أنواع الابتلاءات

( أنواع الابتلاءات )

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)

ما هو موضوع هذا المقطع؟ وما علاقته بمقصد السورة؟

بعد أن تم التأسيس لموضوع الابتلاء بثماني أفكار أساسية، جاء الحديث هنا عن عدة أنواع من الابتلاءات:

الأول: الفتنة لكن بدافع المحبة والحرص والاستعطاف، وهذا مؤثر جدا، لأن الدافع هنا هو محبتك والحرص عل مصلحتك. وخص الله هذا النوع بالوالدين، لأنه غالبا ما يقع منهما أو من أحدهما.

الثاني: الابتلاء بالأذى، عافانا الله وإياكم.

الثالث: الابتلاء بشبهات تبرر للإنسان سلوك طريق الكفر وتقديم التنازلات، وغالبا ما تأتي من الأصحاب ونحوهم حيث يأتون بالشبهات وأكثرها أن يقولوا له افعل ونحن نحمل وزرك.

 

2020 01 17 13h16 27

ما مناسبة ذكر الوالدين هنا؟

ذكر الوالدين هنا من وجهين:

الأول: أنهما أشد الناس حرصا على مصلحة الإنسان، فتأثيرهما أكبر تأثير.

الثاني: أنهما أكثر من أوصت الشريعة ببرهما والإحسان إليهما فعلم أن من دونهما ممن أمرنا ببره والإحسان إليه داخل معهما في الحكم.

قيل أنها نزلت في قصة سعد بن أبي وقاص وقيل أنها في قصة عياش بن أبي ربيعة.

الأول نموذج لمن فتن ونجا والثاني لمن فتن ووقع ثم نجاه الله.

ما مناسبة البدء بذكر الوصية بهما؟

ابتدأ الحديث هنا بالوصية ببرهما ليعلم أن هذا هو الأصل وأنه لا تعارض بين برهما وبين عدم طاعتهما إن أمرا بغير معروف، بل إن قوله تعالى لاحقا ( إلي مرجعكم ) فيه إشارة إلى أن عقاب الوالدين على الشرك أمره مفوض لله تعالى وأنه ليس للولد أن يسيء معاملة الوالدين، وكلمة فأنبئكم تشمل الأبناء والآباء:

فأما الأبناء: فيجزيهم الله خيرا على بر والديهم وعلى عدم طاعتهما في الشرك.

وأما الآباء: فيجزيهم شرا على إشراكهما بالله.

ما مناسبة تنكير حسنا؟

التنكير هنا للدلالة عل الكمال، فيكون المعنى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا كاملا يعم كل شيء، كما يقال إن لزيد مالا: يعني مالا كثيرا.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها التذييل بقوله إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون؟

التذييل هذا يحمل رسالة: أن عاقبتكم ومآلم إلي، وإن كنتم اليوم تخالطون آباءكم، فإن هذه المخالطة منقطعة لا تدوم وإنما يدوم بقاؤكم عندي،فلا تتركوا رضا من تحضرون عنده حضورا دائما لأجل من تكون مخالطتكم معهم منقطعة.

وكلمة فأنبئكم أيضا فيها دلالة: أني حاضر معكم حال محاولة آبائكم فتنتكم عن دينكم فلا تظنوا أني غائب عنكم فتوافقوا آباءكم فيما يريدون اعتمادا على عدم ظهوري معكم، فإني حاضر أعلم ما تفعلون ولا أنسى فأنبئكم بما فعلتكم جميعا.

ما مناسبة تكرار والذين آمنوا وعملوا الصالحات مرة أخرى بعد ذكر الوالدين؟

المناسبة من وجهين:

الأول: تفصيل لبعض ما أجمل من جزاء المسلمين في الآية السابقة.

الثاني: اهتمام ببيان أجر المؤمنين وإظهار له حتى يعرف شأنهم.

الثالث: أن المؤمن إذ أمره الله بعصيان والديه قد يثير ذلك في نفسه وحشة فبين جزاءهم ليزيل تلك الوحشة ويبدلها أنسا حين جعلهم في عداد الصالحين يأنس بهم.

أظهرها لأن الثبات بهذه الثنائية من أصعب الأمور.

ما معنى جعل فتنة الناس كعذاب الله؟

الحديث هنا عن طائفة كانت على الإيمان ثم إنهم أوذوا في الله حتى جزعوا فارتدوا عن الإيمان إلى الكفر الصريح الخالص بقلوبهم لا بمجرد ظاهرهم، فجعلوا عذاب الناس مع انقطاعه وضعفه كعذاب الله الشديد الأليم الدائم المستمر وانصرفوا عن الدين.

أي أنهم جعلوا فتنة الناس صارفة عن الإيمان كما أن عذاب الله صارف عن الكفر، وآثروا السلامة العاجلة والاحتراز العاجل من العذاب مع انقطاعه، على السلامة الآجلة من العذاب الذي لا ينقطع.

وكان الأولى بهم أن يثبتوا فغن المشقة إذا كانت تعقبها راحة عظيمة طابت ولم تعد عذابا.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر الفتنة مع الناس والعذاب مع الله؟

هذا لبيان حقيقة الأمور:

فإن ما يفعله الذين يعملون السيئات مع المؤمنين، إنما هو في حقيقته فتنة من الله ليبين الخبيث من الطيب.

أما ما يكون في الآخرة فهو العذاب الحقيقي الذي يسمى عذابا.

وشتان بين الأول والثاني.

ألا يعارض الحديث عن النوع الثاني من الابتلاء ما جاء في سورة النحل من إعذار من اضطر لقول كلمة الكفر؟

لا يوجد تعارض فإن الحديث هنا عن قوم كفروا بقلوبهم حقيقة ولكنهم ظاهروا المسلمين وقيل أنها نزلت في بعض الناس ممن أسلم أولا فلما عذبه المشركون كفر بقلبه وارتد عن دينه ولكنه بقي مع المسلمين ظاهرا، وقد رضي منه المشركون ذلك وصار في ذلك في عداد المنافقين، وليس نفاقه هنا خوفا من المسلمين ولكنه أقرب أن يكون حياء منهم أو ما شابه، قيل أن منهم الحارث بن ربيعة بن الأسود وأبا قيس بن الوليد بن المغيرة وعلي بن أمية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج.

وفي الآيتين دلالات عديدة:

منها: أن أيمان هؤلاء لم يرسخ في قلوبهم ( يقول آمنا بالله )

ومنها: أن هذا الفريق سيعذب في الآخرة ( جعل فتنة الناس كعذاب الله )

ومنها: أنهم منافقون يبطنون الكفر ( وليعلمن المنافقين )

ويصدق عليهم قول الله في سورة النحل ( ولكن من شرح بالكفر صدرا ).

كما أن في الآيتين إشارة إلى أنهم إنما ارتضوا البقاء في الإسلام ظاهرا رجاء ما سيكون من غلبة للمسلمين لاحقا، خاصة مع توارد الأخبار عن دخول الناس في الإسلام في المدينة، خاصة قبيل الهجرة.

كما أن فيها إشارة إلى أن نصر الله آت قريب وأنهم سيرونه بأعينهم.

ما معنى العلم في قوله وليعلمن؟

المقصود بالعلم هنا العلم الذي يترتب عليه مثوبة وعقوبة، فإن علم الله السابق موجود ولكن لو جازى به البشر لربما قال قائل لم تعذبني يا رب ولم أفعل؟ أما وقد وضع في الاختبار وفعل، فقد انقطعت الحجة، وهذا هو المراد بالعلم في قوله فليعلمن.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله: أوذي في الله؟

لم يقل في سبيل الله وذلك في بيان شرف المؤمن الصابر، وخسة المنافق الكافر، فإن المؤمن أوذي سبيل الله ليترك سبيله ولم يتركه، وأما المنافق فترك الله نفسه، مع أنه كان يمكنه أن يظهر موافقتهم إن بلغ الإذاء إلى حد الإكراه وكان قلبه مطمئنا بالإيما، فكان بإمكانه ألا يترك الله ومع هذا لم يفعله بل ترك الله بالكلية.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها التعقيب بقوله تعالى: وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين؟

من المعلوم أن النفاق محله القلب، وفي هذا إشارة إلى أن الإيمان المراد هنا أيضا محله القلب، وفي هذا لفت للنظر وتأكيد على أن العبرة هي بما في القلوب فحسب، فإن المنافق الذي يظهر الإيمان ويضمر الكفر كافر، والمؤمن المكره الذي يظهر الكفر ويبطن الإيمان مؤمن والله أعلم بما في صدور العالمين.

وفي هذا تأكيد على قضية مهمة فيما يختص بأمور العقيدة ألا وهي:

ما وجه تنويع صور الصد عن سبيل الله بين الاستدراج والأذى والتشتيت؟

قد يغير المشركون الصادون عن سبيل الله أساليبهم في الصد عن سبيل الله، وقد يلجؤون للأساليب الناعمة بدلا من الأساليب الخشنة لأسباب:

أحيانا: لكثرة المؤمنين واتساع رقعة الداخلين فيه

وأحيانا: لعزة بعضهم وعدم قدرة الظالمين عليهم.

وأحيانا: لاختلاف الحالة، فهم يدرسون كل حالة ويعرفون مداخلها ويأتونها من الباب الذي يناسبها.

والفكرة تشير إلى تنويع اساليب الفتنة، وأن المشركين لن يدعوا بابا للصد عن سبيل الله إلا وسيسلكوه، وتأمل حالهم في قولهم: اتبعوا سبيلنا، يقولونها في غاية الثقة لهذه الفئة المستهدفة التي لا يستطيع تعذيبها أو لم ينفع معها العذاب.

والعبارة الأخيرة ليست شبهة حقيقية ولكن النفس أصلا ضعيفة تبحث عن أي عذر لارتكاب المعاصي

عندما يسمع المستعجل قصة نوح يوطن نفسه على البقاء والثبات، لما وطن نفسه جاءت الهجرة

التعامل مع الله ليس بمتى وكيف بل يتحرك حيث حركه القرآن.

ما مناسبة قوله وليحملن أثقالهم؟

من عادة القرآن أنه إن جاء حديث عن سخرية الكافرين بالله أو باليوم الآخر أو تقديمهم حججا غير منطقة ولا هم متقتنعون بها أصلا ولا تروج إلا على من يريد الانحراف أصلا، من عادته أن الكلام ينتقل مباشرة إلى وصف حالهم وهم يعذبون يوم القيامة أو يصف حالهم يومها بشيء من التفصيل، لأن الجواب النافع في مثل هذه الحالات ليس الخوض في النقاشات ولا تقديم البراهين، لأنهم يعلمون الحق في أنفسهم ولكنهم مصرون معاندون، فليس هناك حل هنا إلا تخويفهم وإنذارهم بعاقبة أمرهم إن هم أصروا على ذلك.

وهذا فيه إشارة مهمة إلى طريقة التعامل مع هؤلاء لا بالحجة والبيان ولكن بالإنذار والتقريع، وعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا نفس سبيل القرآن.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر المؤمنين بالصلة وذكر المنافقين بالاسم؟

الصلة ذكرت هنا: للدلالة على اشتهارهم بالإيمان ومعرفة الناس لهم بهذه الصفة

وأما الفعل الماضي: فللدلالة على تمكن الإيمان منهم وسابقيتهم فيه.

أما أهل النفاق فذكروا بالاسم المعروف باللام: لأجل إبراز تأصل النفاق في قلوبهم وأنه صار كالسجية لهم، وهذا ما يفيه التعبير بالاسم عنهم بدلا من الصلة والموصول.

مع ما في ذلك من التفنن ورعاية الفاصلة.

Map Shot 5

 

Map Shot 6

 

Map Shot 7

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved