مفاتح الرحمة في سورة فاطر
مفاتح الرحمة في سورة فاطر
ما هي الأسماء الواردة فيها ؟
سميت «سورة فاطر» في كثير من المصاحف في المشرق والمغرب وفي كثير من التفاسير. وسميت في «صحيح البخاري» وفي «سنن الترمذي» وفي كثير من المصاحف والتفاسير «سورة الملائكة» لا غير. وقد ذكر لها كلا الاسمين صاحب «الإتقان» .
مكان نزولها؟
مكية بالاتفاق، وهذا واضح من طبيعة السياق فيها، وبسبب موضوعاتها المتعلقة بالعقيدة.
كم عدد آياتها ؟
عدت آيها في عد أهل المدينة والشام ستا وأربعين، وفي عد أهل مكة والكوفة خمسا وأربعين.
هل ثبت شيء في فضلها ؟
لم يثبت فيها شيء.
ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟
الذي ظهر لنا بالتأمل أن مقصد السورة موجود في أول آيتين في السورة، وهاتان الآيتان جاءتا لترسيخ فكرة معينة، لتكون عقيدة، ومن هذه الفكرة التي تشكل إحدى لبنات بناء العقيدة، تنبثق معاني السورة كلها، وهي متعلقة بهذا المعنى.
فالآية الأولى تهدف إلى إثبات معنيين:
الأول: أن الله فاطر السموات والأرض
الثاني: أنه يزيد في الخلق ما يشاء
وعلى هذين المعنيين تم بناء المعنى الذي في الآية الثانية وهو:
أن مفاتح الرحمة بيد الله وحده، فإن فتحها فلا يوجد من يستطيع أن يغلقها، وإن أغلقها فلا أحد يستطيع أن يفتحها، وهذا هو مقصد السورة فيما يظهر والله أعلم وبناء عليها تتابعت المعاني على طول السورة، وسيأتي لاحقا بناء كل معنى من هذا المعاني في السورة على هذا المعنى وكيف ارتبط به.
المناسبة بين اسم السورة وهذا المعنى:
المناسبة واضحة اسم السورة وهذا المعنى، فللسورة اسمين: فاطر والملائكة، والملائكة جاءت هنا للاستشهاد على معنى الزيادة في الخلق كما سيأتي، فعلى هاتين الفكرتين تم بناء فكرة مفاتح الرحمة كما ذكرنا، ومنها تفرعت كافة المعاني فيها.
ما هي أهمية مقصد السورة – أي كون مفاتح الرحمة في يد الله وحده – حتى تبنى عليه سورة كاملة؟
من المعلوم أن القرآن لم ينزل ليخاطب عقل الإنسان فحسب، بل نزل ليخاطب الإنسان ككل، فهو لم يأتي كمجرد معلومات مجردة، ولو كان ذلك لاكتفى ببعض المعلومات المجردة: وحدانية الله وأركان الإيمان وما يجب فعله وما يجب اجتنابه، إلا أن القرآن نزل ليخاطب قلوبا قبل لكل شيء، ومن هنا يأتي القرآن ليعالج المعاني مبسوطة وليثبتها في القلوب.
إذا ترسخ مثل هذا المعنى في قلب العبد توجه بكليته إلى الله وامتلأت نفسه بالرغباء إليه، وهذا الأمر وهو عمارة القلوب بالله هو أهم وأعلى مقصد من مقاصد القرآن، فيصبح العبد لا هم له إلا التوجه إلى الله بالحمد على ما أعطى وأنعم، والتوجه إليه إذا أراد شيئا فقد رسخ في قلبه أن الله وحده بيده مفاتح الرحمة يمسك ما يشاء ويفتح لمن يشاء.
وهي تجعل العبد يعيش في حياته مطمئنا، لأنه علم علما جازما أن الأمر كله بيد الله، فلا سلطة ولا قوة لأحد في الكون عليه إلا الله فحسب.
وكل السورة وكل المعاني التي جاءت فيها إنما جاءت لترسيخ هذه الفكرة في قلب العبد، فالذي ينبغي على العبد أن يستحضر هذه الفكرة كلما قرأ هذه السورة وأن يربط بين معاني السورة وبين هذا المعنى الذي تنبع منه وتأتي لتؤكده وتثبته في قلب العبد.
ولا بد للإنسان من ما يذكره بهذه الحقيقة دائما كل يوم حتى لا يغفل عنها ويذهل عنها.
خاصة مع وجود أمرين:
الأول: الحياة الدنيا وزحمة الحياة وما تأتي به على الإنسان من هموم ومصائب قد تشغل باله وتصرفه عن هذه الحقيقة الخالدة، أو مع كثرة تداول النعم ووصولها لأيدي الناس فتلهي الإنسان عن الخالق الأول، فيذهب قلبه يمينا وشمالا، فتأتي مثل هذه الآيات لتعيده إلى الطريق القويم.
الثاني: وجود من يزين له سوء عمله ويمكر به السيئات من شياطين الإنس والجن، الغرور والأفاكين، فتأتي هذه السورة لتعيد عقيدة الإنسان إلى مكانها السليم الصحيح.
وهذه الرحمة تصل للإنسان حتى لو كان في أضيق الأماكن مهما كانت، وقد تصل السعادة إلى قلب الفقير المحتاج ويحرم منها الغني.
والذي يظهر أيضا أن هذه السورة نزلت في وقت كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم يشعر الحزن والأسى والحسرة على قومه وعلى ما لاقاه منهم من تكذيب، فجاءت هذه الآيات أيضا لتعالج هذه الحالة عند النبي صلى الله عليه وسلم، ولتنبهنا إلى أن علاج مثل هذه الحالة التي قد تصيب الدعاة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم هي في ترسيخ هذا المعنى في نفوس الدعاة، فإذا علموا أن المفاتح بيد الله وحده، هان عليهم ما يلاقونه من تكذيب – فلو شاء لآمن بهم الناس كلهم -، وهان عليهم تكذيب قومهم إذ لو شاء الله لهداهم.
وهكذا يتأكد الحاجة إلى هذا المعنى خاصة في مثل هذه الأحوال المشابهة للحالة التي نزلت فيها السورة.
كما أن في السورة ملمحا مهما لأولئك الأتباع الذين لا يكفون عن المضي خلف رؤسائهم وكبرائهم في الباطل، والسورة تلفت نظرنا إلى علاج هذه الحالة وهو زيادة وتعميق الوعي بهذا المعنى في قلوب هؤلاء، ولو ثبت هذا المعنى في نفوسهم لكفوا عن اتباع ساداتهم وكبراءهم.
ومثل هذه المعاني لا يقدر قدرها إلا من يحتاجها
تناوب المعاني في السورة:
المتأمل في هذه السورة يلاحظ أمرا رأيته في سورة أخرى مكية، وهو ( تناوب المعاني )، أي أنك تجد المعنى لا يلبث أن يغيب قليلا حتى يعود ليشرق مرة أخرى في شكل آخر وفي مكان آخر قريب من السورة، بحيث أن لو رددته إلى الصورة السابقة لوجدتها قريبة جدا، ولو أنك قلت أن هذه الفروع جميعها تنسحب للوراء رويدا رويدا حتى تعود إلى جذرها الأول لما كان ذلك بعيدا، وسيأتي ذلك وبيانه في أثناء الحديث عن مقاطع السورة وسنحاول أن نرد كل معنى إلى ما سبقه من المعاني في السورة.
المناسبة بين سورة سبأ وسورة فاطر:
قلنا أن سورة سبأ تحدثت عن الاستضعاف المادي للمسلمين في حالة الاستضعاف، ثم تأتي هذه السورة لتتمم هذا المعنى، ولتخبر هؤلاء المسلمين المستضعفين الذين أعيتهم حالهم، أن مفاتح الرحمة كلها بيد الله وحده فلو شاء لفتحها عليكم، وإن لم يشأ لم يفتحها أحد غيره، إلا أن الرحمة هنا تتمدد وتتوسع لتشمل الوحي والهدى إضافة إلى الرزق المادي البحت كما ستدل عليه السورة على طولها.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved