التحذير من حال أهل الهزائم

(التحذير من حال أهل الهزائم)

( وأطيعوا .. ولا تكونوا )

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴿٤٥ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴿٤٦وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴿٤٧وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴿٤٨إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴿٤٩وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴿٥٠ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴿٥١كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴿٥٢﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴿٥٣كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴿٥٤ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴿٥٥الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ﴿٥٦فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴿٥٧وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴿٥٨وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ﴿٥٩وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴿٦٠ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴿٦١ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴿٦٢وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴿٦٣

ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟

بعد أن سار الكلام مراحل في الحديث عن نعم الله وعنايته بهم ونصرهم وخذلان أعداءهم وصرف أذاهم عنهم، ابتدأ هذا المقطع ببعض الأوامر للمؤمنين، من الثبات لدى لقاء العدو، والإكثار من ذكر الله عز وجل لدى اللقاء، ومن الاجتماع وترك التنازع لتجنب الفشل والهزيمة، ومناسبة هذا الكلام أنه الأمر الذي يهيء لهم النصر في المواقع كلها ويستدعي عناية الله وتأييده، فجمع في هاتين الآيتين ما فيه قوام النصر في الحروب، مبتدئا إياهما بقوله ( فاثبتوا ) وخاتما إياها بقوله ( واصبروا )، لينتقل الكلام انتقالا رائعا سلسا إلى وصف حال أهل الهزيمة، أهل الكفر، ووصف أحوالا لهم عديدة، في خروجهم بطرا ورياء، ليحذر المسلمين من سلوك طريقهم الذي أدى بهم إلى الانهزام، وفي تخلي الشيطان عنهم حين احتدام المعركة وفي مقولة المنافقين يومها، حتى ليوقن السامع أن ما نال المشركين يؤمئذ إنما هو خذلان من الله واقع عليهم، انتقل الكلام إلى وصف حالهم عند وبعد موتهم، حين تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم، وما ذلك ببدع من الأمر، فهو سنة من كان قبلهم من الطغاة الجبابرة فرعون وقومه.

ما مناسبة الأوامر الخمسة في بداية المقطع؟

أمرهم بخمسة أشياء في بداية المقطع لها علاقة مباشرة بالنصر، وبأمر آخر منفصل عنهم، ولا تجتمع في فئة قط إلا نصرت وإن قلت وكثر عدوها:

فأما الخمسة المتصلة:

فأولها: الثبات

وثانيها: كثرة الذكر، وتأمل كيف أمر بكثرة ذكره في أضيق الأوقات – وهو وقت الالتحام –، ولو رخص لأحد أن يترك الذكر لرخص للمجاهد وقت النزال، وذكر الله في مثل هذه المواضع دليل قوة المحبة، وحضور المحبوب في القلب حتى في مثل هذه اللحظات التي لا يهم المرء فيها غير نفسه، فإن دل ذلك على شيء دل على أنه عنده أعز حتى من نفسه، وكانت العرب تفتخر بمثل هذا، وتذكره في أشعارها.

وثالثها: طاعة الله ورسوله واتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الوهن، وهو القضية الكبرى في السورة.

ورابعها: الاجتماع وذلك في قوله ( فلا تنازعوا )

وخامسها وآخرها: الصبر، والذي هو جماع ذلك كله، وذكر الصبر عقب ذكر التنازع إشارة إلى أن المقصود بالصبر هنا ليس الثبات فحسب، بل الصبر على طاعة الأمير في تدبير الحرب، فإن الحرب لا تصلح إلا بمدبر واحد، ولما كان اختلاف الآراء طبيعة مركوزة في النفوس، أمر الله بحبس النفس على طاعة الأمير وإن خالف رأيه هوانا، إذا لا يفل عزم الجيش مثل التنازع والتفرق.

وأما الأخير المنفصل فهو: حشد جميع القوى في هذه المعركة، وطبعا العبارة تدل على أي قوة خشنة كانت أو ناعمة أو رديفة ( عسكرية أو تقنية أو اجتماعية أو زراعية أو اقتصادية أو علمية أو إعلامية أو معلوماتية ) ولطالما أغفل كثير من المسلمين هذا الشرط وسلموا المعارك لغير الخبراء ففقدوا أسباب القوة وظنوا أن الله ينصرهم إذ أغفلوا السنن الكونية في مثل هذا فجاءت الأمور على غير ما يشتهون لا لأن الله أخلف وعده معهم، حاشا وكلا، ولكن لأنهم فرطوا في أسباب النصر.

وهذه الوصايا هي الأركان التي تبتنى عليها قبة النصر فمتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها وإذا اجتمعت قوى بعضها بعضا وصار لها أثر عظيم في النصر ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم وفتحوا الدنيا ودانت لهم البلاد ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت آل الأمر إلى ما آل.

ما مناسبة الأمر بالإعداد بعد قوله تعالى ( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ) ؟

الآية الآولى ( ولا يحسبن .. ) أفادت توهين أمر المشركين والحط من قدرهم، فأتبع ذلك بالأمر بالإعداد والاستعداد لهم لئلا يحسب المسلمون أن المشركين قد صاروا في مكنتهم، وأنهم ضمنوا النصر عليهم وانتهت المعركة، وأنهم لا يعجزون لأن الله قد سلط عليهم هؤلاء المؤمنين، وأن المعركة لا تنتهي حتى تقوم الساعة.

ما مناسبة زيادة وصف قوي هنا؟

زيد وصف قوي هنا للمبالغة في تهديد المشركين المقصودين بالإنذار والتهديد.

ما مناسبة الحديث عن فرعون هنا؟

الكلام هنا وإن كان في وصف مباشرة لحال فرعون وما آل إليه، إلا أن فيه تحذيرا لقريش أن يحل بهم ما حل بغيرهم من الأمم الذين بطروا النعمة، فقوله ( لم يك مغيرا ) مؤذن بأنه سنة الله ومقتضى حكمته، وضرب المثال بالأولين فيه تنبيه للمكذبين إلى يوم الدين، وليس قريشا فحسب، وهذا واضح خاصة أنه أشار إلى سنة من سننه تجري إلى يوم القيامة.

ما مناسبة قوله تعالى ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا .. ) الآية؟

جاءت هذه العبارة عقب الحديث عن العقاب الشديد من الله عز وجل لفرعون وقومه، للإشارة إلى أن هذا الذي نزل بهم إنما كان بسبب أعمالهم التي تسببوا بها في زوال نعمتهم، وذلك أن فرعون والذين من قبلهم كانوا في نعمة فغيرها الله عليهم بالنقمة وأن ذلك جرى على سنة اله أنه لا يسلب نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

ما مناسبة تكرير قوله ( كدأب آل فرعون )؟

هذا التكرير مقصود منه التأكيد والتسميع، وتقرير الإنذار والتهديد، وخولف بين الجملتين تفننا في الأسلوب وزيادة للفائدة بذكر التكذيب هنا بعد ذكر الكفر هناك، وهمما سببان للأخذ والهلاك كما تقدم.2

والإشارة بكلمة ( ذلك ) في بداية الجملة للعناية بالمخبر عنه وبالخبر،

ما مناسبة ذكر البطر والرئاء بصيغة الاسم والصد عن سبيل الله بصيغة الفعل في قوله تعالى ( بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله )؟

من المعروف أن الاسم يدل على الثبات والاستمرار وأن الفعل يدل على التجدد والحدوث، فالمشركين كانوا مجبولين على البطر والمفاخرة والعجب، فجيء معه بالاسم، أما صدهم عن سبيل الله فإنما حصل في الزمان الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه مسألة وقتية فجيء معها بالفعل، فوصفهم بالمصدر للمبالغة في تمكن الصفتين – العجب والرياء- منهم، وجاء بالفعل مع الصد عن سبيل الله للدلالة على حدوث ذلك وتجدده.

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved