الاستضعاف المادي للمسلمين في سورة سبأ

المادة مفرغة من محاضرات للدكتور أحمد عبد المنعم

 

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

هذا اسمها الذي اشتهرت به في كتب السنة وكتب التفسير وبين القراء ولا يعرف لها اسم غيره.

مكان نزولها؟

وهي مكية وحكي اتفاق أهل التفسير عليه.

وعن مقاتل أن آية ويرى الذين أوتوا العلم إلى قوله: العزيز الحميد [سبأ: 6] نزلت بالمدينة. ولعله بناء على تأويلهم أهل العلم إنما يراد بهم أهل الكتاب الذين أسلموا مثل عبد الله بن سلام. والحق أن الذين أوتوا العلم هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وعزي ذلك إلى ابن عباس، أو هم أمة محمد، قاله قتادة، أي لأنهم أوتوا بالقرآن علما كثيرا قال تعالى: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم [العنكبوت: 49] ، على أنه لا مانع من التزام أنهم علماء أهل الكتاب قبل أن يؤمنوا لأن المقصود الاحتجاج بما هو مستقر في نفوسهم الذي أنبأ عنه إسلام طائفة منهم كما نبينه عند قوله تعالى: ويرى الذين أوتوا العلم إلخ.

كم عدد آياتها ؟

وعدد آيها أربع وخمسون في عد الجمهور، وخمس وخمسون في عد أهل الشام.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

لم يثبت فيها شيء.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟

لا بد للباحث في السورة ابتداء أن ينظر في أمرين مهمين :

الأول: زمن نزول السورة لتحديد الجو العام الذي نزلت فيه السورة وبالتالي يحاول أن يتلمس القضايا التي عالجتها السورة في ظل الوقت الذي نزلت به .

الثاني: الموضوع الذي عالجته السورة وهذا لا يتضح إلا بعد سبر مواضيعها مستحضرا اسم السورة.

المتأمل في السورة يرى عدة أمور:

أولا: أنها سميت بسورة سبأ نسبة إلى قوم سبأ الذين أنعم الله عليهم بمال وفير وسعة من العيش، إلا أنهم ( أعرضوا وكفروا ) كما أشارت السورة إليه، في مقابل قصة أخرى مقابلة هي قصة داوود وسليمان ( الشاكرين ) كما ذكرت ذلك السورة، من هنا يمكن لنا أن نتلمس المحور العام الذي تدور عليه السورة وهو سعة وإعراض في مقابل سعة وشكر

ثانيا: السورة نزلت كما ذكرنا في مكة في وقت كانت فيه قريش ممسكة بزمام الأمور الاقتصادية كلها، المال والتجارة والسواد الأعظم، وهم في منعة وسؤدد.

ومما يدعم ذلك أيضا قولهم في السورة ( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون * وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين )

وهذه السعة لم تؤد بقريش إلا إلى السعي في الصد عن سبيل الله وهذا واضح في تكرار كلمة ( السعي في الآيات ) مرتين في السورة، إضافة إلى ( مكر الليل والنهار ) هذا السعي وهذا المكر في الصد عن سبيل الله واقع من المترفين والمتكبرين على المستضعفين الذين عرضت الآيات جانبا من هذا الحوار الذي دار في هذه السورة بين هؤلاء وهؤلاء في الآخرة

كل هذا والمسلمون ليس في أيديهم شيء، لا مال ولا عدد ولا منعة، وهم فقراء مستضعفون مقهورون.

في مثل هذه الظروف قد يتسرب الشك إلى نفوس بعض المسلمين، أولسنا على الحق؟ لماذا نحن في ضيق وشدة مع أننا على الحق وأهل دين الله وعدونا على الباطل وهم يتنعمون في رغد العيش؟ لماذا يرزق الله أعداءه مثل هذه القوة والسلطة بينما نحن في ضعف وشدة؟ أوليس هو مالك السموات والأرض، قادر على أن يوسع علينا في الرزق؟

هذه السورة تأتي لتعالج هذه القضية المهمة والخطيرة والتي نعيش أياما تشبه أيامها، وما أشبه اليوم بالبارحة، حيث الدعاة وأهل الحق في ضيق وشدة، بينما أهل الباطل في سعة وقوة.

إذا السورة تعالج قضية رئيسة هي قضية الضعف المادي للمؤمنين الذي يقابله استكبار مادي لأهل الباطل الذين يسعون بل جهدهم في صد الناس عن سبيل الله فخاطبت السورة هذه الأصناف الثلاثة كل بما يناسبه مقامه.

وقرائن كثيرة تشير إلى ذلك:

منها: ورود قصتي داوود وسليمان عليهما السلام من جهة وسبأ من جهة أخرى مع التركيز على ما كانا فيه من النعمة والسعة، وكيف أن المثال الأول حفظ الله عليه النعمة بشكره والثاني زالت بإعراضه، وهذه هي أهم القرائن على المراد في السورة، خاصة أن السورة سميت باسم إحدى القصتين المتقابلتين.

ومنها: الافتتاح بنسبة الملك لله بعد الحمد مباشرة ( الحمد لله الذي له مافي السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة )

ومنها: قوله ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ) وفي هذا نزع لأي شائبة ملك على ما سيأتي تفصيله لاحقا.

ومنها: قوله ( قل من يرزقكم من السموات والأرض )

ومنها: قوله ( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها )

ومنها: قوله ( وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين )

ومنها: قوله ( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) وجاءت مرة أخرى بزيادات.

ومنها: قوله ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله )

كل ما سبق يؤكد على أن موضوع الضعف الاقتصادي الذي يصيب المسلمين هو المراد الأول في السورة.

الكبراء والمستضعفون في السورة:

كل هذا الاستضعاف المادي جاء في جو يشير إلى سعي الكبراء الحثيث وإنفاقهم الغالي والنفيس من المال والوقت للصد عن سبيل الله، وجاء هذا في مواضع عديدة:

منها: قوله تعالى ( والذين سعوا في آياتنا معاجزين ) وقوله لاحقا ( والذين يسعون ) وما تشير إليه الألفاظ من شدة في السعي للصد عن سبيل الله

ومنها: قوله تعالى ( وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبؤكم إذا مزقتم كل ممزق ) وما فيه من السخرية ومحاولة السعي في الصد عن سبيل الله.

ومنها: الحوار الذي دار بين المستضعفين والمستكبرين وجاءت به السورة خاصة ما جاء فيها من ( مكر الليل والنهار ) وهذه العبارة التي تظهر سعيهم الحثيث وعملهم الدؤوب المستمر في الصد عن سبيل الله.

وهكذا تتكامل أجزاء السورة حول موضوع واحد وهو ضعف أهل الحق المادي في مقابل قوة أهل الباطل المادية التي يستخدمونها في الصد عن سبيل الله ليل نهار، في خضم سعي حثيث من كبراء أهل الباطل الذين يملكون المال والعدة والعدد، لصد من معهم المستضعفين الذين يتبعونهم، عن سبيل الله وعن القرآن حتى لا تتنور قلوبهم بالوحي، فيفقدون ما هم فيه من امتيازات وفضل، وحتى يبقى الحال على ما هو عليه.

Map Shot 1

 

Map Shot 2

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved