محمد عزة دروزة
ولكن أهم من سار على نهج سيد قطب وعمق الخط الذي ابتدأه هو سعيد حوى إذ لم يقتصر فقط على وحدة نسق السورة بل بنى بيانه لهذه الوحدة على نظرية شاملة تنطلق من وحدة نسق القرآن كله فقد حرص على ربط معاني كل سورة يفسرها بمطلع سورة سبقتها أو موضوعها أو إحدى آياتها
كما اهتم في السورة الواحدة بإبراز الروابط المعنوية بين المقاصد والموضوعات التي يتتضمنها بعد تقسيمها إلى مجموعات وفقرات ومقاطع وأقسام حسب طول السورة ففي سورة البقرة مثلا يتعرض بعد تفسير كل مقطع إلى ذكر وجه مناسبته لباقي المقاطع ويبين بعد تمام كل قسم اتصاله بالقسم الآخر ومن ذلك قوله ( إن القسم الثاني يكمل القسم الأول ويكمل مقدمة السورة في الدلالة على التقوى أركانا وطريقا واستقامة ومن خلال القسم الأول والثاني نعرف محل أركان الإسلام الخمسة في قضية التقوى فالملاحظ أن مقدمة سورة البقرة ذكرت من أركان الإسلام : الإيمان والصلاة والإنفاق فذكر القسم الثاني من أركان الإسلام الصوم والحج وبعد ذلك يأتي القسم الثالث فيتحدث عن أمر الدخول في الإسلام وفي ذلك كله مظهر من مظاهر وحدة السورة وتكامل معانيها وارتباط بعضها ببعض )
وقد برع في تقسيم مقاطع السورة واستهدى بالمعاني المستقلة مع الاستئناس ببعض الكلمات القرآنية المتكررة في مواضع من السورة حيث اعتبرها علامة لابتداء مقطع جديد وقد أفصح بذلك في تفسيره لسورة الأنعام ( جرينا أن نعتمد مثل هذه العلامات حيث وجدت وساعد المعنى في تحديد بداية المقطع ونهايته ولكن الشيء الأكثر تحديدا والذي يجعلنا نحدد به المقطع أو القسم بشكل دائم بداية ونهاية المعنى ) ومن أمثلة ذلك ما صنعه في سورة ص حيث قسم المقطع الاخير إلى ثلاثة مجموعات كل مجموعة منها تبدأ بقوله تعالى قل : قل إنما أنا منذر .. قل هو نبأ عظيم .. قل ما أسألكم
ونلاحظ أن كلمة قل تكررت في المقطع ثلاث مرات ومن ثم فالمقطع يتألف من ثلاث مجموعات كل مجموعة تسهم في توجيه الإنذار إلى المشركين وإقامة الحجة عليهم ضمن سياق السورة وبما يخدم محورها .
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved