(توجيهات للمؤمنين)
(توجيهات للمؤمنين)
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة، وما هي مناسبته لما قبله؟
في هذا المقطع توجيهات ربانية للمؤمنين، فبعد أن حكت الآيات عظيم الخلق وموقف المستكبرين منها، ثم ذكرت منة الله على عباده في تذليل الخلق لهم جاءت الأوامر والتوجيهات هنا لعباده، وهذا أدعى لقبولها فالأمر عندما يكون من ملك عظيم ذو سلطان وقوة، يعذب المستكبرين عن أوامره، ويقدم لمربوبيه كل ما يحتاجونه من ملكه لينتفعوا به، صار الأمر أشد خطرا وأنسب للاهتمام والانتباه.
وناسبت هذه الأوامر بالصفح والعفو ما قبلها من ذكر التذليل والتسخير، فكأنه ما سبق منة لأصحاب الخطاب وتذكير لهم، بعد الوعظ والوعيد لأضدادهم في المقطعين الأوليين، وهذا في حالة ضعف المؤمنين وعدم امتلاك أسباب قدرة دفع صولة المستكبرين عليهم، فالآيات مكية كما ذكرنا بداية وتنسحب على كل موضع فيه ما كان في مكة من ضعف وعوز.
ولما كان الأمر بالعفو والصفح يحتاج بعده إلى مواساة وتشجيع، عقب في الآية بعدها بالتصبير والتعليل، فصبر المؤمنين وعلل لهم سبب أمره جل وعلى بالمغفرة للمستكبرين، ألا وهو أن هؤلاء المستكبرين لا يعلمون ما ينتظرهم من الأحداث العظام سواء في الدنيا بتمكين المؤمنين منهم بعد مدة، أو في الآخرة يوم يقومون أذلاء مقهورين بين يدي العزيز الجبار.
وهذا المقطع القوي، يصل قلب المؤمن بقلب هذا الوجود، ويشعره بمصدر القوة الحقيقي وهو الاهتداء إلى أسرار ومعاني هذه الحياة وهذا الكون، ما يثمر في نفوسهم رفعة وسعة في الأفق، ورحابة في الصدر في مواجهة هؤلاء الضعاف العاجزين في حقيقتهم والمحجوبين عن هذا اليقين وهذه القوة.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved