزيتون معروف المنافع ذكر كثيرا في القرآن، وقضية كون القسم للتعظيم وإن كانت صحيحة من جانب إلا أنها قصرت عن الإجابة عن سؤال المناسبات، أي: ما هي مناسبة القسم بالتين والزيتون لبقية أقسام القسم: وما هي مناسبته للمقسم عليه ، أي: هي العلاقة بين التين والزيتون من جهة وطور سنين والبلد الأمين وخلق الإنسان في أحسن تقويم من جهة أخرى.
وقد انتبه لهذا الأمر عدد من المفسرين وحاولوا تقليب الوجوه للوصول إلى ما يشفي الغليل إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك.
وهذا القول على الرغم من أنه قول أكثر المفسرين إلا أنه أضعفها من ناحية جمع السورة في سياق واحد.
الاعتراضات على هذا القول:
إلا أن هذا القول مردود لأمرين:
الأول: أن اللغة لا تحتمله فلا يطلق أسفل سافلين على ارذل العمر لا في لغة ولا عرف وإنما أسفل سافلين هو سجين الذي هو مكان الكفار كما أن عليين مكان الأبرار، وجاء هذا مرارا في القرآن والسنة معبرا عنه بعبارة ( الدرك الأسفل من النار )،
الثاني: أن هذا القول يرده الاستثناء بعده ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) من وجهين:
الأول: أن التنكيس في الخلق يشمل المؤمنين وغيرهم لأنها طبيعة الحياة، فلا معنى حينها للاستثناء ويصبح الكلام خطأ.
الثاني: انعدام المناسبة بين المقسم عليه وبين القسم، فما مناسبة الحديث عن التنكيس في الخلق بعدها؟ لا يوجد مناسبة.
فمن هنا كان هذا القول غاية في البعد.
القول الثاني:
أما أصحاب القول الثاني: فقالوا أن المراد بالقسم هي أماكن نزول الرسالات، وأن المراد بجواب القسم: أسفل سافلين على الرأي الثاني: فمعناه النار، ويكون المعنى: لقد خلقنا الإنسان ووضعنا فيه نوازع الشر، وخلقناه في أحسن نظام لتقويم ذلك الشر الذي زرعنا فيه بعض نوازعه، بالفطرة السليمة، فمن نكص رددناه إلى النار بسبب انحرافه عن الفطرة وإيثاره الغي على الرشد والكفر على الإيمان، وهذا القول مناسب للاستثناء الذي بعده، فلا اعتراض عليه بالاستثناء، وهو أقل بعدا من سابقه باعتبار المناسبات.
إلا أنهم احتاجوا أيضا إلى رابط بين الجواب وبين قسمه من جهة، وبين الجواب وقسمه وبين التعقيب الذي جاء بعده من جهة، لأن مقتضى كلامهم أن يكون الترتيب في الحديث هكذا ( الدين – الفطرة – الدين ) فاحتاجوا أيضا أن يقدموا ما يسبك المعاني المتتابعة في السورة في سياق واحد، ولم يقدموا أيضا ما يشفي الغليل في هذا الباب.
كما أن من الاعتراضات على هذا التفسير، تقديم رسالة عيسى في الذكر عن رسالة موسى عليهما السلام، مع أن الثانية جاءت بعد الأولى لا قبلها، وأجيب على ذلك أن الترتيب في السورة جاء بحسب شرف الرسائل لا بحسب ترتيبها الزمني في النزول.
أرجح الأقوال فيما نرى..
ثم إن الله من علينا بالاطلاع على كتاب ( إرهاصات ميلاد أمة ) للدكتور محمد سعد فارس المهدي أو سعد تاج الدين، والذي قدم فيه رؤية لم تخرج عن كلام المفسرين من جهة وقدم فيها ما يجمع شتات السورة – بحسب التفسيرين السابقين – بشكل بديع من جهة أخرى، ويكاد هذا المقال يكون اختصارا لكتابه – إلا في نقطة أو نقطتين على ما سيأتي – جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين، فلنبق مع مقالاته بخصوص تفسير القسم وجوابه.
يقول الدكتور أن المراد بالتين والزيتون هو حقيقة الشجرتين أو الثمرتين، ولكنهما ترمزان إلى أمتين:
فالتين يرمز إلى بني إسرائيل
والزيتون يرمز إلى بني إسماعيل.
وسنعرض في نهاية البحث أدلة الباحث على ذلك، لكن بعد أن نستوفي الكلام عن التفسير والسياق في هذا العرض:
فكرة الكاتب بدأت من تساؤله: حتى نصل إلى ما نطلبه من التناسب يجب أن نبحث في المناسبة بدل أن نتحيز معرفيا لفكرة التعظيم.
القسم بين التعظيم ومراعاة المناسبة:
وطلب المناسبة هنا دون التوقف عند الشرف والعلو ليس أمرا غريبا بل قد جاء في كلام العرب القسم بأشياء ليست معظمة وإنما لها مناسبة مع القسم للاستشهاد بها لا لتعظيمها وذلك في مواضع:
منها: قول عروة بن مرة الهذلي:
وقال أبو أمامة يا لبكر فقلت: ومَرْخَةٍ دعوى كبير
يعني يقسم بالمرخة وهي شجرة صغيرة لا تؤوي من يلوذ بها على أن دعواه هذه كبيرة استهزاء بمن يدعوه لنصره.
ومنها: قسم الهجرس حين قتل جساسا قاتل أبيه فقال: ( وفرسي وأذنيه ورمحي ونصليه وسيفي وغراريه لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه ) فأقسم بأشياء استدلالا بها لمناسبتها للقسم، كأنه قال: كيف أترك قاتل أبي وأنا عندي فرسي وسيفي ورمحي قادر على الكر والفر والطعن والضرب؟
فالقسم إذا لا يكون دائما بأشياء عظيمة وإنما بأشياء مناسبة لسياق الكلام دالة عليه يستدل بها على المعنى القائم في كلام المتكلم.
ومن هنا جاءت الفكرة التالية: أن شجرة التين على ما لها من شرف إلا أننا يجب أن ننظر لها نظرة حيادية وأن نبحث فيها عما يناسب القسم وجوابه لنصل إلى النتيجة المطلوبة والتي تجيب عن أسئلة التناسب.
التين بين المدح والذم
صحيح أن شجرة التين شجرة معمرة وأهل لأن يبقى نفعها، لكن أليست تعقم فينقطع ثمرها، وإذا عقمت لم ينفع معها شيء.
نعم هي شجرة متعجلة للثمر قبل الورد، أو بدقة أكثر تخرج ثمرتها في وردتها، ولكن أليست ثمرة غير حقيقية؟ أليست في أجيالها الأخيرة لا تحمل سوى الحشرات التي تحضنها؟
نعم التين حلو الطعم طيب الرائحة كثير الفوائد، ولكن أليس التين أسرع الفواكه إلى العطب والنتن.
دولة إسرائيل وشجرة التين:
يحكي الدكتور سعد جزاه الله عنا وعن كتابه خيرا كيف هداه الله إلى مقالة بهذا العنوان لحاخام يهودي معارض للصهيونية، يذكر أن التين كان رمزا لبني إسرائيل في كتابهم المقدس، ومن هنا انطلقت الفكرة.
من أوجه الشبه بين التين وبني إسرائيل
والحديث عن بني إسرائيل يشبه الحديث عن التين وشجرته، يتأرجح بين مدح وذم، أليسوا سلالة أنبياء وإخوة يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟
ألم يجعلهم الله أئمة هدى ويفضلهم على العالمين؟
ألم يخترهم الله على علم لحكمة يريدها؟
إلا أنك سرعان ما تعود إلى ذمهم بما آلوا إليه من ترد وسفول نتيجة قبح أفعالهم وسوء تلقيهم لرسالات ربهم، أليسوا مستكبرين قتلة الأنبياء؟
أليسوا ناقضين لميثاق ربهم غير أمناء على وحي السماء؟
أليسوا ملعونين على لسان آخر أنبيائهم لتمالئهم على الشر وتماديهم في العدوان؟
ومن هنا تظهر المناسبة بين التين وبين بني إسرائيل:
أنظر إلى التين في الغصون ضحى ممزق الجلد مائل العنق
كأنه رب نعمة سلبت فعاد بعد الجديد في الخلق
فشبه التين بما صار في بؤس بعد نعمة لم يرعها وانقلب من علو المكانة إلى الاستكانة والذل والمهانة فما أقرب هذا التشبيه لعمري بذاك!
ليس هذا فحسب بل إن من أسماء التين ( البلس )، جاء في القاموس المحيط البلس ثمر كالتين وزعمه بعضهم التين نفسه، ولكن البلس لغة: من لا خير فيه أو عنده إبلاس وشر، والمبلس الساكت من الحزن أو الخوف والإبلاس: الحيرة، وقال أبو بكر الإبلاس معناه في اللغة القنوط وقطع الرجاء من رحمة الله تعالى.
وانظر إلى هذه التسمية المرادفة للتين والتي تفيد معنى الإفلاس من الخير والإبلاس والقنوط، أو بلغة الأشجار اليأس والعقم وانقطاع الثمر، فهل هذه تسمية جاءت قدرا على لسان بشر، أم أنها تسمية عليم خبير وضع فيها من صفات كلامه ما جعلها لا تنتهي عجائبها.
بني إسرائيل والتين في العهد القديم:
العهد القديم: النص الأول: تين جيد وتين رديء:
سفر إرميا الإصحاح 24: ( 1 أَرَانِي الرَّبُّ وَإِذَا سَلَّتَا تِينٍ مَوْضُوعَتَانِ أَمَامَ هَيْكَلِ الرَّبِّ بَعْدَ مَا سَبَى نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ يَكُنْيَا بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَ يَهُوذَا وَالنَّجَّارِينَ وَالْحَدَّادِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَأَتَى بِهِمْ إِلَى بَابِلَ.
2 فِي السَّلَّةِ الْوَاحِدَةِ تِينٌ جَيِّدٌ جِدًّا مِثْلُ التِّينِ الْبَاكُورِيِّ، وَفِي السَّلَّةِ الأُخْرَى تِينٌ رَدِيءٌ جِدًّا لاَ يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ.
3 فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا؟» فَقُلْتُ: «تِينًا. اَلتِّينُ الْجَيِّدُ جَيِّدٌ جِدًّا، وَالتِّينُ الرَّدِيءُ رَدِيءٌ جِدًّا لاَ يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ».
4 ثُمَّ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلًا:
5 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: كَهذَا التِّينِ الْجَيِّدِ هكَذَا أَنْظُرُ إِلَى سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلْتُهُ مِنْ هذَا الْمَوْضِعِ إِلَى أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِلْخَيْرِ.
6 وَأَجْعَلُ عَيْنَيَّ عَلَيْهِمْ لِلْخَيْرِ، وَأُرْجِعُهُمْ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، وَأَبْنِيهِمْ وَلاَ أَهْدِمُهُمْ، وَأَغْرِسُهُمْ وَلاَ أَقْلَعُهُمْ.
7 وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا لِيَعْرِفُونِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، فَيَكُونُوا لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، لأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيَّ بِكُلِّ قَلْبِهِمْ.
8 «وَكَالتِّينِ الرَّدِئِ الَّذِي لاَ يُؤْكَلُ مِنْ رَدَاءَتِهِ، هكَذَا قَالَ الرَّبُّ، هكَذَا أَجْعَلُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَرُؤَسَاءَهُ وَبَقِيَّةَ أُورُشَلِيمَ الْبَاقِيَةَ فِي هذِهِ الأَرْضِ وَالسَّاكِنَةَ فِي أَرْضِ مِصْرَ.
9 وَأُسَلِّمُهُمْ لِلْقَلَقِ وَالشَّرِّ فِي جَمِيعِ مَمَالِكِ الأَرْضِ عَارًا وَمَثَلًا وَهُزْأَةً وَلَعْنَةً فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهَا.
10 وَأُرْسِلُ عَلَيْهِمِ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ حَتَّى يَفْنَوْا عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهُمْ وَآبَاءَهُمْ إِيَّاهَا».
تين جيد يستحقون أن يكونوا عبادا لله شعبا له يصطفيهم لرسالته بأن يجعل عينه عليهم ويبنيهم ولا يهدمهم ويغرسهم ولا يقلعهم لأنهم آمنوا وعملوا الصالحات فكذا جزاءهم أجر دائم غير مقطوع، وتين رديء لا يستحقون إلا العار واللعنة.
وكأنه شرح للسورة، وكأن اسم السورة ظهر له هذه الأوجه الجديدة التي تنعكس على كل أجزاءها.
العهد الجديد: النص الأول: المهلة:
“لوقا 13: كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَرًا وَلَمْ يَجِدْ. فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاَثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَرًا فِي هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الأَرْضَ أَيْضًا؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدُ، اتْرُكْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلًا. فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا” (إنجيل لوقا 13: 6-9)
يا ترى ما الذي يصوره لنا هذا المثل؟ ولماذا مع شجرة التين بالذات؟ وماذا يعني أمره بقطعها؟ ولماذا طلب البستاني من المسيح أن ينظره سنة ليصلحها؟ وماذا يعني موافقة المسيح له على هذه المهلة؟
والقول الراجح فيها – منسجما مع باقي أمثلة التين في الأناجيل -: أنه يرمز إلى أمة بني إسرائيل التي عقمت بعدم استجابتها لله وعدم إيمانها بالمسيح فسؤاله عن إبقاء تينة غير مثمرة في محله إذا، إلا أن هذا الموقف سابق ولا شك للموقفين التاليين ليكون طلب الإمهال بغية الإصلاح في مكانه كذلك.
العهد الجديد: النص الثاني: إعدام شجرة:
ومنها: في إنجيل مرقس: 11 فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ.
12 وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ،
13 فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ.
14 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!». وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَسْمَعُون.
15 وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ.
16 وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ.
17 وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلًا لَهُمْ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ».
18 وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ.
19 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ، خَرَجَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ.
20 وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ،
21 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدِي، انْظُرْ! اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!»
22 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ : «لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللهِ.
23 لأَنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ! وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ.
يقول القس هاني ظريف تحت عنوان ( إعدام شجرة ) ما نصه: أوضح يسوع من خلال هذا المشهد أن عدم النفع لا يمكن أن يدوم، وهذا قانون الحياة، فكل عديم النفع لا بد أن يذبل ويزول، لقد كانت شجرة التين بلا نفع فكان مصيرها الذبول والقطع، والأمة الإسرائيلية قد أوجدها الله لكي تعلن مجد الله للأمم وتكون سبب بركة للجميع، أيضا أوجدها الله ليجيء منها المسيح وها هو قد جاء لكن الأمة لم تعرفه ولم تقبله بل هاهي في الطريق إلى صلبه، لقد فشت الأمة في رسالتها لذلك كان مصيرها الخراب وهذا ما وضح في المشهد).
هذه المشهد يبين بلا مواربة – في نظر علماء النصارى – أن بني إسرائيل هم شجرة التين العقيمة في هذا المثل، وأن عيسى عليه السلام هو الحكم على فقدانهم لأهلية حمل الأمانة التي وكلت إليهم، ولكن هل هذا الرأي هو نفسه في نظر علماء يهود؟ كلا، فلهم في تأويله رأي آخر يخرجهم من دائرة الاتهام.
العهد الجديد: النص الثاني: موعظة جبل الزيتون:
ومنها: ما جاء في إنجيل متى الإصحاح 24 ( 32 فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ.
33 هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ.
34 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ.
35 اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.
36 «وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ.
وبعيدا عن الخلاف في معنى هذه القصة فإنها ترتبط بأربعة أمور في غاية الحساسية عندهم، ألا وهي هدم الهيكل ونهاية بني إسرائيل، وفتن آخر الزمان، ومبعث ابن الإنسان، واللافت للنظر أن هذه القصة جاءت في سياق آخر وصية من وصايا المسيح لتلامذته كما جاء في الكتاب باسم موعظة ( جبل الزيتون ) ولو عدت لأن الإصحاح لوجدت فيه: ( 1 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَمَضَى مِنَ الْهَيْكَلِ، فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ لِكَيْ يُرُوهُ أَبْنِيَةَ الْهَيْكَلِ.
2 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ ههُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!».
3 وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟»
4 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْظُرُوا! لاَ يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ.
5 فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ.
فكانت العلامة مرتبطة بحمل شجرة التين العقيمة للثمار كما رأيت، وأن الشعب اليهودي هو المراد بشجرة التين التي سقطت تحت اللعنة، وأنه عندما تعود الحياة إليها مرة أخرى في آخر الزمان فاعلم أن نهاية الزمان قد اقتربت وأن نزول المسيح قد أزف.
ومما سبق أيضا يتضح سبب كتابة أحد الأحبار اليهود المناوئين لدولة إسرائيل مقالا يوضح فيه أن قيام إسرائيل علامة على نهايتها، إذ تقول النبوءة أنه لا يمر جيل حتى يكون ذلك كله، أي لن يمر على قيام دولتهم مئة سنة – على تفسير الجيل بالمئة – إلا وقد كانت لهم اليد الطولى لا ينازعهم أحد.
الإعجاز في تسمية السورة:
من المعلوم أن السورة نزلت في مكة، فبالله عليك كيف للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف ما جاء في كتب اليهود والنصارى بهذا الشكل، وأن يرمز لبني إسرائيل بالتين تلك الشجرة التي بيّن المسيح في موعظته أنها ذبلت وبما أن الشجرة لن تثمر حتى آخر الزمان فقد بان أنها ماتت ولا بد من استبدالها، وأن هذا الاستبدال سيكون بشجرة زيتون لا تذبل.
وهنا يجب التنبيه على أن الدكتور لم يرجع في بحثه إلى أسفار أهل الكتاب من شك ليستيقن عليه بأقوالهم، ولم يصدقهم ولم يكذبهم، وإنما أراد إثبات العلاقة بين التين والزيتون وبين أمة بني إسرائيل وبني إسماعيل في سياق هذه الآيات يما يتناسب مع ذكر القرآن لهم في مواضع أخرى من الكتاب العزيز، وأن تقام الحجة عليهم بأن أصغر سورة من القرآن كفيلة بأن تثبت لهم أن كتاب الله هدى لا ريب فيه، وجديرة بأن تحكم بينهم فيما لا يزالون مختلفين فيه، وليظهر لهم أن هذا الكتاب مهيمن على ما سبقه مصدق لما فيه من الحق وأن كل معنى فيه وإن كانت أقساما في بداية سورة صغيرة – لا جرم – من بحر.
وإنما كان الحكم النهائي في قبول هذه النظرة للسورة هو اتساق المعاني بعضها مع بعض في نسق واحد يجتمع مع بعضه البعض في مقابل الأقوال الأخرى التي لم تفلح بالإجابة على أسئلة المناسبات على وجه متين.
قيامة الشجرة وقيامة القيامة:
في موعظة جبل الزيتون يخبر المسيح عليه اسلام في وصيته الأخيرة ما ينتظر بني إسرائيل من فتن وأهوال وبقرب آخر الزمان، فلما سألوه عن علامة قال: أن تثمر شجرة التين، وهذا هو سبب جعل كاتب المقال قيام إسرائيل علامة على نهايتها، إذ تقول النبوءة أنه لا يمر جيل حتى يكون ذلك كله، فإثمار الشجرة علامة على قرب الزمان، وهذا الإثمار هو قيام دولتهم، وهو ما يسبق نهاية الزمان بجيل على الأكثر، وعليه بنى الصهاينة كل خططهم، لكنهم اختلفوا في مدة الجيل، حيث قدروا الجيل بأربعين سنة ثم لما مضت الأربعين ول (الجملة غير مكتملة) مدوه إلى مئة، حيث تكون الأحداث بعد مرور المئة هذه وهذا ما يتفق مع تفسيره عندنا.
ما المراد بطور سينين؟
طور سينين هو المكان المقدس من جبل الطور بسيناء، وكان عنده مبعث رسول من أولي العزم من الرسل وهو موسى عليه السلام، وفي المكان نفسه بعد سنوات كان ابتداء مرحلة جديدة لأمة بني إسرائيل على طريق اختيارهم واصطفائهم، وليكونوا – لحكمة يعلمها الله – أول أمة تتلقى من الله عهد الإمامة والخلافة وتختار بعلم لمزيد من العناية والتربية، ولتتأهل لحمل مهمة اتباع الرسل ولتضطلع بعهد الله لهم بالقيام بمهام الاستخلاف وحمل الدين، فهو شاهد على أمة بني إسرائيل وهي في طريقها الطويل ومشوار إعدادها كأمة مستخلفة، من أول بعثة موسى عليه السلام إلى هلاكهم على أيدي الرومان بعد خيانتهم للمسيح عليه السلام سنة سبعين بعد الميلاد، حيث شهد الطور كلام الله لموسى، ومواعدة الله إياه حين اصطفاه وكلمه، ثم شهد عليهم إنجازه وعده بأن أنجاهم من عدوهم وأتم نعمته عليهم، وعاين عبادة قومه للعجل والتفافهم حول السامري، ونتقه فوقهم كأنه ظلة حيث أخذ عليهم الميثاق أن يأخذوا ما آتاهم بقوة فقالوا سمعنا وعصينا، فتاهوا في سيناء أربعين سنة حين رفضوا دخول الأرض المقدسة وملاقاة القوم الجبارين.
ويقال هنا ما قيل في التين، أن المراد بالقسم ليس مجرد قدسية المكان فحسب، وإن كان المكان مقدسا، ولكن فيه إشارة واضحة وتلميحا أبلغ من المصارحة بالعهد والميثاق والتكليف، وبهذا يجري الكلام في سياق واحد.
الطور شاهد على التكذيب:
فعند الطور كلم الله موسى عليه السلام ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) )
وعند الطور واعد الله موسى عليه السلام ثلاثين ليلة وأتمها بعشر ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) )
وعند الطور اصطفى الله موسى بالرسالة والألواح ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) )
وعند الطور واعد الله بني إسرائيل حين نجاهم من فرعون ( يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) )
وعند الطور نكث بنو إسرائيل عهدهم وانساقوا خلف عبادة العجل.
وعند الطور كانت آية من آيات الله لبني إسرائيل وهي رفع الطور فوقهم معجزة لموسى عليه السلام وتصديقا له فيما سيبلغهم عن الله ولتكون آية مخوفة لهم لكي يأخذوا أحكام التوراة بعزيمة ومداومة ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) )
كل هذه القصص التي ذكر فيها الطور، ذكر فيها العهد والميثاق، وذكر فيها من جانب بني إسرائيل الخيانة والتفريط والتكذيب.
هذا هو ما شهد عليهم به طور سيناء المقسم به في هذه السورة.
ما مناسبة وصف الطور بسينين وليس سيناء؟
كلمة سينين لم تذكر إلا في هذا الموضع، والمراد بها حكما أرض سيناء، وهو اسم أعجمي لهذه الأرض، وقد بين الدكتور رؤوف أبو سعدة في كتابه ( من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن ) أن كلمة ( سين ) هي بمعنى الشجرة، وهي كلمة من المصرية القديمة لا من العبرية، ويستشهد بما جاء في سفر الخروج فصل 16 ( إن بني إسرائيل بلغوا برية سين، ) وهي تحوير من شين الهيروغليفية على معنى الشجر، إذ لا يمكن أن يكون المصريون لم يسموا هذه المفازة الواسعة ذات الشجر وتركوها للإسرائيليين كيف يسموها هم، والصفة على النسب تجيء في الهيروغليفية مثل ما تجيء في العبرية والعربية بإضافة الياء غير المشددة في آخر الاسم المنسوب إليه، فتقول ( شَينِي ) أي ذو شجر وليست شني المصرية من سني العبرية ببعيد )، كما يضيف أن العبرية دأبت تشين سين المصرية القديمة وتسين شينها.
فعلى هذا يكون المعنى هنا هو طور الشجرة، نسبة إليها، بخلاف الموضع الآخر طور سيناء نسبة إلى المكان، وهو قريب لما ذهب إليه الأخفش – ولكن بقياس عربي – ( سينين جمع بمعنى شجر وواحدته سينة فكأنه قيل طور الأشجار ).
وليس يخفى على القارئ أن هذه الشجرة المباركة هي شجرة الزيتون كما في قوله تعالى ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ) فلا يجتمع الصبغ والدهن والأكل إلا في شجرة الزيتون، فتكون الشجرة التي نودي منها موسى شجرة زيتون، لا شجرة عليق كما يزعم أهل التوراة.
وهكذا حققت هذه الكلمة أربعة أنواع من المناسبات:
الأول: التناسب اللفظي بين نهايات الآيات في السورة.
الثاني: تأكيد (يمكن حذف هذه الأسطر لأن الكلام بعدها مفصّل أكثر في أنواع المناسبات الأربع المذكور منها اثنان فقط في هذه الأسطر)
ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف الطور بطور سينين؟
فيها عدة معان: (يمكن بدء هذه الفقرة بهذه الجملة: حققت كلمة طور سنين أربعة أنواع من المناسبات)
منها: التناسب اللفظي بينها وبين فواصل السور.
منها: الإعجاز في تسمية صحراء سيناء بهذا الاسم برية سين أو برية الأشجار، وأنها من المصرية القديمة، وأن الطور والصحراء نسبت لهذه الشجرة وبها تسمت، وبهذا تثبت سورة التين هذا النوع الفريد من الإعجاز القرآني في تفسيره لكل علم أعجمي ورد فيه، فمن أين للنبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف كل هذا؟!
ومنها: التأكيد على أن المراد بالتين والزيتون هما الشجرتان على الحقيقة كما ذهب أكثر المفسرين.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف مكة بالبلد الأمين؟
الأمين على وزن فعيل وفيها معنيين:
أمين من الأمن بمعنى آمن: فهو مكان آمن حرمه ابراهيم عليه السلام بأمر الله فكان ( حرما آمنا ) كما قال الله عنه، وكذلك قوله تعالى ( ومن دخله كان آمنا ) يعني أمنوه، وهذا فيه ذكر أحدى المنن التي امتن الله بها على بني إسماعيل من تحريم بيته وجعله معهم، وهذا فيه إشارة إيضا إلى الامتنان عليهم بهذا لأنهم قبلوا الوحي وحملوا الأمانة وقاموا بالدين.
أمين من الأمانة بمعنى صاحب أمانة وعهد، أي شاهدا على قيام هذه الأمة بالرسالة التي حملتها رسالة تبليغ دين الله إلى الناس جميعا كما وصلها، كما شهد الطور على بني إسرائيل وإعدادها للتأهل للمحافظة عليه، أمة بني إسرائيل التي كذبت بهذه الرسالة فعقمت في الدنيا وسيردها الله أسفل سافلين في الآخرة.
وفي وصفه بالأمين تنبيه لبقاء شروط الاستخلاف وحث الأمة على رعاية عهدها إذا لا يحابي الأمين في شهادته.
المناسبة والتقابل بين الأقسام:
إذن هناك عدة خيوط تربط هذه الاقسام ببعضها البعض:
أولها: خيط الوحي والنبوة، فهي تشير إلى مبعث أمتين اختارهما الله لوراثة هذه النبوات هما أمة بني إسرائيل وأمة الإسلام.
ثانيهما: خيط بقاء وطول عمر، يربط شجرتين معمرتين لآلاف السنين، بأمتين لم تعمر مثلهما أمة من الأمم على مدار التاريخ قد أمد الله في عمرهما إلى الآن.
ثالثهما: خيط اختيار وتكريم يجمع بين ثمرتين مباركتين لهما من الفضائل والمنافع ما فيهما، وبين أمتين مختارتين اصطفاهما الله وفضلهما على العالمين.
واربعها: خيط عقم يقابله خيط دوام، عقم في شجرة التين وأمة بني إسرائيل التي لم يجد المسيح عليه السلام عليها ثمرا فلعنها لعقمها، في مقابل دوام شجرة الزيتون وأمة الإسلام التي لا تعقم أبدا.
وخامسها: خيط نقض عهد وخيانة يقابله خيط حفظ ميثاق وأمانة، خيانة شجرة أخلفت وعدها وأمة نقضت ميثاق الطور، في مقابل شجرة الزيتون المباركة مع الأمة المستأمنة على عهد الخلافة من هذا البلد الأمين.
ما هو تفسير أحسن تقويم وأسفل سافلين بحسب هذا القول؟
ويمكن القول أن الكلام هنا لازال مستمرا متعلقا بما سبق الحديث عنه في المقطع الأول: أي أن المقصود بأحسن تقويم هو عملية تصحيحية لمسار هذا الإنسان ليصل إلى مقام التفضيل الأسمى الذي خلق له بواسطة هذا الدين الذي أعطاه الله للإنسان، ويكون المعنى: أن الله خلق الإنسان وأيده بالوحي والتوجيه منذ أول خلقه، منذ أن أوحى إلى آدم كلمات فتاب عليه وكانت هذه أول عملية تقويم تجري لتعيد آدم إلى رضوان الله، ويكون معنى أسفل سافلين: هو ما اختاره حين انصرف عن تحمل هذا العهد وهذه الأمانة – كما حصل مع بني إسرائيل – فعقمت وعوقبت بانتقال الوحي في الدنيا وبالنار في الآخرة.
والقيام بأمانة هذه الوحي ، هي الغرض من استخلاف الإنسان على هذه الأرض، والطريق الوحيد لانتشاله من السقوط والتردي كما نرى الآن في التيه الذي تعيش فيه البشرية بين الرأسمالية واللبرالية والإلحاد والشذوذ بل وحتى عبادة الشيطان، إن إقامة الشريعة بمفهومها الشامل لكل نواحي الحياة، وعلى مستوى الفرد والأمة، هو الذي يصلح الفرد من جهة، ويقيم الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والتعليمية والتربوية المتكاملة التي تحمي الإنسان وتقيم اعوجاجه بشكل دائم، وهو المراد بأحسن تقويم، إذ لا يمكن تقويم الفرد وتقويم المجتمع إلا على أساس الوحي والشريعة، والحق أن الإنسانية تتردى في الهاوية، وتنتحر بيدها وتختنق بقوانينها ومبادئها، وهناك منهج واحد لا يتعدد هو الذي يملك إنقاذها، وهناك طريق واحد فقط للخلاص، إنه شرع الله ورسالته إلى أمة الإسلام.
فمن استعصى بعد ذلك على الاستجابة لهذا التقويم، وتمرد على أمر الله واتبع هواه، وخان العهد وضيع الأمانة ونسي مهمة الاستخلاف، فهذا الذي يتردى مع غوايات الشيطان المتربص له بطريق السمو والرقي والتكريم، وهذا الذي يرد إلى أسفل سافلين، وينقطع ذكره باستمرار انحرافه، ويفقد أهلية التكريم بانقطاع خيره، تماما كما فقدته شجرة التين العقيمة الملعونة على لسان المسيح عليه السلام بعد أن رفض بنو إسرائيل ( التقويم ) الذي أرسله الله عز وجل به إليهم، وهذه هي سنة الله في خلقه أن يستبدل من ( كذب بالدين ).
ويؤيد هذا أيضا ما جاء في مواضع عديدة من الحديث عن التزكية والتعليم بصيغة المضارع التي تفيد الاستمرار ( يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) وهي مرادفة لعملة التقويم التي تحدثت عنها الآية.
ومما يدعم هذا المعنى، أي تفسير أسفل سافلين بالنار، أن الشجرة التي تعقم وتتوقف عن الإنتاج فليس لها من سبيل سوى القطع والإلقاء في النار.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها اختيار لفظة التقويم؟
المراد منها التعريض بهؤلاء الذين كذبوا الدين، بأنهم كذبوه مع أنه هو الذي سيصلح فساد حياتهم، فكأنها تقول لهم: بأي عقل وبأي منطق كذبتم بهذا الدين وفيه إصلاح حياتكم ومعاشكم وآخرتكم؟
إنه اتباع الهوى فحسب.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها العطف بـ(ثم)؟ وما هي مناسبته للسياق؟
(ثم) حرف عطف يدل على المهلة، وهي للترتيب الزمني مع التراخي، وهو هنا يدل على رحمة الله بهذا الإنسان المكرم بخلقه في أحسن تقوم، والمختبر بتفضيله على العالمين فقد منحه الله الفرصة تلو الفرصة ليحسن نتيجة افعاله ولينجح في الاختبار، وهذا أيضا يتناسب مع ما ذكر سابقا من طلب صاحب الشجرة من عيسى عليه السلام أن يمهله سنة أخرى لعلها تثمر، وجاء هذا المعنى كثيرا في القرآن من مثل قوله تعالى ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ).
ما المراد بقوله تعالى رددناه أسفل سافلين؟ وإذا كان الراد هو الله فلماذا يحاسب الإنسان؟
معنى قوله تعالى رددناه أسفل سافلين: أي ركبنا فيه الشهوات التي إن اتبعها تسلطت عليه وغلبت على عقله فأعمته حتى أوردته الموارد وأوقعته في المهاوي والمعاطب، حتى إنه ليترك الدين الذي فيه تقويم اعوجاجه، لأجل هواه هذا، وانسياقا مع هذه الشهوات.
وأما الحساب فعلى موجب الوحي الذي أنزل، فطالما أن الله أودع في خلق الإنسان نوازع الخير ونوازع الشر، وبين له طريقة وسنة يقوم بها اعوجاجه، وأعطاه حرية الاختيار بالقيام بالدين أو تكذيبه، فلا عجب أن يحاسبه بعد ذلك على اختياره هو.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها تقديم المردودين إلى أسفل سافلين واستثناء المؤمنين منهم؟
فيه معنيان:
الأول: أنهم الأكثرون في مقابل المؤمنين.
الثاني: أنه الأقرب إلى اسم السورة وجوها الذي تتحدث عنه، فالسورة سميت باسم التين الشجرة التي تعقم والأمة التي تنكث.
لفظة رددناه يفيد بأن الإنسان كان أصلا في أسفل سافلين فما هي المعاني التي ينتهي إليها هذا اللفظ؟
هذا التعبير للإشارة إلى أن نفس الإنسان في ذاتها جاهلة عاجزة فقيرة، ولو أنها تركت وأهواءها دون ( تقويم ) بهذا الدين لانساقت وراء شهواتها، ولصارت إلى أسفل ساقلين، وإنما يأتيها العلم والقدرة والغنى من الله بفضله ورحمته فما حصل لها من كمال وخير فمن الله وما حصل لها من عجز وفقر وجهل يوجب الظلم والشر فهو منها ومن حقيقتها.
ومن هنا نفهم أحسن تقويم باعتباره منهج وصول النفس الإنسانية إلى كمالها الذي أراده الله لها إذا هي استجابت لأمره ووحيه وحملت أمانة الدين،
ما هي المعاني التي ينتهي إليها الانتقال إلى الحديث عن الجمع بعد أن كان عن المفرد؟
صيغة المفرد (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين) تناسب معنى أن المسؤولية فردية وأن الاختيار مسألة فردية (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) وأن كل إنسان محاسب على اختياره هو (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) (ولا تزر وازرة وزر أخرى).
أما صيغة الجمع مع الإيمان وعمل الصالحات (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) لأن نفعهما يعود على الإنسان وعلى المجتمع والأمة . هذا والله أعلم
ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف الناجين من التردي بالإيمان والعمل الصالح؟
الاستثناء هذا ينتهي إلى عدة معاني:
منها: أن ثمار الإيمان إنما هي الأعمال الصالحة، ولا يكاد يذكر الإيمان إلا ويذكر معه العمل الصالح، تأكيدا لمعنى النفع الذي يستكمل به المؤمنون تأهلهم للقيام بحق الأمانة.
ومنها: أن سبب النجاة إنما هو الإيمان والعمل الصالح، وهذا غير مرتبط لا بجنس ولا بلون ولا بعرق ولا بشعب، وإنما هو الإيمان والعمل الصالح فحسب، فخيرية هذه الأمة التي يختارها الله لدينه ويستثنيها من السقوط ويرفعها، ويغرسها في أرضه ولا يقلعها، لا جنس لها ولا عرق، وإنما تكمن خيريتها في رسوخ إيمانها وعموم نفعها وانتشار خيرها، وهو ما تثبته سورة التين بعد تجربة استخلاف الله لبني إسرائيل على أساس جنسهم وبنوتهم لسلالة الأنبياء الطاهرة، فإذا بالتجربة تثبت كما تثبت الآية أن الاستثناء لا لجنس ولا للون وإنما لشروط الإيمان والعمل الصالح ليس إلا.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها إيراد الحديث عن الإيمان والعمل الصالح بصيغة الماضي؟
هذا فيه إشارة إلى أن الإيمان العمل الصالح صار لازما من لوازم صفاتهم، لأن الفعل الماضي يفيد الانقضاء والانتهاء، فهم قد عزموا أمرهم عليهما، وحطوا رحالهم فيهما، وقضي الأمر.
كما أن مقام المكافأة والجزاء مناسب للماضي، إذ الأجرة بعد الخدمة، فكان بقاؤهم وامتدادهم وإثمار شجرتهم وثبوت جذورها وبقائها، نتيجة لإيمانهم وعملهم الصالح.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام الفاء هنا؟
الفاء هنا تفيد معنيين:
الأول: الجزاء، لأن المعطوف المحذوف شرط لحصول الأجر غير الممنون.
الثاني: التعقيب مع السرعة، مقابلا بذلك التراخي في قوله ( ثم رددناه ) ليتبين حلم الله مع العصاة وإمهاله لهم وصبره عليهم مع سرعة إكرامه للطائعين إحسانا منه سبحانه.
ما مناسبة وصف الأجر هنا بغير الممنون؟
وصف الأجر بغير الممنون أي غير المقطوع، فيه استمرار لمعنى الدوام والاتصال الذي في شجرة الزيتون، في مقابل العقم والقطع الذي في شجرة التين، فكما أن أمر بني إسرائيل انقطع بنكثهم العهد وتخليهم عن الوحي، فإن هذه الأمة سيبقيها الله في أرضه، ويديم أجرها، من جنس عملها الدائب الذي لا يعتريه انقطاع، فكان الأجر غير مقطوع من جنس العمل غير المقطوع.
وهذه الفاصلة هي الوحيدة بالواو والنون مع أول آية فيها.
وقيل أن الممنون هو المصاحب للمنة أي لا منة فيه، أي لا يشوبه كدر، كما هي فطرة الإنسان الصافية،
( النتيجة )
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
ما هو موضوع هذا المقطع، وما مناسبة الابتداء به، وما مناسبته لمقصد السورة؟
هذا المقطع يشبه أن يكون بمثابة نتيجة أو هدف لكل ما سبق، فكل ما سبق توطئة وتهيئة له، ومقدمات بين يدي الغرض الذي سيق لأجله الكلام وهو الحديث عن ( التكذيب بالدين ).
ما هو معنى الدين في هذا الموضع؟
الدين كلمة تدور حول معان منها:
الأول: القهر والغلبة من سلطان
الثاني: الطاعة والعبودية من قبل خاضع لسلطان
الثالث: الحدود والقوانين والطريقة التي تتبع.
الرابع: المحاسبة والقضاء والجزاء والعقاب.
وفيها معان أخرى.
وأقرب هذه المعاني وأليقها بالسورة، هو الدين بمعناه العام، أي الحدود والطريقة والقوانين التي تتبع، أي مجمل العقائد والشعائر التي جاء بها الدين عموما،
وأخيرا مقصد السورة..
وكأن السورة تقول لنا:
إياكم أن تتخلوا عن أمانة حمل هذا الدين فتستبدلوا كما استبدل بنو إسرائيل وتعقم شجرتكم كما عقمت شجرة بني إسرائيل، ثم تكون عاقبتكم في الآخرة جهنم وبئس القرار، ومالكم ألا تقوموا بهذا الدين وفيه صلاحكم وانتظام أحوالكم ولا عجب، فالله هو منزل هذا الدين وهو أعلم بما يصلح أحوالكم ويمنع فسادها.
وهذا هو مقصد السورة فيما يظهر أنها تبين عاقبة التكذيب بالدين سواء في الدنيا بالاستبدال، أو في الآخرة بالرد إلى أسفل سافلين.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved