( الصوارف )

( الصوارف )

يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)

ما هو موضوع هذه الآية وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما هي مناسبته لما قبله من الكلام؟

هذا هو النداء الثاني للناس في القرآن، يؤكد لهم أن وعد الله حق، وهذا في غاية المناسبة لختام الآية التي قبلها، فإن الله وعدهم أنهم إليه راجعون ( وإلى الله ترجع الأمور )، وهذا هو وعده الحق الذي لا ينبغي أن يغيب عن بال إنسان.

ثم إنه ذكر بعدها ما يصرف عن مقصد السورة ألا وهو وجود مفاتح الرحمة بيد الله وحده، فالإنسان قد ينشغل بهذه الحياة وبما يراه فيها، ويغره الشيطان فينصرف ذهنه عن هذا المعنى المهم وينشغل بالدنيا بوسوسة إبليس له وتغريره إياه، فينسى أن المفاتح بيد الله وحده، فم تتابعت الآيات لتؤكد للناس أن الشيطان هو العدو، وطالما أنه العدو يجب عليهم أن يعادوه، وأن يخالفوا أمره،وأن يحذروا جانبه، وما ذلك إلا لأنه ليس له إلا شغل واحد ألا وهو قيادة أتباعه إلى النار.

ثم مضت الآيات تفصل في حال الناس أمام هذه الدعوة وهذا الغرور وكيف انقسم الناس فيها إلى قسمين:

الأول: أصحاب السعير فهم الذين كفروا، ولهم عذاب شديد.

الثاني: هم المؤمنون الصالحون، أصحاب المغفرة والأجر الكبير، وهذه من عادات القرآن أنه لا يأتي غالبا بوصف إلا جاء بمقابله وبضدها تتميز الأشياء.

ثم عادت الآيات مرة أخرى إلى الحديث عن الشيطان وغروره وتزيينه للناس أعمالهم، وجاءت فاء التفريع هنا في قوله ( أفمن ) لتربط الكلام بما تقدم، جاء الحديث عن تزيين أعمال الناس فيرونها حسنة وهي ليست كذلك، ثم لتنتهي الآيات إلى باب مهم جدا من أبواب الرحمة التي لا يملك مفاتحها إلا الله، وهو باب الهدى، فإذا تيقن الداعية هذا المعنى ورسخ في قلبه، تخلص من حزنه عليهم، أو حرصه الزائد على هدايتهم إلى درجة أن يهلك نفسه لأجلهم، فهو يعلم أن مفاتح رحمة الهداية إنما هي بيد الله وحده فاطر الخلق وصاحب الزيادة فيه.

الآية قسمت الناس إلى قسمين طرفين فأين ما بينهما من المراتب؟

من بديع القرآن أنه يختصر المعاني فأشارت الآي إلى طرفين في الضلال والاتداء وطوت ما بينها من المراتب وتركت ذكرها ليتدبر القارئ فيها ويلحق ما بين ذلك من المراتب لمن أشبه أحواله من هذين الفريقين.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله تعالى ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات )؟

هذه الجملة فيها معنى ظاهر وهو: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن عليهم بسبب عدم استجابتهم لدعوته، وهذا الاعتقاد ثمرة من ثمرات اليقين بأن مفاتح الرحمة بيد الله وحده والهدى باب من أبواب هذه الرحمة.

وفيها معنى باطن موجه للذين كفروا: وهو تنبيههم إلى أن هذه النصيحة إنما هي من نفس صادقة معهم حريصة عليهم كل الحرص فالأولى بهم أن يتبعوه ويسمعوا هديه.

ما مناسبة جمع الحسرات؟

جمع الحسرات مع أنه كان يمكن استبدال اسم الجنس فيقال ( فلا تذهب نفسك حسرة ) للدلالة على تكرار الأفراد فصدا للتنبيه على إرادة أفراد كثيرة من جنس الحسرة لأن تلف النفس يكون عنده تعاقب الحسرات الواحدة تلو الأخرى.

ما دلالة الإتيان بفعل الصنع بدل العمل؟

قال تعالى بما يصنعون ولم يقل بما يعملون للدلالة أنه أنهم يبذلون جهدا في تدبير مكائد للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون هذا تنبيها على أنهم ليسوا بأهل للحسرة عليهم مع إصرارهم ومعالجتهم للأذى والكيد.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها وضع ضمير الفصل في قوله ( هو يبور )؟

جيء بضمير الفصل هنا للدلالة لى القصر، أي أن مكرهم يبور دون غيره، وهذا فيه إشارة إلى أن هناك مكرا غير مكرهم ولن يبور، وهو مكر الله بهم.

ما هي المعاني التي ينتهي لها استعمال كلمة لكم؟

هذه الكلمة تأتي لتنبه الناس إلى أنهم هم هدف الشيطان، وأن الشيطان قاعد لهم في طريقهم، يستهدفهم هم بأنفسهم، منتبه لهم، يدرس كل واحد منهم دراسة عميقة متأنية من أي الأبواب يمكن أن يأتيه.

ما هي المعاني التي ينتهي لها استعمال كلمة فاتخذوه؟

هذه الكلمة تشير إلى التكلف والتصنع، فمن كانت هذه حاله حري بأن نتكلف عداوته وأن ننتبه له ولأساليبه في المكر والصد.

ما هي المعاني التي ينتهي لها استعمال كلمة يدعو؟

فيها الإشارة إلى أن كيد إبليس لن يتعدى الوسوسة والتزيين،

ما هي مناسبة ذكر المغفرة والأجر في جزاء أهل الإيمان؟

فيها إشارة إلى أن أهل الإيمان ولو ظهر منهم بعض انحراف واتباع للشيطان، فإن مثل هذا يغفره الله ويتجاوز عنه، ثم إن له زيادة وهي الأجر العظيم عطية من الله جزاء عمله الصالح.