التحذير من الإعراض عن التكليف في سورة الجمعة

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

الجمعة ولا يعرف لها اسم غير هذا

مكان نزولها؟

نزلت في المدينة ويظهر أنها نزلت سنة ست وهي سنة خيبر، فظاهر حديث أبي هريرة الذي أشرنا إليه آنفا «أن هذه السورة نزلت بعد فتح خيبر لأن أبا هريرة أسلم يوم خيبر» .

وظاهر حديث أبي هريرة يقتضي أن هذه السورة أنزلت دفعة واحدة غير منجمة.

كم عدد آياتها ؟

وعدت آيها إحدى عشرة آية باتفاق العادين من قراء الأمصار.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

روى مسلم عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ، فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ، فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ: فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ».

وروى كذلك عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ “.

وهذا الاهتمام منه صلى الله عليه وسلم بهذه السورة وإدامة قرائتها دليل على أهميتها، وحرصه على بقاء هذه المعاني التي تقصها السورة حاضرة في أذهان المسلمين عامة.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك؟

ذكر بعض أهل العلم أن مقصد هذه السورة هو ذكر ( أحكام سورة الجمعة ) بناء على ما ذكر في الآيات الأخيرة من هذه الأحكام.

إلا أن اختيار مثل هذا مقصدا للسورة يبقى قاصرا عن الإجابة بشكل قوي عن المناسبة بين المقاطع الأخرى وبين محور السورة.

والذي يظهر من خلال التأمل العميق في السورة أن محورها ومقصدها هو ( حمل الدين والتحذير من الإعراض عنه ) وإنما جاء الحديث عن الجمعة في المقطع الأخير لا لبيان أحكام الجمعة وإنما للتنبيه على حادثة وقعت في هذا اليوم، وهي حادثة ترك المسلمين للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الجمعة وانصرافهم للعير التي أتت للمدينة، وقد روى هذه القصة البخاري في صحيحه عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ” بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}

والمعنى الذي تدور حوله هذه القصة هو: إعراض بعض المسلمين عن الصلاة رجاء شيء من الدنيا، فهذا ما حصل، والذي يظهر أن اسم السورة ( الجمعة ) لم يكن لبيان أمور يوم الجمعة بشكل عام بل كان يشير إلى هذه الحادثة خاصة والتي جرت في هذه الصلاة الخطيرة الشأن في هذا اليوم الخطير الشأن، والتي كان محورها كما سبق.

وتكون العبارة المحورية قلب السورة هو قوله تعالى ( حملوا التوراة ثم لم يحملوها ) وتأتي السورة كلها للتحذير من هذا الأمر وتشنيعه وتقبيحه.

ما أهمية هذا المقصد في حياة الإنسان وما سبب إفراده في سورة مستقلة؟

السورة كما قلنا تتحدث عن حمل الدين والتحذير من الإعراض عنه، ليس هذا فحسب بل إنها تقرر مرة أخرى في خلد الأمة الإسلامية أنها هي المختارة لحمل العقيدة والتشريع بصورته النهائية، بعد أن نكل عنها بنو إسرائيل، سواء من كان منها آنذاك في المدينة أو من سيأتي بعدهم ممن أشارت إليهم السورة في أثناء الحديث، وأن هذا التكليف فضل ومنة من الله عليها، فضل يستحق الشكر والالتفات والاهتمام.

كما أن هذه السورة تأتي لتضيف لبنة في عملية البناء النفسي المتطاولة والعسيرة لأمة الإسلام بعد تلك الحادثة، وهي حادثة تكشف بذاتها عن مدى الجهد الذي بذل في تربية تلك الجماعة الأولى حتى انتهت إلى ما انتهت إليه وحتى صارت ذلك النموذج الفريد في تاريخ الإسلام وفي تاريخ البشرية جميعا. وتلهمنا الصبر على مشقة بناء النفوس في أي جيل من الأجيال، لتكوين الجماعة المسلمة التي تنهض بحمل أمانة هذه العقيدة، وتحاول تحقيقها في عالم الواقع كما حققتها الجماعة الأولى.

لأجل كل هذا جاءت تلك المواضيع مسبوكة سبكا حسنا مترابطا في سورة منفردة حملت هذا الطابع وهذه الرسائل وهذه الهدايات.

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved