موسى غريباً مهاجراً

( موسى غريبا مهاجرا )

وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)

ما موضوع هذا المقطع، وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما هي المعاني التي تنتهي إليها هذه الأحداث؟

هذا المقطع في غاية العجب فقد بدأ بحكاية قصة موسى شريدا طريدا هائما على وجهه يسأل الله أن يهديه سواء السبيل، ويسأل الله أي شيء من خيره، بعد أن كان قد نشأ في القصور، وينتهي به معافى مؤويا في مدين، قد امتن الله عليه بالزوجة والرزق والمأوى.

خط طويل من الرعاية والةجيه ومن التلقي والتجريب، قبل النداء وقبل التكليف، لتمتد تجربة الرعاية والحب والتدليل، والاندفاع تحت الضغط، والندم والاستغفار، والخوف والمطاردة والفزع، لتستمر إلى الغربة والوحدة والجوع، ثم الخدمة ورعاية الغنم، وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من شتى التجارب الصغيرة، والمشاعر المتباينة ،والخوارج والخواطر، والإدراك والمعرفة.

وكل هذا استمرار لبيان أن الله وحده بيده الأمر كله وأنه يدبر الأمر وحده، وأن عاقبة بيده وحده يجعلها للمتقين، فستكون لموسى عليه السلام لأنه جعل التوقى رفيقه في رحلته كلها.

الرسالة تكليف ضخم شاق متعدد الجوانب والتبعات، يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة والتذوق في واقع الحياة العملي، إلى جانب هبة الله اللدنية، ولها تكاليفها من المشقة والتجرد والشظف أحيانا، فشاءت قدرة الله أن تنقل خطى مسى مما اعتادته نفسه في حياة القصور إلى المعاناة في الحياة الواقعية.

وفيها من المعاني:

1-      دوام سؤال الله الهدى: فموسى استمر في دعاء الله الهدى فهداه الله سواء البيل حسا ومعنى.

2-      الهدى قرين الصدق: فمن بذل جهده وسأل الله بصدق أن يهديه، هداه ودله على ما ينفعه وينجيه.

3-      أحوج الناس للهدى الدعاة إلى الله: لأنهم يتكلمون في العلم فمن كانت هذه حاله عليه أن يستهدي ربه ويسأله بلوغ الصواب، والله لن يخيب من كانت هذه حاله.

4-      الأصل في المرأة القرار في البيت وعدم الخروج إلا للحاجة، فإن خرجت فلا يكون تعاملها مع الرجال إلا بقدر الحاجة، ووفق الضوابط الشرعية، كما بينته قصة موسى عليه السلام.

5-      المبادرة إلى عمل الخير: والإحسان إلى الخلق ، من يعرف منهم أو لا يعرف، كما هو حال موسى حيث بادر إلى سقي غنم المرأتين فجزاه الله خيرا على ما قدم.

6-      عدم طلب الأجر على الإحسان: فقد شكى موسى حاله إلى ربه ولم يطلب جزاء سقيه رغم حاجته.

7-      دعاء العبادة أعظم من دعاء المسألة: فموسى أظهر فقره ولم يصرح بحاجته فقال ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) فكم كانت قريبة منه إجابة الله له ( فجاءته ) والفاء يدل على التعقيب والقرب، وقد حصل له كل ما يطلب.

8-      اقتصار الافتقار على الله: فعلى العبد أن يستشعر افتقاره إلى ربه وحده، ويستغني عن سؤال ما في أيدي الناس، وعلى ذلك بايع النبي صلى الله عليه وسلم صحابته كما في حديث جابر.

9-      استحضار ما لقيه الأنبياء والصالحون من الضيق والأهوال في سجن الدنيا، صونا لهم منها وإكراما من ربهم عنها، رفعة لدرجاتهم عنده، واستهانة لها وإن ظنه الجاهل المغرور على غير ذلك.

10- مكافأة صاحب المعروف: لا سيما من استفرغ جهده.

11- تسكين روع الخائف: سنة مستحبة

12- استحباب تقديم المشورة: كما أشارت الابنة الصالحة على أبيها باستئجار موسى.

13- المؤمن كيس فظن: يأخذ من الجزئيات ما يدله على الكليات، ومن الأفعال ما يدله على الصفات: كما انتبهت المرأة من سقي موسى لهما عفته واتصافه بالقوة والأمانة.

14- جواز خروج المرأة عند الحاجة إن أمنت الفتنة، وجواز محادثتها للرجال في الحاجة إذا أمنت الفتنة، وجواز عملها خرج بيتها إن وجدت الحاجة وانضبط العمل بالضوابط الشرعية.

15- مشروعية عرض الولي موليته على من يتزوجها إذا كان كفؤا.

16- جواز أن يكون الصداق عملا، وأن يكون مؤخرا أو مقسطا إن كان ذلك برضا الطرفين.

17- حواز أخذ العوض على العمل ولو لم يقصده الإنسان.

18- معيارة الأهلية للولاية القوة والأمانة.

19- اشتراط الولي في النكاح وليس للمرأة إنكاح نفسها.

20- تهيأة الله لموسى برعي الغنم ليتهيأ لمهمة الرسالة وقيادة بني إسرائيل، وما من نبي إلا ورعى الغنم.

21- الرفق بالأجير من سيما الصالحين: كما جرى من الرجل الصالح

22- على العامل أن يوفي حق صاحب العمل حسب العقد، وأن يزيد عليه إن لم يشق عليه.

ما معنى اضمم جناحك من الرهب؟

قيل فيها أقوال عديدة على كل منها مأخذ، والذي يظهر أن المراد بهذه العبارة التمثيل بحال الطائر الذي يطير خوفا، ويكون المعنى: انكفف عن التخوف من أمر الرسالة.