سورة النحل

(بسم الله الرحمن الرحيم)

أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)

1- الجَمَال/ الحُسْن: إن لفظي “الجمال ـ الحُسن” في القرآن الكريم بينهما تقارب دلالي؛ حيث يشتركان في بعض الملامح الدلالية، وهى كَوْنُهما:1- ضد القبح. مرغوبًا فيهما. 2- الإعجاب. شمول المعنوي والحِسِّى.

ويختلفان في ملامح دلالية فارقة تميِّز الجمال، وهى: شدَّة الحسن والبهاء، وكونه وسيلة للفخر، وارتباطه بالعاطفة، وفيه قوَّة نفسية. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ (8)

1- حَمِير/ حُمُر: إن القرآن الكريم قد استخدم كلمتي “حمير ـ حُمُر” جمعًا لـ”حمار”، بَيْدَ أن: الحمير: جمع للحمار الأهلي المستأنس. الحُمُر: للحمار الوحشيِ. وفى هذا مراعاة للدقة والمغايرة، بدرجة لم تعرفها العربية نفسها؛ لأن العرب لم يفرِّقوا في الاستخدام اللغوي بين الجمعين “حمير ـ حُمُر”..(معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

2-  ما الفرق بين استخدام القرآن الكريم لكلمتى الحمير والحمر؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

فى سورة لقمان قال تعالى (إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) استخدم الحمير في الآية مع أنه في مكان آخر استخدم (حُمُر) كلاهما جمع حمار، لكن القرآن استعمل كلمة الحمير للحُمُر الأهلية والحُمُر للوحشية هكذا خصصها. قال (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8) النحل) خصص هذا الجمع بالحُمُر الأهلية والحُمُر خصصها بالوحشية (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (51) المدثر) هذه الوحشية التي في الغابة. اللغة العربية لا تفرق بين الكلمتين ولكن هذا من خواص الاستعمال القرآني. في القرآن كثيراً من الأمور خصصها بالجمع مثل الأعين والعيون، العيون عيون الماء والأعين استعملها للعين الباصرة أو الرعاية، واستخدام الموتى والأموات والميتون، الموتى للميّت حقيقة والميّتون لمن لم يمت بعد (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) الزمر). كذلك القعود والقاعدين القعود استخدمها في القعود الحقيقي نقيض القيام والقاعدون في القاعدون عن الجهاد فقط هذا من خواص الاستعمال القرآني. اللغة العربية قد تخصص مثلاً تخصص الخال وهي مشتركة بين الشامة وأخ الأم، تستخدم خيلان جمع خال الشامة وأخوال لجمع حال أخو الأم. الركاب والركبان، الركاب عامة للسفينة والخيل وغيرها أما الركبان فللإبل فقط، هذا تخصيص العرب والقرآن يخصص في الاستعمال. فالحُمُر للوحشية والحمير للأهلية المستأنسة.

وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)

يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)

1-             مسألة: قوله تعالى: (لآية لقوم يتفكرون) ؟ . وقال بعده: (لآيات لقوم يعقلون) وبعده: (لآية لقوم يذكرون) ؟ . جوابه: أما “آية” و “آيات ” فلتعدد الآيات في الوسطى واتحادها في
الأولى والثانية. وأما: (يتفكرون) و (يعقلون) فقد تقدم في سورة الرعد. وأما: (يذكرون بالياء، فلأن فائدة التفكر والتعقل هو التذكر بما خلق ذلك له، وهو معرفة الله سبحانه وتعالى. ( كشف المعاني )

وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)

1-             قوله {لآيات لقوم يعقلون} خص العقل بالذكر لأن به يتوصل إلى معرفة الآيات ومثله في الرعد 4 والنحل 12 والنور 61 والروم 24 . ( أسرار التكرار )

2-             قوله فيها في موضعين {إن في ذلك لآيات} بالجمع وفي خمس مواضع {إن في ذلك لآية} على الوحدة أما الجمع فلموافقة قوله {مسخرات} في الآيتين لتقع الموافقة في اللفظ والمعنى وأما التوحيد فلتوحيد المدلول عليه ومن الخمس قوله {إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} وليس له نظير وخص الذكر لاتصاله بقوله {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه} فإن اختلاف ألوان الشيء وتغير أحواله يدل على صانع حكيم فما يشبهه شيء فمن تأمل فيها تذكر
ومن الخمس {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} في موضعين وليس لهما نظير وخصتا بالتفكر لأن الأولى متصلة بقوله {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} وأكثرها للأكل وبه قوام البدن فيستدعى تفكرا وتأملا ليعرف به المنعم عليه فيشكر والثانية متصلة بذكر النحل وفيها أعجوبة من انقيادها لأميرها واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق ثم تتبعها الزهر والطل من الأشجار ثم خروج ذلك من بطونها لعابا هو شفاء فاقتضى ذلك ذكرا بليغا فختم الآية بالتفكير.
( أسرار التكرار )

3-             مسألة: قوله تعالى: (لآية لقوم يتفكرون) ؟ . وقال بعده: (لآيات لقوم يعقلون) وبعده: (لآية لقوم يذكرون) ؟ . جوابه: أما “آية” و “آيات ” فلتعدد الآيات في الوسطى واتحادها في الأولى والثانية. وأما: (يتفكرون) و (يعقلون) فقد تقدم في سورة الرعد. وأما: (يذكرون بالياء، فلأن فائدة التفكر والتعقل هو التذكر بما خلق ذلك له، وهو معرفة الله سبحانه وتعالى. ( كشف المعاني )

وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)

1-             قوله فيها في موضعين {إن في ذلك لآيات} بالجمع وفي خمس مواضع {إن في ذلك لآية} على الوحدة أما الجمع فلموافقة قوله {مسخرات} في الآيتين لتقع الموافقة في اللفظ والمعنى وأما التوحيد فلتوحيد المدلول عليه ومن الخمس قوله {إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} وليس له نظير وخص الذكر لاتصاله بقوله {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه} فإن اختلاف ألوان الشيء وتغير أحواله يدل على صانع حكيم فما يشبهه شيء فمن تأمل فيها تذكر ومن الخمس {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} في موضعين وليس لهما نظير وخصتا بالتفكر لأن الأولى متصلة بقوله {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} وأكثرها للأكل وبه قوام البدن فيستدعى تفكرا وتأملا ليعرف به المنعم عليه فيشكر والثانية متصلة بذكر النحل وفيها أعجوبة من انقيادها لأميرها واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق ثم تتبعها الزهر والطل من الأشجار ثم خروج ذلك من بطونها لعابا هو شفاء فاقتضى ذلك ذكرا بليغا فختم الآية بالتفكير. ( أسرار التكرار )

2-             مسألة: قوله تعالى: (لآية لقوم يتفكرون) ؟ . وقال بعده: (لآيات لقوم يعقلون) وبعده: (لآية لقوم يذكرون) ؟ . جوابه: أما “آية” و “آيات ” فلتعدد الآيات في الوسطى واتحادها في الأولى والثانية. وأما: (يتفكرون) و (يعقلون) فقد تقدم في سورة الرعد. وأما: (يذكرون بالياء، فلأن فائدة التفكر والتعقل هو التذكر بما خلق ذلك له، وهو معرفة الله سبحانه وتعالى. ( كشف المعاني )

3-              ما الفرق بين نهايات الآيات في سورة النحل (10) – (13) وما دلالة الجمع والإفراد في كلمة آية وآيات؟/ اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)  

نقرأ الآيات ليتضح لنا السؤال. الآيات متتابعة (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)). الآية الأولى ذكر وعدّد أموراً واضحة: الزرع والزيتون والنحيل والأعناب والثمرات وفي الثانية ذكر أموراً عددها: الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والآية الثالثة قال (وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه) لم يعدد شيئاً فسوف تتذكر أنت حتى تعدد ولذلك قال تعالى في ختامها (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)). في الأولى ذكر الزرع والزيتون وغيرها وفي الآية الأخرى ذكر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم. وفي الثالثة اُذكر أنت فسوف تتذكر ثم تذكر لذا ختم الآية بـ (يذّكرون).

الآية الأولى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) تنبت في الأرض وجزء من الأرض فإنه ذكر ما يتعلق في الزرع والآية (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) في الأرض فالآيتين في الأرض وجزء من الأرض. الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم أكثر إذن الأرض آية وهذه آيات. لما ذكر ما يتعلق بالأرض أو جزء منها قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً) ولما ذكر الشمس والقمر والليل والنهار والنجوم قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ). جزء من الأرض، شيء من الأرض قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً). الشمس آية والقمر آية والنجوم آيات لذا قال (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ). لما ذكر جزءاً من الأرض جعلها آية ولما ذكر ما هو أكثر من الأرض جعلها آيات.

هذا أمر وعرفنا استعمال يذّكرون وعرفنا الفرق بين آية وآيات. الأمر الآخر أنه لما ذكر الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم هذه يكفي العقل فيها فقط لمعرفة الله تعالى، العقل وليس العلم. العقل وحده كافٍ لأنه الذي يفرق بين العاقل والمجنون ولأن هذه أشياء يومية يراها العاقل. هذه آيات للذي عنده عقل. الباقي يحتاج إلى فِكر (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) كيف ينزل في الأرض وكيف ينبت به لذا كل آية تتناسب خاتمتها مع ما فيها. (يتفكرون) بمعنى الفِكر يُعمِل فكره، ويعقلون مجرد العقل. التفكير أكثر من العقل. كونك عاقلاً يعني تعرف أموراً والفرق بين العاقل والمجنون أن العاقل يعقل الأمور. وهناك فرق بين يعقل ويعلم: اذي يعلم ينبغي أن يكون عاقلاً لكن العاقل ليس بالضرورة أن يكون عالماً. إذن المرحلة الأولى العقل لأنه مناط التكليف وليس بالضرورة أن يكون عالماً لأن مناط التكليف العقل. والمرحلة الثانية التفكر يُعمِل فكره في أشياء أخرى.

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)

1-             قوله {وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا} ما في هذه السورة جاء على القياس فإن الفلك المفعول الأول لترى ومواخر المفعول الثاني وفيه ظروف وحقه التأخر والواو في {ولتبتغوا} للعطف على لام العلة في قوله {لتأكلوا منه} وأما في الملائكة فقدم {فيه} موافقة لما قبله وهو قوله {ومن كل تأكلون لحما طريا} فوافق تقديم الجار والمجرور على الفعل والفاعل ولم يزد الواو على {لتبتغوا} لأن اللام في لتبتغوا هنا لام العلة وليس بعطف على شيء قبله ثم إن قوله {وترى الفلك مواخر فيه} في هذه السورة {فيه مواخر} في فاطر اعتراض في السورتين يجري مجرى المثل ولهذا وحد الخطاب فيه وهو قوله {وترى} وقبله وبعده جمع وهو قوله {لتأكلوا} {وتستخرجوا} ولتبتغوا {والملائكة} {تأكلون} {تستخرجون} ومثله في القرآن كثير {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا} وكذلك {تراهم ركعا سجدا} {وترى الملائكة حافين من حول العرش} وأمثاله أي لو حصرت أيها المخاطب لرأيته بهذه الصفة كما تقول أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل فتأمل فإن فيه دقيقة. ( أسرار التكرار )

2-             قوله تعالى: (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله) . وفى فاطر: (ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر) ؟ . جوابه: أن آية النحل: سيقت لتعداد النعم على الخلق بدليل تقديم قوله تعالى: (وهو الذي سخر البحر) . وأية فاطر: سيقت لبيان القدرة والحكمة بدليل قوله تعالى: (والله خلقكم من تراب) الآية، فتكرر (منه) في النحل لتحقيق المنة والنعمة، ولذلك عطف (ولتبتغوا) بالواو العاطفة لمناسبة تعدد النعم. كما تقدم. وقدم (مواخر) على (فيه) لأنه امتن عليهم بتسخير البحر، فناسب تقديم (مواخر) أي شاقة للماء وأيضا ليلى المفعول الثاني المفعول الأول لـ (ترى) فإنه أولى من تقديم الظرف. وأما آية فاطر فحذف (منه) لدلالة ((ومن كل تأكلون) عليها، وقدم (فيه) له على (مواخر) لأن شق الفلك الماء لجريانه فيه آية من آيات الله تعالى فالتقدم فيه أنسب للفلك. ( كشف المعاني )

3-             الحلية / الزينة : إن لفظي “حلية ـ زينة” في القرآن الكريم بينهما عموم وخصوص: فالحلية: لفظ خاصٌّ يُراد به الزينة الخارجية الظاهرة، وهى مادّيَّةٌ دائمًا، وأكثرها من الذهب والفضة ونحو ذلك. والزينة: لفظ عامٌّ يشمل الزينة الخارجية كالثياب والحلى، وكالنبات زينة للأرض، والنجوم والكواكب زينة للسماء، والمال والجاه والقامة وغير ذلك زينة خارجية للإنسان … كما يشمل الزينة الباطنة التي تدركها العقول والزينة النفسية كالعلم والاعتقادات الحسنة … إلخ..( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

4-             الحمد / الشكر: إن اللفظين “الحمد-الشكر” بينهما تقارب دلالي؛ حيث يشتركان في معنى عام هو: الثناء بالجميل. ويتميَّز كلٌّ منهما بملامح دلالية فارقة: فالحمد: يكون على النعمة والعطاء، وعلى الصفات الذاتية. ويكون على النعمة الواصلة إليك أو إلى غيرك، وفيه محبة وإجلال ويكون باللسان دون غيره. أما الشكر: لا يكون إلَّا على النعمة والعطاء، ولا يكون إلَّا على النعمة الواصلة إليك، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، ليس فيه معنى المحبة والإجلال.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

5-              في سورة النحل الآية (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) أما في سورة فاطر (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) فما دلالة التقديم والتأخير واستخدام الواو وعدمه؟ / اللمسات البيانية د.فاضل السامرائى:

نقرأ الآيتين آية النحل وآية فاطر، قال سبحانه وتعالى في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)) وقال في سورة فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)) السياق يوضح لنا الكثير من الإجابات. تقدم هذه الآية في سورة النحل تقدم الكلام على وسائط النقل، ذكر الأنعام قال (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)) (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)) ثم ذكر الخيل البغال والحمير قال (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا (8)) هذه وسائط نقل برية، ثم ذكر الفلك وهي واسطة نقل بحرية قال (وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ (14)) فلما ذكر وسائط النقل وذكر الفلك في سياق وسائط النقل قدّم صفتها على البحر، (فيه) متعلق بالبحر إذن لما كان السياق في وسائط النقل قدّم صفة وساطة النقل (مواخر) يعني ألحق الصفة بالموصوف ليس الكلام على البحر وإنما الكلام على وسائط النقل فأخّر ما يتعلق بالبحر. أما في آية فاطر فالكلام على البحر وليس على وسائط النقل (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ (12)) كل الكلام على البحر (وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) فقدّم (فيه) (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) وقبلها قال (وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ (11)) الكلام ليس في وسائط النقل أما في آية النحل في وسائط النقل فقدم صفة واسطة النقل وهنا الكلام على البحر فقدم ضمير البحر (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ) هذا بالنسبة للتقديم.

بالنسبة للواو (لتبتغوا) و(ولتبتغوا):

قال (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ) لتأكلوا وتستخرجوا، هذه عطف وقال (وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ) هذه عاطفة، (سخر البحر لتأكلوا وتستخرجوا ولتبتغوا) وآية فاطر ليس فيها عطف (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). في آية النحل عطف عِلّة على عِلّة (لتأكلوا) لام التعليل، وتستخرجوا تعليل معطوفة على ما قبلها (ولتبتغوا) تعليل لام التعليل. في آية فاطر ليس هناك تعليل (وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) ليس فيها لام التعليل (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). العبرة هنا بالتعليل (ولتبتغوا) لام التعليل (لتأكلوا ولتبتغوا). (لتبتغوا) في آية فاطر أيضاً لام التعليل لكنها ليست معطوفة ليس هناك قبلها تعليل فكيف نعطفها؟ إذن وكأن دلالة السياق تتوقف عند (وترى الفلك فيه مواخر) لا تعليل قبلها حتى يعطف (لتبتغوا) عليها ليس هناك عِلّة قبلها مثلها ولو قال (ولتبتغوا) تصبح معطوفة على علة مقدّرة. (ولتبتغوا) الأولى التي ذكرنها المشهور فيها ما ذكرناه أنها معطوفة على ما قبلها لكن هناك من أعرب الواو أنها معطوفة على عِلّة مقدّرة في آية النحل، قالوا معطوفة على علة مقدرة لتنتفعوا، لماذا؟ الأمر الأول ظاهر معطوفة عطف ليس فيها إشكال.

وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)

1- الأثر / العلامة:

الأثر هو ما بقي بعد غياب الشيء أو معظمه وعلى ذلك قد يكون ظاهراَ وقد يكون خفياً يحتاج البحث والفحص للوقوف عليه ، اما العلامة ففيها ملمح الظهور والتميز.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17)

1-  ما الفرق بين تذكرون وتتذكرون؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

ذكرنا في أكثر من مناسبة في القرآن ضابط ليس فقط في هذين الفعلين وإنما تعبير عام وذكرنا في حينها أنه يحذف من الفعل مثل استطاعوا واسطاعوا للدلالة على أن الحدث أقل مما لم يحذف منه، إذا حذف معناه أن الزمن المحذوف منه أقصر يقتطع للدلالة على الاقتطاع من الحدث. وإذا كان المقام مقام إيجاز يوجز وإذا كان المقام تفصيل يقول تتذكرون. نأتي إلى أصل السؤال وفق هذه القاعدة أنه إذا كان الحدث أطول تأتي تتذكرون وإذا كان أقل يقتطع من الفعل أو إذا كانت في مقام الإيجاز يوجز وفي مقام التفصيل يفصل. مثال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (24) هود) لو سألنا أي واحد مهما كانت ثقافته تقول له هل الأعمى يستوي مع البصير؟ والأصم هل يستوي مع السميع؟ سيقول مباشرة لا، إذن لا يحتاج إلى طول تذكر وإنما يجيب مباشرة. هل يستويان؟ لا، هذا لا يحتاج إلى طول تذكر فقال (أفلا تذكرون). (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ (58) غافر) هنا صار إيمان وعمل صالحات، إيمان وعمل صالح (قليلاً ما تتذكرون) لأن دخل به إيمان وعمل صالح والمعنى أنه الذي لم تؤمن ولم تعمل صالحاً هذه قضية أخرى، هذه أطول من تلك تحتاج إلى تأمل وتفكير والرسول يدعو طويلاً إلى الإيمان والعمل الصالح واتهموه بالجنون، إذن هذه تتذكرون لأنها تحتاج إلى طول تذكر. (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) سل أي واحد سيقول لا هذه لا تحتاج إلى تذكر، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية) ختم على سمعه وبصره غشاوة وأضله على علم لا تحتاج إلى طول تفكر.

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)

1-  ما الفرق بين كلمة النِعمة والنَعمة في القرآن الكريم؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)                                                                                                                                                                                                                            نِعمة بالكسر جاءت  في مواضع كثيرة في القرآن منها في سورة النحل (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {18}) دائماً تأتي في الخير في القرآن.                                                      

نَعمة بالفتح وردت في سورة الدِخان (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ {27}) وفي سورة المزمل (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً {11}) لم ترد في القرآن كلّه إلا في السوء والشر والعقوبات.

2- ما الفرق بين ختام الآيتين (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) إبراهيم) (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18) النحل)؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

هذا يتعلق بالسياق. سياق آية ابراهيم في وصف الإنسان وذكر صفات الإنسان فختم الآية بصفة الإنسان، آية النحل في سياق صفات الله فذكر ما يتعلق بصفات الله. في إبراهيم قال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) الكلام كله في صفات الإنسان إلى أن يقول (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) مناسب لما ذكر من صفات الإنسان. في النحل يتكلم عن صفات الله والنعم (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)) يتكلم عن صفات الله تعالى والنِعَم. إذن لما تكلم على صفات الله والنعم التي ذكرها قال (إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ولما تكلم عن صفات الإنسان قال (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) فكل فاصلة مناسبة للسياق الذي وردت فيه.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)

1-             مسألة: قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم) ؟ . جوابه: قد يقال زائدا على ما قدمناه في يونس عليه السلام وغيرها أنه لما كان النفى بالإثبات أنسب لأنه مطلوب مطلقا، والضر من باب النفى لأنه يطلب نفيه عند حصوله فالنفي فيه أنسب. ولما تقدم في أول السورة: (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) قدم النفى على الإثبات فكان تقديم ما يناسب النص أنسب لتناسب الجملتين. وههنا، وفى الرعد لم يتقدم جملة تقدم نفيها على إثباتها فكان تقديم ما هو من باب الإثبات أنسب مما هو من باب النفي. فإن قيل: فقد قدم الضر على النفع في سورة يونس عليه السلام؟ . قلنا: قد أجبنا ثم عن الموضعين. ( كشف المعاني )

أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24)

1-             قوله {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} وبعده {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} إنما رفع الأول لأنهم أنكروا إنزال القرآن فعدلوا عن الجواب فقالوا {أساطير الأولين} والثاني من كلام المتقين وهم مقرون بالوحى والإنزال فقالوا {خيرا} أي أنزل خيرا فيكون الجواب مطابقا وخيرا نصب بأنزل وإن شئت جعلت خيرا مفعول القول أي قالوا خيرا ولم يقولوا شرا كما قالت الكفار وإن شئت جعلت خيرا صفة مصدر محذوف أي قالوا قولا خيرا وقد ذكرت مثله ما زاد في موضعها. ( أسرار التكرار )

لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)

1-    السِّلْم/ السَّلْم/ السَّلَم: إن الألفاظ (سِلْم ـ سَلْم ـ سَلَم) بينها تقارب دلالي؛ حيث تشترك جميعها في معنى الخلوص. فالسِّلْم: خُلوص الطاعة والإيمان والعمل لله عز وجل. والسَّلْم: خُلوص الرغبة في الصلح. والسَّلَم: خُلوص الانقياد والاستسلام، أو خلوص الشيء لمالكه فلا يشركه فيه أحد) معجم الفروق الدلالية / بتصرف(

2-     ما اللمسة البيانية في استعمال توفّاهم وتتوفّاهم في القرآن الكريم؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

نلاحظ في القرآن كله وليس فقط في هذه الآية الحذف كما جاء في القرآن مثل (تنزّل وتتنزّل، تبدّل وتتبدّل) وهذا الحذف في عموم القرآن وحيث ورد مثل هذا التعبير في القرآن سواء في الفعل أو غيره يكون لأحد أمرين:

للدلالة على أن الحدث أقلّ. أو أن يكون في مقام الإيجاز.

قال تعالى في سورة النحل ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28))) وقال في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)).

وهؤلاء المستضعفين في آية سورة النساء هم قسم من الظالمين وليس كلهم فهم أقل أما الآية الثانية (ظالمي أنفسهم) فالذين ظلموا أنفسهم أكثر من المستضعفين لأنهم عموم الظالمين. فلمّا خصّ بقسم من الظالمين (المستضعفين) قال تعالى توفّاهم ولما كثُر العدد قال تتوفاهم. وهذا الحذف هو جائز من حيث اللغة للتخفيف.

3- ما الفرق بين سلام والسلام ؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ)  حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (سلام عليكم ادخلوا الجنة) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام.

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)

1-             قوله {فلبئس مثوى المتكبرين} ليس له في القرآن نظير الفاء للعطف على فاء التعقيب في قوله {فادخلوا أبواب جهنم} واللام للتأكيد يجري مجرى القسم موافقة لقوله {ولنعم دار المتقين} وليس له نظير وبينهما {ولدار الآخرة خير}. ( أسرار التكرار )

2-             مسألة: قوله تعالى: (فلبئس مثوى المتكبرين (29)) هنا. وفى الزمر: (فبئس) بحذف اللام؟ . جوابه: لما تقدم هنا شدة كفر المذكورين من صدهم وضلالهم وإضلالهم، ناسب ذلك التأكيد بذكر اللام، ولذلك لما أكد في ذكر أهل النار أكد في ذكر أهل الجنة بقوله تعالى: (ولنعم دار المتقين (30) . وأية الزمر: خلية من ذلك فلم يؤكد فيها. ( كشف المعاني )

3-             فبئس مثوى المتكبرين /فلبئس مثوى المتكبرين: أثبتت لام التوكيد في آية النحل، لما تقدم عليها من ذكر شدة كفرهم وضلالهم وإضلالهم غيرهم وكذلك جاء ذكر جزاء المتقين مؤكداً باللام في الآية ( ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين). أما آية الزمر فلم يتقدم عليها مثل ذلك ، فلم يؤكد عليها أسلوب الذم باللام. . ( معجم الفروق الدلالية/ بتصرف)

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)

1-             قوله {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} وبعده {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} إنما رفع الأول لأنهم أنكروا إنزال القرآن فعدلوا عن الجواب فقالوا {أساطير الأولين} والثاني من كلام المتقين وهم مقرون بالوحى والإنزال فقالوا {خيرا} أي أنزل خيرا فيكون الجواب مطابقا وخيرا نصب بأنزل وإن شئت جعلت خيرا مفعول القول أي قالوا خيرا ولم يقولوا شرا كما قالت الكفار وإن شئت جعلت خيرا صفة مصدر محذوف أي قالوا قولا خيرا وقد ذكرت مثله ما زاد في موضعها. ( أسرار التكرار )

2-             قوله {فلبئس مثوى المتكبرين} ليس له في القرآن نظير الفاء للعطف على فاء التعقيب في قوله {فادخلوا أبواب جهنم} واللام للتأكيد يجري مجرى القسم موافقة لقوله {ولنعم دار المتقين} وليس له نظير وبينهما {ولدار الآخرة خير}. ( أسرار التكرار )

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)

فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (34)

1-             قوله {فأصابهم سيئات ما عملوا} هنا وفي الجاثية 33 وفي غيرهما {ما كسبوا} لأن العمل أعم من الكسب ولهذا قال {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} وخصت هذه السورة لموافقة ما قبله وهو قوله {ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون} ولموافقة ما بعده وهو قوله {وتوفى كل نفس ما عملت} وفي الزمر 70 وليس لها نظير. ( أسرار التكرار )

2-              ما دلالة استخدام (ما عملوا ) و ليس ما كسبوا كما فى سورة الزمر؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

3-              تردد الكلمات في القرآن تأتي حسب سياق الآيات وفي الآيات المتشابهة يجب أن نرى الكلمات المختلفة فيها وعلى سبيل المثال:

4-              (فأصابهم سيئات ما عملوا) في سورة النحل تكرر العمل 10 مرات والكسب لم يرد أبداً. أما في سورة الزمر (فأصابهم سيئات ما كسبوا) تكرر الكسب 5 مرات والعمل 6 مرات.

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35)

1-             قوله {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} وقال في النحل {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء} فزاد من {دونه} مرتين وزاد {نحن} لأن لفظ الإشراك يدل على إثبات شريك لا يجوز إثباته ودل على تحريم أشياء وتحليل أشياء من دون الله فلم يحتج إلى لفظ {من دونه} بخلاف لفظ العبادة فإنها غير مستنكرة وإنما المستنكر عبادة شيء مع الله سبحانه وتعالى ولا يدل على تحريم شيء كما يدل عليه أشرك فلم يكن لله هنا من يعتبره بقوله {من دونه} ولما حذف {من دونه} مرتين حذف معه {نحن} لتطرد الآية في حكم التخفيف. ( أسرار التكرار )

2-             قوله {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء} قد سبق. ( أسرار التكرار )

3-             مسألة: قوله تعالى: حكاية عن قولهم: (لو شاء الله ما أشركنا) الآية. وقال في النحل: (ما عبدنا من دونه من شيء) ؟ . جوابه: أن لفظ الإشراك مؤذن بالشريك فلم يقل: (من دونه) . بخلاف: (عبدنا) ليس مؤذنا بإشراك غيره فلذلك جاء: (من دونه) وأما زيادة (نحن) فإنه لما حال بين الضمير في (عبدنا) وبين ما عطف عليه حائل وهو قوله: (من دونه) أكد بقوله: فيه (نحن) . وها هنا لم يحل بين الضمير والمعطوف عليه حائل.( كشف المعاني )

4-             مسألة: قوله تعالى: (كذلك كذب الذين من قبلهم) . وفى النحل: (كذلك فعل الذين من قبلهم) جوابه: لما تقدم قوله: (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة) ناسب كذلك كذب الذين من قبلهم ولما تقدم في النحل: (ما عبدنا من دونه من شيء) إلى قوله: (ولا حرمنا) قال: (كذلك فعل الذين من قبلهم) . ( كشف المعاني )

5-             كذلك كذب الذين من قبلهم / كذلك فعل الذين من قبلهم : عبَّرت آية الأنعام بالفعل “كذَّب”؛ لأنه تقدَّم عليها قوله عز وجل: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ}.وعبَّرت آية النحل بالفعل “فعَل” لأنَّه تقدَّم عليها أفعال في مطلع الآية المذكورة، وهو قوله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ( معجم الفروق الدلالية/ بتصرف)

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)

1-             قوله {قل سيروا في الأرض ثم انظروا} في هذه السورة فحسب وفي غيرها {سيروا في الأرض فانظروا} و16 36 و27 69 و30 42 لأن ثم للتراخي والفاء للتعقيب وفي هذه السورة تقدم ذكر القرون في قوله {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} ثم قال {وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} فأمروا باستقراء الديار وتأمل الآثار وفيها كثرة فيقع ذلك سيرا بعد سير وزمانا بعد زمان فخصت بثم الدالة على التراخي بين الفعلين ليعلم أن السير مأمور به على حدة والنظر مأمور به على حدة ولم يتقدم في سائر السور مثله فخصت بالفاء الدالة على التعقيب. ( أسرار التكرار )

2-             بَعَثَ / أَرسَلَ : كلا اللفظين يشتركان بملمح دلالي عام هو ( التوجيه) ، إلا أن هنالك ملامح دلالة فارقة بين الكلمتين ف (البعث ) يتميز بملمح التنبيه والإيقاظ والإثارة . أما الإرسال فيتميز بملمح الرفق والرحمة، إلا في المواضع التي جاء مركباً فيها مع حرف الاستعلاء ( على). ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

3-             البَغي / الطغيان /الظلم/ العُتُو / العدوان :        جميعها تشرك في معنى مجاوزة الحد  ولكنها على درجات فأشدها الطغيان لاشتماله على مجاوزة الحد والمبالغة في الكبر والمعصية والشر والكفر . ويليه في الشدة  البغي لاشتماله على التعدي والفساد والظلم ، ثم العتو لأنه مبالغة في الكبر أو الفساد أو الكفر، ثم العدوان لأنه تعد لحدود الله وظلم صُراح ، ثم الظلم وهو أدناها وتتفاوت درجاته من صغائر الذنوب الى كبائرها الى الشرك بالله . ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

4-              ما الفرق بين (كان عاقبة) و (كانت عاقبة)؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

القرآن أحياناً يستعمل معنى الكلمة فيذكر ويؤنث بحسب المعنى. كلمة العاقبة يستعملها مرة مذكرة ومرة مؤنثة (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) الزخرف) (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ (135) الأنعام). إذا أنّث العاقبة تكون بمعنى الجنة لأن الجنة مؤنثة (من تكون له عاقبة الدار). لم يذكِّر العاقبة إلا بمعنى العذاب (فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) النحل) ليس بمعنى جهنم وإنما بمعنى العذاب والعذاب مذكر تكون مذكر. في جميع القرآن حيث أنّث العاقبة فهي الجنة وحيث ذكّر العاقبة فهي العذاب لم يتخلف موضع واحد في القرآن.

إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)

1- أنصار/ ناصرون: صيغة “أنصار” جمع نصير، نحو شريف وأشراف. فهو جمع لصيغة المبالغة الدالة على ثبوت الصفة مع المبالغة فيها؛ ولذا أُطلِق على أهل المدينة ممن نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه. وصيغة “ناصرين” جمع مذكر سالم مفرده “ناصر”، ويدل على مجرد إثبات الصفة دون مبالغة فيها؛ ولذلك جاء في أكثر سياقاته لنفى النصرة عن الظالمين، فنفى عنهم مجرد النصر .(معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)

1-البَغي / الطغيان /الظلم/ العُتُو / العدوان : جميعها تشرك في معنى مجاوزة الحد  ولكنها على درجات فأشدها الطغيان لاشتماله على مجاوزة الحد والمبالغة في الكبر والمعصية والشر والكفر . ويليه في الشدة  البغي لاشتماله على التعدي والفساد والظلم ، ثم العتو لأنه مبالغة في الكبر أو الفساد أو الكفر، ثم العدوان لأنه تعد لحدود الله وظلم صُراح ، ثم الظلم وهو أدناها وتتفاوت درجاته من صغائر الذنوب الى كبائرها الى الشرك بالله . ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)

1-             قوله {أأنزل عليه الذكر من بيننا} وفي القمر {أؤلقي الذكر عليه من بيننا} لأن ما في هذه السورة حكاية عن كفار قريش يجيبون محمدا صلى الله عليه وسلم حين قرأ عليهم {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس} فقالوا {أأنزل عليه الذكر من بيننا} ومثله {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} و {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} وهو كثير وما في القمر حكاية عن قوم صالح وكان يأتي الأنبياء يومئذ صحف مكتوبة وألواح مسطورة كما جاء إبراهيم وموسى فلهذا قالوا {أؤلقي الذكر عليه} مع أن لفظ الإلقاء يستعمل لما يستعمل له الإنزال . ( أسرار التكرار )

2-             الذِّكر: ورد هذا الاسم في عدة مواضع علماً على القرآن الكريم. فالذكر في اللغة: حفظ الشيء، وعدم نسيانه، ثم أطلق على الشرف وبُعد الصيت، وبه وُصِفَ كتاب الله تعالى، لكونه محفوظاً شريف القدر، ولما فيه من تذكير بما تضمن من قصص ومواعظ. والملمح الدلالي المميز لهذا الاسم هو: الشرف والعلاء. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

3-              (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل) (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل) (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل) ما الفرق بين نزّلنا وأنزلنا وبين إليك وعليك؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

هذا يستدعي أن ننظر في الفرق بين أنزل ونزل وبين إليك وعليك. أنزل ونزّل قسم غير قليل يفرق بينهما أنه نزّل تفيد التدرج والتكرار وأنزل عامة ويستدلون بقوله تعالى (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) آل عمران) وقالوا لأن القرآن نزل منجماً مفرقاً والتوراة والانجيل أنزلتا جملة واحدة فقال أنزل. ردوا التدرج بقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان)لأن أنزل عامة سواء كان متدرجاً أو غير متدرجاً، كلمة أنزل لا تختص بالتدرج ولا بدون تدرج. السؤال يقولون الإنزال عام لا يخص التدرج أو غير التدرج لكن التنزيل هو الذي يخص التدرج، نزّل الذي فيه التدرج (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر) أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة، هناك مراحل لنزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل منجماً. ردوا التدرج في نزّل التدرج في نزّل وقالوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان) هذا ليس فيه تدريج (لولا هنا من حروف التحضيض). لكن الذي يبدو أن الفرق بين نزّل وأنزل أنه نزّل تفيد الاهتمام نظير وصى وأوصى وكرّم وأكرم ففي المواطن التي فيها توكيد واهتمام بالسياق يأتي بـ (نزّل) والتي دونها يأتي بـ (أنزل). نضرب أمثلة: قال تعالى في الأعراف (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)) وقال في يوسف (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) وقال في النجم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (23)). ننظر السياق في الأعراف فيها محاورة شديدة حيث قال (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)) فيها تهديد، كلام شديد من أولئك كيف تتركنا نترك آلهتنا ونعبد الله فقال (نزّل). في سورة يوسف قال تعالى (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) لم يردّ عليه السجينان وليس فيها تهديد إذن الموقف يختلف عن آية سورة الأعراف فقال أنزل. في النجم (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)) لم يردّوا عليه ولم يكن هنالك محاورة ولا تهديد، إذن الأشد (نزّل)، هذا أمر. إذن نزّل آكد وأقوى في موطن الاهتمام أشد من أنزل.

و(على) أقوى من (إلى) وتأتي (على) في الغالب في العقوبات (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) الذاريات) وفيها معنى الاستعلاء هي استعلاء ولذلك كان فيها معنى الشدة والقوة، أما (إلى) فليست كذلك وإنما تفيد منتهى الغاية فقط. ربنا لما يقول مرة  (لولا أنزل عليه ملك) (لولا أنزل إليه ملك) نلاحظ أن السياق يختلف وهناك فرق بين إليه وعليه، قال (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام) فيها تهديد، (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) الفرقان) ليس فيها تهديد. الأقوى (على) إذن نزّل أقوى من أنزل وعلى أقوى من إلى.

الآن ننظر الآيات موضع السؤال:

(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل) (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل) أنزلنا إليك وأنزلنا عليك، الفعل أنزل واحد ولكن اختلف حرف الجر. ننظر أي الموطنين أقوى؟ (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل) و (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل) هنا عندنا (ما) و(إلا) هذه أقوى، والثانية فيها هدى ورحمة إذن (ما وإلا وهدى ورحمة) أيهما أولى بـ (عليك) من حيث منطوق اللغة؟ الآية الثانية التي فيها (عليك). الآية الأخرى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل) قال عليك. وفي الآية الثانية قال (اخْتَلَفُواْ فِيهِ) وهنا قال (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) في الآية الثانية التبيان في الذي اختلفوا فيه وفي هذه الآية التبيان لكل شيء إذن يستعمل معها نزّلنا عليك. هناك قال (وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وهنا قال (وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) فنضع نزّلنا مع الآية الثالثة.

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)

1-             مسألة: قوله تعالى: (يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل) . أفرد اليمين وجمع الشمائل؟ . جوابه: والله أعلم، أن الآية نزلت بمكة والظل فيها إلى جهة اليمين، وهو يمين الكعبة مدته قليلة، وهو قليل أيضا ما يكون. والظل إلى جهة الشام وهو شمال الكعبة تطول مدته، وتكثر مساحته، فناسب إفراد اليمين لقلة مسافته ومدته، وجمع الشمائل لطول مدته ومسافته. وقيل فيه غير ذلك: وهذا أنسب مما قيل فيه والله أعلم. ( كشف المعاني )

2-             ألم / أو لم / أفلم : جاءت الاستفهامات القرآنية التي تشير الى القدرة والعظمة الإلهية والاعتبار بذلك، على ثلاث صور: بالهمزة فقط {ألم} لأن هذه الآيات يقتضي سياقها النظر والاعتبار والاستدلال. بالهمزة والواو{أولم} لأن سياق هذه الآيات يقتضي الاعتبار بالمُشاهد الحاضر فقط . ومثلها الآيات التي جاء الاستفهام فيها مقروناً بالفاء{أفلم} إلا أن الفاء أوثق اتصالا بما قبلها.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49)

1-             قوله {ولله يسجد من في السماوات والأرض} وفي النحل {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة} وفي الحج {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم} لأن {ما} في هذه السورة تقدم آية السجدة ذكر العلويات من البرق والسحاب والصواعق ثم ذكر الملائكة وتسبيحهم وذكر بآخرة الأصنام والكفار فبدأ في آية السجدة بذكر من في السموات لذلك وذكر الأرض تبعا ولم يذكر {من} فيها استخفافا بالكفار والأصنام وأما ما في الحج فقد تقدم ذكر المؤمنين وسائر الأديان فقدم ذكر من في السموات تعظيما لهم ولها وذكر من في الأرض لأنهم هم الذين تقدم ذكرهم. وأما في النحل فقد تقدم ذكر ما خلق الله على العموم ولم يكن فيه ذكر الملائكة ولا الإنس بالصريح فاقتضت الآية {ما في السماوات} فقال في كل آية ما لاق بها. ( أسرار التكرار )

2-             قوله {ولله يسجد ما في السماوات} قد سبق. ( أسرار التكرار )

3-             مسألة: قوله تعالى: (ولله يسجد من في السماوات والأرض) وفى النحل: (ما في السماوات) ؟ . جوابه: أنه حيث أريد بالسجود الخضوع والانقياد جئ ب (ما) لأنها عامة فيمن يعقل ومن لايعقل، كآية النحل فيمن يعقل ومن لا يعقل. وخص من يعقل هنا لتقدم قوله: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) وقبله: (سواء منكم من أسر القول ومن جهر به) الآيات، فناسب: (من في السماوات والأرض) . ولما تقدم في النحل: (أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء) وهو عام في كل ذي ظل غلب ما لا يعقل لأنه أكثر، وكذلك في سجدة الحج وعطف ما لا يعقل على ما يعقل. ( كشف المعاني )

4-              من في السماوات والأرض / ما في السماوات وما في الأرض: عُبِّر عن فاعل السجود في آيتي الرعد والحج بالاسم الموصول “من” الدال عل العاقل؛ لأن الموضعين يختصان بالعاقل وآية الحج تقدمها قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} . فبدأ بـ “مَنْ” الدالة على العاقل، ثم ذكر سجود الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوابّ … إلخ. أمَّا آية النحل فهي عامة في العاقل وغيره؛ لذلك غُلِّب فيها غير العاقل ـ وهو الأكثر بين مخلوقات اللهـ، وجل ـ، وقد تقدم عليها قول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}. وكذا قول الله عز وجل: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يونس/ ٥٥. وقال عز وجل بعده: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} يونس/ ٦٦. وبعده قوله عز وجل:{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يونس/ ٦٨. الآية الأولى تقدَّمها قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ} يونس/54. فأغنى لفظه عن إعادته مع العلم بالمعنى والآية الثانية تقدَّمها قوله عز وجل: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}؛ فقال: {وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}؛ إشارةً إلى أنَّهم لا يضرونك فيما لم يقدُره الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم ملكه وعبيده وفى تصرفه. والآية الثالثة أوَّلها قوله عز وجل: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي هو الغنى المطلق عن كل شيء من اتخاذ الأولاد للقوة والظفر وغير ذلك، فأكّد بزيادة “ما” لأن السياق يقتضيه. ( معجم الفروق الدلالية/ بتصرف)

5-              ما الفرق بين استعمال من وما فى قوله تعالى (ولله يسجد من في السموات والآرض) وقوله تعالى (ولله يسجد ما في السموات والأرض)؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

(من) تستعمل لذوات العقل وأولي العلم فقط أما (ما) فتستعمل لصفات العقلاء (ونفس وما سوّاها) (وما خلق الذكر والأنثى) والله هو المسوي والله هو الخالق ، وذوات غير العاقل (أشرب من ما تشرب) وهي أعمّ وأشمل.

لماذا الاختلاف في الاستعمال في القرآن الكريم فمرة تأتي (من) ومرة تأتي (ما)؟

من الآيات التي وردت فيها (من) مع السجود :

قال تعالى في سورة الرعد (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)) والطوع والكره من صفات العقلاء فاستعمل (من).

أما في سورة النحل في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)) الدابة أغلب ما تستعمل في اللغة لغير العاقل وهي عامة وشاملة فاستعمل (ما) كما أنه في الآية جاءت كلمة (شيء) وهي أعمّ  كلمة. وعليه فإنه من ناحية العموم ناسب استعمال (ما) ومن ناحية استعمالها لغير العاقل ناسب استعمال (ما) لأن الدابة كما أسلفنا تستعمل في الغالب لغير العاقل.

ونلاحظ في القرآن أنه تعالى عندما يستعمل (من) يعطف عليها ما لا يعقل كما في قوله تعالى في سورة الحج (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ (18)). أما عندما يستعمل (ما) فإنه يعطف عليها ما يعقل (ولله يسجد .. دابة والملائكة) وهو خط بياني لم يتخلف في القرآن أبدا والحكمة البيانية منه الجمع.

وكذلك استعمال من مع فعل يسبّح كما في قوله تعالى في وفي سورة النور (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)). واستعمال (ما) كما في قوله تعالى في سورة الجمعة (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)) والحكمة البيانية من ذلك جمع كل شيء.

يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)

1-             قوله {ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون} ومثله في الروم 34 وفي العنكبوت {وليتمتعوا فسوف يعلمون} باللام والياء أما التاء في السورتين فبإضمار القول أي قل لهم تمتعوا كما في قوله {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} وكذلك {قل تمتع بكفرك قليلا} وخصت هذه بالخطاب لقوله {إذا فريق منكم} وألحق ما في الروم به وأما في العنكبوت فعلى القياس عطف على اللام قبله وهي للغائب. ( أسرار التكرار )

2-             مسألة: قوله تعالى: (فتمتعوا) وفى العنكبوت: (وليتمتعوا) ؟ . جوابه: أن آيات النحل والروم للمخاطبين فجاءت العنكبوت للغائبين، فناسب ذكر اللام فيه. ( كشف المعاني )

وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)

1- الخَبْءُ / الإخفاء/ الدَّس/ السَّتْر/المباراة: إن ألفاظ ” الخَبْءُ ـ الإخفاء ـ الدَّس ـ السَّتْر ـ المباراة” متقاربة دلالياً، فكلها تدل على الإخفاء والاستار، ويتميز كل منها بملمح دلالي فارق في الاستعمال القرآني، فالإخفاء :أعم هذه الألفاظ، وه الستر والكتمان . والخبء: إخفاء شيء ثمين . والدس : المبالغة في الإخفاء والستر . والستر: هو الوقاية والمنع. 2-الإخبات/ الخشوع إخفاء شيء يستحيا منه خاصة.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61)

1-             قوله {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} وفي الملائكة {بما كسبوا ما ترك على ظهرها} الهاء في هذه السورة كناية عن الأرض ولم يتقدم ذكرها والعرب تجوز ذلك في كلمات منها الأرض تقول فلان أفضل من عليها ومنها السماء تقول فلان أكرم من تحتها ومنها الغداء {تقول} إنها اليوم لباردة ومنها الأصابع تقول والذي شقهن خمسا من واحدة يعني الأصابع من اليد وإنما جوزوا ذلك لحصولها بين يدي كل متكلم وسامع ولما كان كناية عن غير مذكور ولم يزد معه الظهر لئلا يلتبس بالدابة لأن الظهر أكثر ما يستعمل في الدابة قال عليه الصلاة والسلام إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وأما في الملائكة فقد تقدم ذكر الأرض في قوله {أو لم يسيروا في الأرض} وبعدها {ولا في الأرض} فكان كناية عن مذكور سابق فذكر الظهر حيث لا يلتبس قال الخطيب لما قال في النحل {بظلمهم} لم يقل على ظهرها احترازا عن الجمع بين الظاءين لأنها تقل في الكلام وليست لأمة من الأمم سوى العرب قال ولم يجئ في هذه السورة إلا في سبعة أحرف نحو الظلم والنظر والظل وظل وجهه والظهر والعظم والوعظ فلم يجمع بينهما في جملتين معقودتين عقد كلام واحد وهو لو وجوا به . ( أسرار التكرار )

2-             قوله تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم) وقال: (عليها) . وفى فاطر: (بما كسبوا ما ترك) وقال: (على ظهرها) ؟ . جوابه: أن آية النحل جاءت بعد أوصاف الكفار بأنواع كفرهم في اتخاذهم إلهين اثنين، وكفرهم وشركهم في عبادة عبادة الله سبحانه، وجعلهم للأصنام نصيبا من مالهم، ووأد البنات، وغير ذلك، وكل ظلم منهم، والسب قوله تعالى: (بظلمهم) ولم يتقدم مثل ذلك في فاطر. وأما (عليها) والمراد: الأرض، فإنه شائع مستعمل كثير في لسان العرب لظهور العلم به بينهم ولكراهية أن يجتمع ظاءان في جملتين مع ثقلها في لسانهم، لأن الفصاحة تأباه ولم يتقدم في فاطر ذلك فقال (على ظهرها) مع ما فيه من تفتن الخطاب. ( كشف المعاني )

3-             ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها …   ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها … آية النحل جاءت بعد وصف الكفَّار بأنواع/ وإنْ من اتخاذهم إلهين اثنين، وشركهم في عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وجَعْلهم للأصنام نصيبًا من مالهم، ووأد البنات، وغير ذلك، وكلُّ ظلمٍ منهم ناسب قول الله عز وجل: {بِظُلْمِهِمْ}، وأما {عَلَيْهَا} في هذه الآية ـ والمراد الأرض ـ فإنه مستعمل شائع في كلام العرب؛ لظهور العلم به بينهم، وأيضًا لكراهة أن يجتمع ظائان في جملتين معًا؛ لأن الفصاحة تأباه. ولم يتقدم في فاطر ما جاء في النحل من أوصاف الكفار، فقال عز وجل: {بِمَا كَسَبُوا}، للدلالة على العموم، وقد خلت هذه الآية من حرف الظاء، فقال عز وجل: {عَلَى ظَهْرِهَا}، مع ما فيه من تفنن الخطاب. ( معجم الفروق الدلالية/ بتصرف)

4-              ما دلالة تقديم يستأخرون في آية سورة النحل وتأخيرها في آية سورة الحجر؟/ اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة النحل (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)) وقال تعالى في سورة الحجر (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)) وإذا استعرضنا الآيات في السورتين نجد أنه في سورة النحل قال تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) فناسب تأخير الأجل في هذه الآية تقديم يستأخرون ثم إن الناس يرغبون بتأخير الأجل وبخاصة الظالم يرغب بتأخير أجله.

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمْ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمْ الْحُسْنَى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمْ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)

1- إن للجنة في القرآن الكريم عدة أسماء متقاربة في الدلالة ، حيث تدل جميعها على دار الثواب التي ينالها المؤمنون الصالحون في الآخرة. وتعددت أسماؤها للإشارة الى معانٍ متنوعة على النحو التالي:

الجنة: إشارة الى كثرة أشجارها وكثافة ظلها ، وماقيها من نعيم مستور عن أهل الدنيا.(الحسنى) للإشارة الى حسن ثواب الله ، والى أن أهلها استحقوها بإحسانهم في الدنيا .( دار السلام) اشارة الى شرف الجنة ،وتعظيماً لها بإضافتها الى اسم من أسماء الله الحسنى ، ولسلامة أهلها من كل مكروه ، وتسليم بعضهم على بعض، وتسليم الملائكة عليهم.(روضة-روضات ) للإشارة الى الحسن والجمال والبهجة الظاهرة .(عدن) للإشارة الى الدرجات العالية من الجنة .(الغُرفة- الغُرَف- الغُرفات) وهي درجة عالية من الجنة ، ثم عُممت دلالتها على الجنة كلها ، إشارة الى رفعة درجاتها وعلو مقامات أهلها .( الفردوس) أعلى منازل الجنة ، وفيه إشارة الى سعتها وتنوع ثمارها ، وعظمة شأنها..( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)

1-             قوله عز وجل {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق} وفي هذه أيضا {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس} الفرق بين أنزلنا إليك الكتاب وأنزلنا عليك قد سبق في البقرة ونزيده وضوحا أن كل موضع خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {إنا أنزلنا إليك} ففيه تكليف وإذا خاطبه بقوله {أنا أنزلنا عليك} ففيه تخفيف واعتبر بما في هذه السورة فالذي في أول السورة {إليك} فكلفه الإخلاص في العبادة والذي في آخرها {عليك} فختم الآية بقوله {وما أنت عليهم بوكيل} أي لست بمسئول عنهم فخفف عنه ذلك . ( أسرار التكرار )

وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)

1-             قوله {فأحيا به الأرض بعد موتها} وفي العنكبوت {من بعد موتها} وكذلك حذف من قوله {لكيلا يعلم من بعد علم شيئا} وفي الحج {من بعد علم شيئا} لأنه أجمل الكلام في هذه السورة وفصل في الحج فقال {فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة} إلى قوله {ومنكم من يتوفى} فاقتضى الإجمال الحذف والتفصيل الإثبات فجاء في كل سورة بما اقتضاه الحال. ( أسرار التكرار )

2-ما الفرق بين قوله تعالى (هدى ورحمة لقوم يؤمنون) (هدى وبشرى للمسلمين) و (هدى ورحمة وبشرى للمسلمين)؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة النحل (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)) و (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)) و (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89))

في الآية الأولى قال تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)) ونسأل هل إنزال الكتاب علينا ينحصر فقط لغرض تبيان الذين اختلفوا فيه؟ لا قال تعالى وهدى ورحمة.

في الآية الثانية (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) هل نزل القرآن لهذا الغرض فقط؟ أي ليثبت بالطبع لا.

وفي الآية الثالثة (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)) نزل القرآن تبياناً لكل شيء فجمعها كلها عندما عمّم وعندما كانت حالة جزئية كما في الآيتين الأولى والثانية في سورة النحل جزّأ.

*لماذا جاءت هدى ورحمة لقوم يؤمنون في الأولى؟

ننظر إلى السياق في الآيات التي بعدها جاءت فنجده في مظاهر الرحمة التي رحم الله تعالى عباده بها (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) ) فناسب قوله تعالى هدى ورحمة السياق في الرحمة.

1-              وفي الآية الثانية السياق قبلها فيه بشرى (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ) فناسب السياق هنا ذكر البشرى في الآية وناسب الجمع في آية التبيان.

3-ما الفرق بين قوله تعالى (نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا) في سورة العنكبوت و(َنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)النحل؟ / اللمسات البيانية د.فاضل السامرائى:

قال تعالى في سورة العنكبوت (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ {63}) وفي القرآن كله وردت (بعد) بدون (من) كما في سورة النحل (وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {65}).

وآية سورة العنكبوت هي الموطن الوحيد الذي وردت فيه (من بعد موتها) ، واستعمال (بعد) فقط يحتمل البعدية القريبة والبعيدة، أما (من بعد) فهي تدلّ على أنها بعد الموت مباشرة أي تحتمل البعدية القريبة فقط دون البعيدة. وإذا استعرضنا الآيات في سورة العنكبوت قبل الآية نجد أن الإحياء كان مباشرة بعد موتها وبدون مهلة ومجرّد العقل  كان سيهديهم إلى أن الله تعالى هو القادر على إحياء الأرض من بعد موتها.

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66)

1-             قوله {نسقيكم مما في بطونه} وفي المؤمنين {في بطونها} لأن الضمير في هذه السورة يعود إلى البعض وهو الإناث لأن اللبن لا يكون للكل فصار تقدير الآية وإن لكم في بعض الأنعام بخلاف ما في المؤمنين فإنه عطف عليه ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض وهو قوله {ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون} {وعليها} ثم يحتمل أن يكون المراد البعض فأنث حملا على الأنعام وما قيل من أن الأنعام ههنا بمعنى النعم لأن الألف واللام تلحق الآحاد بالجمع وفي إلحاق الجمع بالآحاد حسن لكن الكلام وقع في التخصيص والوجه ما ذكرت والله أعلم. ( أسرار التكرار )

2-             قوله تعالى: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه) . وفى المؤمنين: (مما في بطونها) ؟ . جوابه: أن المراد في آية النحل البعض، هو الإناث خاصة، فرجع الضمير إلى البعض المقدر، ودليله تخصيص الآية “باللبن ” وهو في الإناث خاصة. وأية سورة المؤمنين: عامة للجميع بدليل قوله تعالى: (ولكم فيها منافع) الآيات. فعم الذكر والأنثى كما عمهما لفظ الإنسان قبله. ( كشف المعاني )

3-             نسقيكم مما في بطونه / نسقيكم مما في بطونها: في سورة النحل جيء بالضمير مذكراً في ( بطونه) ، لأنه يراد به القلة، فالمراد: الأنعام المؤنث ن والمعنى نسقيكم مما في بطون بعضه (وهو الإناث خاصة) ، فتقدير البعض أوجب استعمال الضمير المذكر ليعود على هذا البعض المقدر، والآية لم تذكر من منافع الأنعام سوى اللبن خاصة ، وهو من الإناث خاصة دون الذكور. وفي سورة المؤمنون جاء الضمير مؤنثاً في ( بطونها) وذلك ليعم الانعام كلها، حيث عددت الآية كثيراً من منافع الانعام الى جانب اللبن، وهذه المنافع موجودة في ذكورها واناثها، فكان الضمير المؤنث هو المناسب هنا ليعم المناع التي تعود على الإنسان من الأنعام كلها ذكورها وإناثها.(معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

4-              ما الفرق بين كلمة (بطونه) في آية سورة النحل  و (بطونها) في آية سورة المؤمنون؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ(66)) .

وقال تعالى :(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُون) (المؤمنون:21) .

آية النحل تتحدث عن إسقاء اللبن من بطون الأنعام واللبن لا يخرج من جميع الأنعام بل يخرج من قسم من الإناث.

أما آية المؤمنون فالكلام فيها على منافع الأنعام من لبن وغيره وهي منافع عامة تعم جميع الأنعام ذكورها وإناثها صغارها وكبارها فجاء بضمير القلة وهو ضمير الذكور للأنعام التي يستخلص منها اللبن وهي أقل من عموم الأنعام وجاء بضمير الكثرة وهو ضمير الإناث لعموم الأنعام وهذا جار وفق قاعدة التعبير في العربية التي تفيد أن المؤنث يؤتى به للدلالة على الكثرة بخلاف المذكر وذلك في مواطن عدة كالضمير واسم الإشارة وغيرها.

وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)

1-             مسألة: قوله تعالى: (إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه) فقوله تعالى: (فيوحي بإذنه) مفهوم من الأول وهو قوله تعالى: (إلا وحيا) فما فائدة ذلك؟ . أن المراد بالوحي الأول: الإلهام، لا الرسالة، والإلقاء في قلب الإنسان ما يكون، وهو كقوله تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى) (وأوحى ربك إلى النحل) . ( كشف المعاني )

ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)

1-             قوله فيها في موضعين {إن في ذلك لآيات} بالجمع وفي خمس مواضع {إن في ذلك لآية} على الوحدة أما الجمع فلموافقة قوله {مسخرات} في الآيتين لتقع الموافقة في اللفظ والمعنى وأما التوحيد فلتوحيد المدلول عليه ومن الخمس قوله {إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} وليس له نظير وخص الذكر لاتصاله بقوله {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه} فإن اختلاف ألوان الشيء وتغير أحواله يدل على صانع حكيم فما يشبهه شيء فمن تأمل فيها تذكر ومن الخمس {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} في موضعين وليس لهما نظير وخصتا بالتفكر لأن الأولى متصلة بقوله {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} وأكثرها للأكل وبه قوام البدن فيستدعى تفكرا وتأملا ليعرف به المنعم عليه فيشكر والثانية متصلة بذكر النحل وفيها أعجوبة من انقيادها لأميرها واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق ثم تتبعها الزهر والطل من الأشجار ثم خروج ذلك من بطونها لعابا هو شفاء فاقتضى ذلك ذكرا بليغا فختم الآية بالتفكير. ( أسرار التكرار )

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)

1-             قوله {أنشأكم} وفي غيرها {خلقكم} و4 1 و6 2 و7 189 الخ لموافقة ما قبلها وهو {وأنشأنا من بعدهم} وما بعدها {وهو الذي أنشأ جنات معروشات}. ( أسرار التكرار )

2-             قوله تعالى: (كي لا يعلم بعد علم شيئا) . وقال في الحج: (من بعد علم شيئا) بزيادة (من) ؟ . جوابه: أن (بعد) يستغرق الزمان المتعقب للعلم من غير تعين ابتداء وانتهاء، فلما أتى ما قبل آية النحل مجملا جاء بعده كذلك مجملا، وفى الحج أتى ما قبلها مفصلا من ابتدائه بقوله تعالى: (فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة) إلى آخره بعده كذلك مفصلا من ابتدائه مناسبا لما تقدمه من التفصيل. ( كشف المعاني )

3-             لكيلا يعلم بعد علم شيئًا / لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا: حُذف حرف الجر “من” في آية النحل؛ لأنها مجملة، حيث لم تُفَصَّل مراحل الخلق؛ فناسب ذلك ألَّا تُثبَت (من) فيها. أما آية الحج فقد فصَّلت مراحل الخلق: الحج/5. فناسب ذلك إثبات “من” في آخر الآية.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف ) لكيلا يعلم بعد علم شيئًا / لكيلا يعلم من بعد علم شيئًا: حُذف حرف الجر “من” في آية النحل؛ لأنها مجملة، حيث لم تُفَصَّل مراحل الخلق؛ فناسب ذلك ألَّا تُثبَت (من) فيها. أما آية الحج فقد فصَّلت مراحل الخلق: الحج/5. فناسب ذلك إثبات “من” في آخر الآية.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

4-              ما دلالة كتابة كلمة (لكي لا) منفصلة مرة في آية سورة النحل و(لكيلا) موصولة في آية سورة الحج؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة النحل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)) وقال في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) .أولاً خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني والله أعلم في أكثر من موطن. فمرة تكتب (لكي لا) مفصولة ومرة (لكيلا) موصولة. وأقول أن هذا ليس فقط للخط وإنما لأمر بياني هو كما ذكرنا سابقاً عن الفرق بين من بعد علم وبعد علم وقلنا أن (من) هي ابتداء الغاية أما بعد علم فقد يكون هناك فاصل بين هذا وذاك وذكرنا أمثلة (من فوقها) أي مباشرة وملامسة لها أما فوقها فلا تقتضي الملامسة بالضرورة. فمن حيث المعنى:لكي لا يعلم بعد علم تحتمل الزمن الطويل والوصل أما قوله  لكي لا يعلم من بعد علم فهي مباشرة بعد العلم فلمّا احتمل الفاصل فصل (لكي لا) وعندما وصل بينهما وصل (لكيلا).

وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)

1-             قوله {وبنعمة الله هم يكفرون} وفي العنكبوت {يكفرون} بغير {هم} لأن في هذه السورة اتصل {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} ثم عاد إلى الغيبة فقال {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون} فلا بد من تقييده بهم لئلا تلتبس الغيبة بالخطاب والتاء بالباء وما في العنكبوت اتصل بآيات استمرت على الغيبة فيها كلها فلم يحتج إلى تقييده بالضمير. ( أسرار التكرار )

2-             مسألة: قوله تعالى: (وبنعمت الله هم يكفرون (72) وفى العنكبوت: (يكفرون) بغير (هم) جوابه: ما تقدم أن آية النحل سياقها للمخاطبين متصل بقوله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا) الآية، ثم عدل إلى الغيبة بقوله تعالى: (أفبالباطل يؤمنون) فناسب (هم) توكيدا للغيبة، كي لا يلتبس الغيبة بالخطاب. وآية العنكبوت للغائبين، فناسب حذف (هم) منه لعدم اللبس. ( كشف المعاني )

3-             وبنعمة الله يكفرون / وبنعمة الله هم يكفرون : أثبت ضمير الغائب (هم) في آية النحل ، لأن سياقها للمخاطب وهو قول الله عز وجل ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم … الطيبات) ، ثم حدث التفات وانتقل من المخاطب الى الغائب، فجاء الضمير الغائب هنا- بالإضافة لما فيه من التأكيد – إشارة الى غياب وعيهم وفقدان القدرة على إدراك نعم الله وإحساناته . أما آية العنكبوت فاستمرت من أولها الى آخرها للغائب، و لا ضرورة إذن لذكر ضمير الغائب في آخر الآية.   ( معجم الفروق الدلالية/ بتصرف)

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنْ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75)

1- عَبْد/ مملوك: إن اللفظين “عبد ـ مملوك” بينهما تقارب دلالي، حيث يشتركان في معنى الذل والخضوع، ولكن شتَّان بينهما، فالعبودية تتضمن نوعين: عبودية الإنسان لله عز وجل، وبها يسمو ويعلو قَدْرُه. وعبوديَّة الإنسان للإنسان، وبها ينحطُّ إلى درجة الجمادات. أمَّا “المملوك” فيقتصر على معنى واحد هو العبوديَّة للبشر، وهو كالجمادات لا قدرة له ولا إرادة.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)

1- ليوم القيامة في القرآن الكريم أسماء كثير: ( الآزفة): وردت في القرآن مرتين، وسميت آزفة، لأزوفها، أي لقربها، وإن استبعد الناس مداها.(الحاقة): روعي في هذا الاسم من أسماء القيامة: تحقق وقوعها بلاسك في ذلك، وكشف حقائق الأمور فيها، إحقاق الحقوق لكل عامل وعدالة الحساب والجزاء فيها، كونها قاطعة غالبة لكل معاند مجادل.( الراجفة الرادفة) الراجفة: هي الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال، وهمجيتها، الأولى، والرادفة هي النفخة الثانية لأنها تردف الأولى. ( الساعة):إن سر إطلاق اسم الساعة على يوم القيامة أقوال عدة، منها:1-سرعة مجيئها ، فكأن الوقت الذي بين الدنيا وبين القيامة لم يستغرق سوى هذا الجزء اليسير من الزمان .2-لسرعة انقضاء الحساب فيها.( الصاخة): يدل اسم الصاخة على لحظة من لحظات يوم القيامة، وهي لحظة النفخ في الصور وما يصاحب ذلك من صمم عن الدنيا وذهول عنها، والإقبال على شأن الآخرة وماقيها من ثواب وعقاب.( الطامة) جاءت كلمة الطامة وصفاً للقيامة في سياق الامتنان على الإنسان بخلق الله في السماوات والأرض والجبال وماقيها من متاع للإنسان ودلائل على قدرة الله عز وجل.( الغاشية) سياق هذه الكلمة في القرآن الكريم يقطع بأن المراد يوم القيامة، بما يغشى الناس فيه من أهوال وشدائد ، وما يعلو وجوههم من خشوع ونصب، أو نضرة وإشراق. (القارعة):داهية تقرعهم بما يحل الله بهم من صنوف البلايا والمصائب ،وسميت القيامة بالقارعة لأنها تقرع الناس” تصيبهم وتضربهم”  بالأهوال كانشقاق السماء والأرض ودك الجبال وطمس النجوم.(القيامة): وهو أشهر الأسماء الدالة على يوم البعث والحساب. وهو قيام الناس من قبورهم، ويكون ذلك دفعة واحدة لشدة النفخة التي تصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله . ولهذا المعنى ينطوي اسم القيامة على كل الأوصاف الواردة في الأسماء الأخرى الدالة على هذا اليوم العظيم.( الواقعة): معنى الواقعة” الحادثة” ، وإن تسمية القيامة ” بالواقعة” إشارة الى ثبوتها وتأكيداً لوجوبها وحلولها. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)

1-             قوله {ألم يروا كم أهلكنا} في بعض المواضع بغير واو كما في هذه السورة وفي بعضها بالواو وفي بعضها بالفاء هذه الكلمة تأتي في القرآن على وجهين أحدهما متصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة فذكره بالألف والواو لتدل الألف على الاستفهام والواو على عطف جملة على جملة قبلها وكذا الفاء لكنها أشد اتصالا بما قبلها والوجه الثاني متصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال فاقتصر على الألف دون الواو والفاء لتجري مجرى الاستئناف ولا ينقض هذا الأصل قوله {أولم يروا إلى الطير} في النحل لاتصالها بقوله {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم} وسبيله الاعتبار بالاستدلال فبنى عليه {أولم يروا إلى الطير} . ( أسرار التكرار )

2-             مسألة: قوله تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا) الآية وقال تعالى: (أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) ؟ جوابه: أن الإنسان طبع على ذلك عند تأهله لذلك وقدرته عليه. ( كشف المعاني )

3-             الإبصار / الرؤية / النظر : تشترك جميعها فأَرسَلَ: مل الشيء لإدراكه ، لكن لكل منها درجة في الإدراك أعلاها( الرؤية ) التي تتميز باليقين ، ثم ( الإبصار) الذي يتميز بالوضوح ، وأدناها( النظر) الذي قد يكون توجه العين الى الشيء دون رؤيته ، وقد يكون تدبراً مع رؤية الشيء.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

4-             الحمد / الشكر: إن اللفظين “الحمد-الشكر” بينهما تقارب دلالي؛ حيث يشتركان في معنى عام هو: الثناء بالجميل. ويتميَّز كلٌّ منهما بملامح دلالية فارقة: فالحمد: يكون على النعمة والعطاء، وعلى الصفات الذاتية. ويكون على النعمة الواصلة إليك أو إلى غيرك، وفيه محبة وإجلال ويكون باللسان دون غيره. أما الشكر: لا يكون إلَّا على النعمة والعطاء، ولا يكون إلَّا على النعمة الواصلة إليك، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، ليس فيه معنى المحبة والإجلال.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

5-             السمع/ الأبصار: أفرد السمع وجمعت الأبصار حيثما وردا في القرآن الحكيم، كما قُدِّم السمع على البصر؛ وذلك لأن: جهاز السمع والاتزان عند الجنين يكتمل في عمر 7 أسابيع تقريبًا، بينما لا يَرى الطفل الوليد مباشرة إلَّا بعد مرور حوالى 18 يومًا من ولادته. مجال السمع مقداره 360 درجة، بينما مجال البصر مقداره 180 درجة. الطفل فاقد السمع لا يمكنه أن يتعلَّم الكلام؛ لأن تعلُّم الكلام يتأتَّى بالمحاكاة عن طريق سماع المحيطين به، بينما يستطيع الطفل الأعمى أن يتعلم عن طريق السمع. كما أنَّ المَشاهِدَ التي يراها البصر متعدِّدة في المجال الواحد، فعن اليمين رؤية ومشهد، وعن اليسار مشهد آخر، ومن الخلف مشهد ثالث، ومن الأمام مشهد رابع، في حين أنَّ السَّمع واحد لا يختلف باختلاف الجهة. لكل هذا أُفْرِد السمع وجمعت الأبصار، وقُدِّم السَّمع على البصر في النظم القرآني الحكيم.(معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)

1-             قوله فيها في موضعين {إن في ذلك لآيات} بالجمع وفي خمس مواضع {إن في ذلك لآية} على الوحدة أما الجمع فلموافقة قوله {مسخرات} في الآيتين لتقع الموافقة في اللفظ والمعنى وأما التوحيد فلتوحيد المدلول عليه ومن الخمس قوله {إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} وليس له نظير وخص الذكر لاتصاله بقوله {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه} فإن اختلاف ألوان الشيء وتغير أحواله يدل على صانع حكيم فما يشبهه شيء فمن تأمل فيها تذكر ومن الخمس {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} في موضعين وليس لهما نظير وخصتا بالتفكر لأن الأولى متصلة بقوله {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} وأكثرها للأكل وبه قوام البدن فيستدعى تفكرا وتأملا ليعرف به المنعم عليه فيشكر والثانية متصلة بذكر النحل وفيها أعجوبة من انقيادها لأميرها واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق ثم تتبعها الزهر والطل من الأشجار ثم خروج ذلك من بطونها لعابا هو شفاء فاقتضى ذلك ذكرا بليغا فختم الآية بالتفكير. ( أسرار التكرار )

2-             مسألة: قوله تعالى: (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) ثم قال تعالى: (إن في ذلك لآيات) وظاهره واحدة كما تقدم قبل ذلك؟ . جوابه: أنه لما ختم الآيات المذكورة في هذه السورة بهذه الآية كانت هي وما قبلها آيات فتكون الإشارة بذلك إلى مجموع ما تقدم من الآيات والله أعلم. ( كشف المعاني )

3-             ألم / أو لم / أفلم : جاءت الاستفهامات القرآنية التي تشير الى القدرة والعظمة الإلهية والاعتبار بذلك، على ثلاث صور: بالهمزة فقط {ألم} لأن هذه الآيات يقتضي سياقها النظر والاعتبار والاستدلال. بالهمزة والواو{أولم} لأن سياق هذه الآيات يقتضي الاعتبار بالمُشاهد الحاضر فقط . ومثلها الآيات التي جاء الاستفهام فيها مقروناً بالفاء{أفلم} إلا أن الفاء أوثق اتصالا بما قبلها.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

4-              ما الفرق بين استخدام كلمة الله وكلمة مسخّرات في سورة النحل وكلمة الرحمن وصافّات في سورة الملك؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

لفظتى (الله) و (الرحمن):                                            

قال تعالى في سورة النحل (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)) وقال في سورة الملك (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)).                                                                                           *أولاً وللعلم أن كلمة الرحمن لم ترد في سورة النحل كلها (128 آية) بينما وردت أربع مرات في سورة الملك (30 آية). وكلمة الله في سورة النحل وردت 84 مرة بينما وردت في الملك ثلاث مرات ،هذا من حيث السمة اللفظية.

وللعلم أيضاً لم يرد إسناد الفعل سخّر في جميع القرآن إلى الرحمن وهذا هو الخط العام في القرآن وإنما ورد (سخرنا، ألم تر أن الله سخر) ولهذا حكمة بالتأكيد.

لأمر الآخر أن السياق في سورة المُلك هو في ذكر مظاهر الرحمن (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) حتى لمّا حذرهم حذّرهم بما أنعم عليهم من قبل (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)) ولم يقل فكيف كان عقاب كما جاء في آية سورة الرعد (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)) وهذا من مظاهر الرحمة (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)) فالسياق في السورة إذن في مظاهر الرحمن.

أما في سورة النحل فالسياق في التوحيد والنهي عن الشرك (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)) حتى ختم آية النحل (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ولفظ (الله) مأخوذ من العبادة فهو الأنسب هنا.

لفظتى (مسخرات) و (صافات):

هذا أمر والأمر الآخر قال في سورة النحل (مسخّرات) من باب القهر والتذليل ولا يناسب الرحمة وليس من باب الإختيار. بينما في سورة الملك جعل اختيار (صافّات ويقبضن) من باب ما يفعله الطير ليس فيها تسخير وإعطاء الإختيار من باب الرحمة ثم ذكر حالة الراحة للطير (صافّات) وهذا أيضاً رحمة. إذن لفظ (الرحمن) مناسب لسورة الملك ولفظ (الله) مناسب لسورة النحل.                                                                                              

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (80)

1- أثاث / متاع: المتاع هو كل ما ينتفع به ويتمتع به من أكل ولبس وحياة وحديث وأنس وغير ذلك. والأثاث هو الكثير من المتاع. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ (83)

1- الجُحود / الإنكار : إن الاستخدام القرآني لكلمتي (الجُحود / الإنكار ) يُظهر اشتراكهما في معنى النفي. والملمح المميز للجحود هو انكار الشيء الظاهر مع العلم به . والملمح المميز للإنكار :عدم العلم بالشيء أو إخفاء دليله . ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمْ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)

1- الضلال/الغَىّ: إن لفظي “الضلال-الغَىّ” بينهما تقارب دلالي؛ حيث يشتركان في معنى عامٍّ هو مجانبة الحق. ويختص الغَىُّ بملامح فارقة تميِّزه عن الضلال، وهى: الشدَّة، والانهماك في فعل الشر، والبعد عن الحق، والعلم بذلك، وفساد الاعتقاد. أما الضلال فقد لا يكون عن علم ولا عن قصد، وهو يتراوح في درجات الشدة، ولذلك يحمل معانى متعددة حسب السياقات، وهى: السهو، الخطأ، النسيان، الذهاب، الغياب، البطلان، الضياع، الجور عن الحق عن جهل.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

2- السِّلْم/ السَّلْم/ السَّلَم: إن الألفاظ (سِلْم ـ سَلْم ـ سَلَم) بينها تقارب دلالي؛ حيث تشترك جميعها في معنى الخلوص. فالسِّلْم: خُلوص الطاعة والإيمان والعمل لله عز وجل. والسَّلْم: خُلوص الرغبة في الصلح. والسَّلَم: خُلوص الانقياد والاستسلام، أو خلوص الشيء لمالكه فلا يشركه فيه أحد) معجم الفروق الدلالية / بتصرف(

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

1- القرآن: ورد هذا الاسم الكريم في عدة مواضع علماً على القرآن الكريم ،وقد اختلف العلماء في اشتقاق ( القرآن ) ولعل أقوى الوجوه التي ذكرت عن القرآن أنه علمٌ على كتاب الله المنزل على سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ، وهو مشتق من (ق – ر- أ) بمعنى التلاوة . وهو اشهر أعلام القرآن وأعمُّها دلالة.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

1- العدل/ القِسْط: كلا اللفظين يعني : الإنصاف والمساواة لكن القسط يختص بملمح دلالي مميز وهو ظهور هذا الانصاف وتلك المساواة ظهوراً بيناً، كأنما قٌدِّر الأمر بالميزان الذي توزن به الأشياء المادية .( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)

1-             قوله{ولا نسأل عما تعملون} وفي غيرها {عما كنتم تعملون} لأن قوله {أجرمنا} بلفظ الماضي أي قبل هذا ولم يقل نجرم فيقع في مقابلة تعملون لأن من شرط الإيمان ووصف المؤمن أن يعزم ألا يجرم وقوله {تعملون} خطاب للكفار وكانوا مصرين على الكفر في الماضي من الزمان والمستقبل فاستغنت به الآية عن قوله {كنتم} . ( أسرار التكرار )

وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)

1-قوله {ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} وفي النحل {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} وكان حقه أن يذكر هناك خصت هذه السورة بالذي ليوافق ما قبله وهو {أسوأ الذي عملوا} وقبله {والذي جاء بالصدق} وخصت النحل بما للموافقة أيضا وهو قوله {إنما عند الله هو خير لكم} {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} فتلائم اللفظان في السورتين . ( أسرار التكرار )

مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)

1- الحياة/الحيوان: إن كلمتي “حياة ـ حيوان” بينهما تقارب دلالي؛ حيث يشتركان في أصل المعنى. ويتميَّز لفظ “الحيوان” بملامح فارقة هي: اختصاصه بوصف الحياة في الآخرة، ملمح الدوام والاستمرار ملمح التجدُّد، الحركة والنشاط، الابتهاج وخفَّة النفْس. لا يعقبها موتٌ..( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

2- ما كانوا يعملون / الذى كانوا يعملون: خصت آية الزمر بالاسم الموصول “الذى”؛ لموافقة ما قبله، وخصت آية النحل بالاسم الموصول “ما”؛ لموافقة ما قبله. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

3- مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (97) النحل) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه) لما عبّر عن المؤمن الذي عمل صالحاً قال حياة طيبة ولما عبّر عن الذي أعرض عن ذكر الله تعالى قال معيشة ضنكاً، عبّر بالمعيشة ولم يقل حياة فما اللمسة البيانية والفرق بين الحياة والمعيشة؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

من حيث اللغة المعيشة أو العيش هي الحياة المختصة بالحيوان أما الحياة فتستعمل للأعمّ والله تعالى يقول نبات حيّ ونبات ميّت. إذا أردنا أن نصف النبات بأنه حيّ نقول حيّ ولا نقول عائش، ربنا يوصف بأنه حيّ (الحي القيوم). إذن المعيشة الحياة المختصة بالحيوان هو أخص من الحياة أما الحياة أعمّ للحيوان والنبات وتستعمل في صفات الله سبحانه وتعالى. المعيشة خاصة بالحيوان فقط أما الحياة فعامة وتستعمل للحياة المعنوية المقابل للضلال (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (122) الأنعام). المعيشة هي لما يُعاش به (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (32) الزخرف) ليس حياتهم وإنما ما يُعاش به من طعام وشراب (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (10) الأعراف) أي ما تأكلون. عرفنا الفرق بين معيشة وحياة من حيث اللغة. يبقى كيف استعملها؟ في سورة طه لما ذكر الجنة وطبعاً الخطاب لآدم قال (فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) يعني أسباب المعيشة أكل وشرب ولباس، إذن هذا سيكون مناسباً لذكر المعيشة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (124)) سيتعب حتى يحصّل المعيشة على أساس أن الله تعالى ذكر معيشة أبينا آدم قبلاً فهذه مقابل تلك. وقسم يقول المعيشة الضنك هي حياة القبر (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) من أعرض عن ذكر الله، وقسم قالوا المعيشة الضنك هي الحرص على الدنيا والخوف من فواتها الذي يعرض عن ذكر الله يكون متعلق بالدنيا ويخشى أن تزول مهما كان في نعمة يفكر في زوالها ولا يستمتع بها إذن سيكون هناك ضنك بمعنى ضيق. لو كان أنعم الناس ولكنه يعلم أنه سيفارقها وأنها تزول منه يعيش في ضنك، الحرص على الدنيا فهي مناسبة من حيث ما ذكرنا أنها جاءت بعد ذكر الجنة (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)) فناسب فيها المعيشة. أما الآية الأخرى قال لم يذكر فيها أسباب المعيشة وإنما ذكر الإيمان والعمل الصالح (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) قسم قال الحياة هي حياة الجنة. (فلنحيينه) الفاء هنا جواب الشرط لأن نون التوكيد تفيد الاستقبال. فقسم قالوا هي الجنة وقسم قالوا هي الرضى بقضاء الله وقدره يعني يستقبل كل ما يقع وما يأتي عليه بنفس راضية مطمئنة خاصة إذا علم أن هذا سيكون في ميزان حسناته.

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (108)

1-             ختم/ طبع: الختم والطبع متقاربان دلاليًّا؛ حيث يشتركان في معنى: التغطية وعدم نفوذ الهداية والإيمان. ويختلفان عند ورود مادة “خ ت م” بصيغ أخرى غير صيغة الفعل، فعندئذ تعود هذه المادة إلى الأصل اللغوي وهو النهاية، وهى مستعملة في سياقات دالة على المدح، أمَّا المادة “ط ب ع” فقد جاءت في جميع المواضع القرآنية دالَّةً على الذَّمّ. ولعل هذا دليلٌ على أنَّ الطبع أقوى من الختم، وأنَّ الختم قد يكون بخير أو بشرٍّ، بينما لا يكون الطبع إلا بِشَرٍّ. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (109)

1-             قوله {لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون} وفي النحل {هم الخاسرون} لأن هؤلاء صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم فضلوا فهم الأخسرون يضاعف لهم العذاب وفي النحل صدوا فهم الخاسرون قال الخطيب لأن ما قبلها في هذه السورة {يبصرون} {يفترون} لا يعتمدان على ألف بينهما وفي النحل {الكافرون} و {الغافلون} فللموافقة بين الفواصل جاء في هذه السورة { الأخسرون} وفي النحل {الخاسرون}. ( أسرار التكرار )

2-              ما دلالة اختلاف الفاصلة القرآنية بين(لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ (22) هود) (لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ (109) النحل) ؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

الأخسرون أشد خسارة. آية هود التي ذكر فيها الأخسرون هي فيمن صدوا عن سبيل الله وصدوا غيرهم أما آية النحل فهي فيمن صد هو ولم يصد غيره. في هود قال (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)) في النحل قال (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)) لو لخصنا ما في هود وما في النحل قال في هود يصدون عن سبيل الله، يبغونها عوجاً، وهم بالآخرة هم كافرون، ما كان لهم من دون الله من أولياء، يضاعف لهم العذاب، ما كانوا يستطيعون السمع، ما كانوا يبصرون، يفترون على الله، في النحل قال استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، إن الله لا يهدي، طبع الله على قلوبهم وأبصارهم. فبسورة هود ذكر معاصي أكثر من سورة النحل فاستعمل الأخسرون مع الكثير من المعاصي والخاسرون مع المعاصي الأقل.

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)

1-             قوله {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} كرر {إن} وكذلك في الآية الأخرى {ثم إن ربك} لأن الكلام لما طال بصلته أعاد إن واسمها وثم وذكر الخبر ومثله {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} أعاد أن واسمها لما طال الكلام. ( أسرار التكرار )

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)

1-             مسألة: قوله تعالى: (ثم توفى كل نفس ما كسبت) ومثله في آل عمران. وقال في النحل والزمر: (ما عملت) * جوابه: هو من باب التفنن في الألفاظ والفصاحة. وأيضا: لما تقدم في الزمر لفظ الكسب في مواضع مثل (وبدا لهم سيئات ما كسبوا، وأصابهم سيئات ما عملوا. فعدل إلي لفظ (عملوا) تركا للتكرار، ولم يتقدم ذلك في البقرة وآل عمران. وأنه: إشارة إلى أن الأعمال كسب العبد خيرا – كان أو شرا. (كشف المعاني )

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)

1- الأمن / الطمأنينة / السكينة : تشترك جميعها في سكون النفس وعدم اضطرابها وتتدرج هذه المعاني بالقوة : فالسكينة أعلاها وأشدها رسوخاً، والطمأنينة مرحلة وسط بين الأمن والسكينة . والأمن هو أعم هذه الألفاظ إذ هو سكون القلب، فإذا ما زاد هذا السكون ورسخ في القلب صار طمأنينة ، فإذا استقر غاية الاستقرار والثبات والهدوء صار سكينة. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

2- الجوع / المَخْمَصَة / المَسْغَبَة: الجوع في اللغة: ضد الشِّبَع، وهو الإحساس الذى يصيب الحيوان بسبب خُلُوِّ المعدة من الطعام . والمخمصة في اللغة أصلها: الضمور، أُطْلِقَتْ على الجوع الشديد الذى يُورِث خَمْصَ البطن، أي ضموره ، والمسغبة في اللغة: الجوع مع التعب. ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

3-أنعُم/ نِعَم: صيغة “أَنْعُم” على وزن “أَفْعُل” وهو من أوزان جموع القلة، وقد وردت الكلمة في موضعين من القرآن الكريم “النحل:112، 121″، في سياق الحديث عن أهل قرية واحدة بعينها “النحل: 112″، وفى سياق الحديث عن شخص واحد هو إبراهيم عليه السلام “النحل: 121″، ومحدودية العدد اقتضت صياغة الجمع على صيغة من الصيغ الدالة على القلة، فالعدد المحدود من البشر يلائمه العدد المحدود من النعم. أما صيغة “نِعَم” فهي من صيغ جموع الكثرة، وجاءت في سياق الحديث عن سعة العطاء الإلهي لجميع الناس، مع تنوع هذه النعم واختلاف أنواعها، فناسب ذلك أن يُستَعمَل جمع الكثرة “نِعَم” الدالِّ على كثرة أفضال الله على عباده وسعة رزقه وجوده سبحانه وتعالى.(معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

4- ما الفرق بين (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) و(وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) النحل)؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

قراءة الآيتين يوضح الأمر: آية النور (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) النور) وآية النحل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112)) هذه قرية قديمة وبائدة كانت تفعل هذا فهو تاريخ أما آية النور فحالة مستمرة إلى قيام الساعة وليست مثل تلك القرية القديمة التي كانت. لا ينفع أن نقف على جزء من الآية وإنما نأخذها في سياقها هل يتكلم عن أمر ماضي أو مستقبل. إذن بما كانوا يصنعون في الماضي والثانية (خبير بما يصنعون) في الحال.

وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)

1- الحلال / الطّيّب : إن لفظي “حلال-طيب” بينهما عموم وخصوص، فالطيب يُراد به ما في الشيء من لَذَّة. والحلال يُراد به الحكم الشرعي بإباحة الشيء. ويجمعهما كون الشيء مما تقبله النفس ويرتضيه الله عز وجل، ولكن الطيب وصف لحقيقة الشيء، والحلال حكم على الشيء.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)

1-             قوله {وما أهل به لغير الله} قدم {به} في هذه السورة وأخرها في المائدة 3 والأنعام 145 والنحل 115 لأن تقديم الباء الأصل فإنها تجري مجرى الهمزة والتشديد في التعدي فكانت كحرف من الفعل فكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل ليعلم ما يقتضيه اللفظ ثم قدم فيما سواها ما هو المستنكر وهو الذبح لغير الله وتقديم ما هو الغرض أولى ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل والحال على ذي الحال والظرف على العامل فيه إذا كان ذلك أكثر للغرض في الإخبار. ( أسرار التكرار )

2-             قوله تعالى: (فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) وكذلك في المائدة والنحل (4) . وفى الأنعام: فإن ربك غفور رحيم؟ . جوابه: لما صدر آية الأنعام بقوله تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي ناسب قوله:، قل، وإلى،: (فإن ربك) . وبقية الآيات المذكورات خطاب من الله تعالى للناس، فناسب: (فإن الله غفور رحيم أي: فإن الله المرخص لكم في ذلك. فإن قيل: فلم لم يقل: فإن ربكم؟ قلنا: لأن إيراده في خطاب النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يوهم غيره، لاسيما والخطاب عام. ( كشف المعاني )

3-             وما أُهِّلَّ به لغير الله / وما أُهِّلَّ لغير الله به: في آية البقرة تقدم الجار والمجرور “به” المتعلقان بالفعل: “أهِلَّ”؛ لأنها في سياق ذكر المحرَّم والمحلَّل من الطعام، فَقُدِّمَ المتعلق وضميره؛ لأنه المنصوص على حرمته.      والآيات الأخرى في سياق تعظيم شعائر الله وأوامره وشكر نعمته؛ فكان تقديم اسم الله عز وجل أليق في هذه المواضع.والقاعدة في البلاغة أن الأهمَّ أولَى بالتقديم، ولا شك أن المنصوص عليه في السياق هو الأهم..( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)

1-             قوله {ولا تك في ضيق مما} وفي النمل {ولا تكن} بإثبات النون هذه الكلمة كثر دورها في الكلام فحذف النون منها تخفيفا من غير قياس بل تشبيها بحروف العلة ويأتي ذلك في القرآن في بضع عشرة موضعا تسعة منها بالتاء وثمانية بالياء وموضعان بالنون وموضع بالهمزة وخصت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله {ولم يك من المشركين} والثاني إن هذه الآية نزلت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حين قتل عمه حمزة ومثل به فقال عليه الصلاة والسلام لأفعلن بهم ولأصنعن فأنزل الله تعالى {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} فبالغ في الحذف ليكون ذلك مبالغة في التسلي وجاء في النمل على القياس ولأن الحزن هنا دون الحزن هناك ( أسرار التكرار )

شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)

1- أنعُم/ نِعَم: صيغة “أَنْعُم” على وزن “أَفْعُل” وهو من أوزان جموع القلة، وقد وردت الكلمة في موضعين من القرآن الكريم “النحل:112، 121″، في سياق الحديث عن أهل قرية واحدة بعينها “النحل: 112″، وفى سياق الحديث عن شخص واحد هو إبراهيم عليه السلام “النحل: 121″، ومحدودية العدد اقتضت صياغة الجمع على صيغة من الصيغ الدالة على القلة، فالعدد المحدود من البشر يلائمه العدد المحدود من النعم. أما صيغة “نِعَم” فهي من صيغ جموع الكثرة، وجاءت في سياق الحديث عن سعة العطاء الإلهي لجميع الناس، مع تنوع هذه النعم واختلاف أنواعها، فناسب ذلك أن يُستَعمَل جمع الكثرة “نِعَم” الدالِّ على كثرة أفضال الله على عباده وسعة رزقه وجوده سبحانه وتعالى.(معجم الفروق الدلالية / بتصرف)

2-  ما الفرق بين أنعُم ونِعَم؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

قال تعالى في سورة النحل (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)) شاكراً لأنعمه وفي سورة لقمان (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)) نِعمه هل هي نِعَم واحدة؟

أنعم جمع قِلّة على وزن أفعُل، نِعم جمع كثرة. ونعم الله تعالى لا تحصى ولا يمكن أن تُشكر ولا نستطيع شكرها فالله تعالى مدح ابراهيم على أنه شكر الأنعم أي القليل من النِعم فمدحه على ذلك لأنه لا يمكن لأحد أن يشكر نِعَم الله تعالى التي لا تُحصى فأثنى على ابراهيم لأنه كان شاكراً لأنعم الله تعالى. والله تعالى لم يسبغ علينا أنعماً ولكنه أسبغ نعماً ظاهرة وباطنة لا تُحصى. والاسباغ هو الإفاضة في ذكر النِِعم. قال تعالى في سورة الإنسان (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)) شاكراً اسم فاعل والكفور مبالغ في الكفر. وتوجد نِعم مستديمة منها ما نعلم ومالا نعلم والله تعالى أفاض علينا بالنعم الكثيرة ولو شكرنا نشكر باللسان وهو بحد ذاته نعمة.

وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)

1-             مسألة: قوله تعالى: (إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) . ومثله في النحل: (وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة) الآية. وفى لقمان: (إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) ، وفيها: (إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا) الآية. جوابه: لما تقدم في السورتين ذكر الاختلاف ناسب ذكر الحكم. بخلاف سورة لقمان لأنها عامة في الأعمال. (كشف المعاني )

2-              آية تتكرر كثيراً (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الأنعام) مرة تأتي بإضافة يحكم بينكم ومرة يعملون (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) الزمر)؟ وما الفرق بين الحكم والفصل في القرآن الكريم؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

لم يقل مرة يحكم فيما كانوا يعملون فقط ذكر الاختلاف قال (فيماهم يختلفون) فقط لم يذكر شيئاً آخرلم يقل يعملون ولا يصدفون وإنما قال يختلفون إذن الشق الأول من السؤال غير صحيح.

نأتي للفرق بين الحكم والفصل، الحكم القضاء والفصل أشد لأنه يكون بَوْن أحدهما، أن يكون بينهما فاصل حاجز إذن الفصل أشد فإذن لما يقول في القرآن يفصل بينهم تكون المسافة أبعد كأن يذهب أحدهم إلى الجنة والآخر إلى النار أما الحكم فلا وقد يكون في ملة واحدة، نضرب أمثلة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة) هؤلاء يذهبون معاً إلى جهة واحدة اليهود والنصارى كلاهما ليس أحدهما إلى الجنة والآخر إلى النار فليس فيه فصل. (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل) اختلاف في ملة واحدة وهم اليهود، وكلهم يذهبون معاً إلى جهة واحدة مع بعض. (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (3) الزمر) كلهم يذهبون إلى جهة واحدة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) الحج) هؤلاء لا يذهبون إلى جهة واحدة فهم فئات مختلفة إذن يفصل. الفصل يتضمن الحكم حكم وفصل فيكون أشد. ولذلك قال المفسرون في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة) قالوا الفصل بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والمشركين. فإذن الفصل حكم لكن فيه بَوْن كل جهة تذهب إلى مكان لذا قال في سورة ص (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ (22)) هذا حكم قضاء.

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)

1-             مسألة: قوله تعالى: (إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله) وفى النحل وغيرها: (بمن ضل عن سبيله) ؟ “. جوابه: أن الأصل دخول الباء فيه لكن تقدم قوله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) . ولما تقدم هنا: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) وتأخر (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم) ناسب من يضل عن سبيله، وبقية الآيات إخبار عمن سبق منه الضلال فناسب الفعل الماضى . ( كشف المعاني )

2-             المُجادلة /   المُحاجّة / المحاورة : المجادلة تتميز بملمح الشدة في مراجعة الكلام . والمحاجة مصاحبة الكلام للحجج التي يراد بها الغلبة على الخصم ، أما المحاورة تتميز بملمح الهدوء .  ( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

3-             هو أعلَمُ بمن ضلَّ / هو أعلَمُ من يضِلّ: الأصل في الوصف باسم التفضيل “أَعْلَمُ” أن تتبعه الباء، لتقوية العامل على العمل فيما بعده. وعلى هذا جاءت آيتا النحل والقلم، وفقًا للأصل في التركيب. وجاء الفعل فيهما “ضلَّ” بلفظ الماضي؛ لأنهما في سياق الإخبار بمَنْ وقع منه الضلال؛ فناسب الفعل الماضي.

أما آية الأنعام فحذفت منها الباء؛ لورود قوله عز وجل: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، واستُعمِلَ الفعل المضارع “يَضِلُّ”؛ لإفادة وقوع الضلال في المستقبل؛ ولتحقيق التناسب التركيبي مع ما تقدم من قوله عز وجل:

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. وكذلك لتحقيق التناسب التركيبي مع ما تلاه من قوله عز وجل: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} ( معجم الفروق الدلالية/ بتصرف)

2- ما الفرق من الناحية البيانية بين (بمن ضلّ) و(من يُضلّ) فى قوله تعالى:(إن ربك هو أعلم من يضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) سورة الأنعام والآية (إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله)(125) سورة النحل؟ / اللمسات البيانية (د.فاضل السامرائى)

(مَن) استفهامية وهي من باب التعليق ومعلّقة والجملة في محل نصب مفعول به لفعل مقدّر.

(بِمَن): موصولة ومعناها هو أعلم بالذي ضلّ عن سبيله.

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)

1- العذاب/ العقاب: إن لفظي “العذاب ـ العقاب” بينهما تقارب دلالي؛ حيث يشتركان في معنى: النَّكال والمجازاة. لكن يتميَّز العقاب بأنَّه قد يكون شديدًا وقد يكون يسيرًا، وأنَّه يُنبئ عن الاستحقاق؛ لأنه لا يكون إلا عَقِبَ الذنوب. بينما يتميز العذاب بملمحين هما: الشدَّة، وكَوْنه عامًّا فيمن يستحقُّه ومَنْ لا يستحقه.( معجم الفروق الدلالية / بتصرف )

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)

1-             قوله {ولا تك في ضيق مما} وفي النمل {ولا تكن} بإثبات النون هذه الكلمة كثر دورها في الكلام فحذف النون منها تخفيفا من غير قياس بل تشبيها بحروف العلة ويأتي ذلك في القرآن في بضع عشرة موضعا تسعة منها بالتاء وثمانية بالياء وموضعان بالنون وموضع بالهمزة وخصت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله {ولم يك من المشركين} والثاني إن هذه الآية نزلت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حين قتل عمه حمزة ومثل به فقال عليه الصلاة والسلام لأفعلن بهم ولأصنعن فأنزل الله تعالى {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} فبالغ في الحذف ليكون ذلك مبالغة في التسلي وجاء في النمل على القياس ولأن الحزن هنا دون الحزن هناك ( أسرار التكرار )

2-              ما اللمسة البيانية في حذف نون (تكن) في قوله تعالى (ولا تك في ضيق مما يمكرون)؟ / اللمسات البيانية(د.فاضل السامرائى)

الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً.

إما إذا كان ما بعده ساكناً فلا يجوز الحذف (لم يكن الرجل) لا يمكن القول لم يك الرجل.

ولا يجوز الحذف أيضاً لو كان ضمير متصل (لم يكن هو) لا يجوز قول لم يك هو.

إذن من حيث الحكم النحوي يجوز حذف النون

أما السبب البياني: على العموم سواء في (يكن) أو في غيرها من الحذوف (تفرّق وتتفرق) (اسطاعوا واستطاعوا) (تنزّل وتتنزّل) في القرآن الكريم يوجد حذوف كثيرة يجمعها أمرين : هل هي في مقام إيجاز وتفصيل أو هل الفعل مكتمل أو غير مكتمل. عندما يأتي بالصيغة كاملة يكون الحذف أتمّ. إذا كان الشيء مكتملاً لا يُقتطع منه وإذا كان غير مكتمل يُقتطع منه.

والآن نستعرض مثالين وردا في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127}) والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70})

آية سورة النحل نزلت على الرسول بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أُحُد فحزن الرسول عليه حزناً شديداً وقال لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين فنزلت الآية تطلب من الرسول أن يعاقب بمثل ما عوقب به وأراد أن يُذهب الحزن من قلبه ولا يبقى فيه من الحزن شيء، وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك ولا تبقي شيئاً منه أبدا أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول فحذفت النون من الفعل. أما في آية سورة النمل فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر والمقام ليس مقام تصبير هنا فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).

*فى إجابة أخرى للدكتور فاضل السامرائى :

في النهي عندما تقول لا تك أي تطلب منه النهي بقوة على أن لا يحصل من الفعل شيء مثال: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127) النحل) هذه الآية معروفة أنها نزلت بعد معركة أُحد عندما مرّ بحمزة وقال والله لأمثلن بسبعين فأنزل الله تعالى الآية (ولا تك) أي إمسح هذا الأمر من نفسك تماماً ولا تفكر به ولا تبقي منه شيئاً وهذا تهوين له إحذف هذا الأمر من نفسك تماماً. قال تعالى في آية أخرى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل) تمشي في الأرض هذا ليس مثل حمزة عم الرسول فلا يكون النهي بتلك المنزلة. هناك طلب أن لا يحصل لتهوين الأمر وتخفيفه عليه. حتى في النفي لما يوغل في حصول النفي بحيث لم يحصل منه شيئاً يقول (تك) قول مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) مريم) أي لم يحصل شيء من هذا، الفعل لم يتم أصلاً، نفي تماماً لم يحصل منه شيء لا مقدمات ولا معقبات ولا بوادر ولا شيء، الأمر برمّته منفي. مع زكريا قال (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) مريم) ليست بمثل تلك نحن لا نعلم عندما كان يدعو هل كانت تأتي كلها مائة بالمائة أم يأتي قسم منها هي ليست مثل تلك. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) النحل) وقال (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) القيامة) هذا في طور التكوين لم يكتمل الفعل، لما قال تعالى على الإنسان (ألم يكن نطفة) ما صار بعد وإنما يحتاج ليلتقي بالبويضة ليصير مضغة، لم يك أي هو قسم فقط لأن النطفة ماء الرجل فقط، لم يكتمل بعد ولا يكتمل إلا إذا التقى البويضة، إذا اكتمل الخلق اكتمل الفعل. (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان) في الأولى قال (تك) بحذف النون وأثبتها في الثانية (فتكن). الأولى لم يذكر لها مكان بينما الثانية ذكر لها مكاناً واستقرّت فاستقرّت النون.

إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved