اختصاص المؤمنين بالفلاح في سورة المؤمنون
اختصاص المؤمنين بالفلاح في سورة المؤمنون
ما هي الأسماء الواردة فيها ؟
سورة المؤمنين أو المؤمنون على سبيل الحكاية وقد جرت الألسن على تسميتها بقد أفلح، ولا يعرف لها اسم غيره.
مكان نزولها؟
مكية باتفاق.
كم عدد آياتها ؟
آياتها مائة وسبع عشرة في عد الجمهور. وعدها أهل الكوفة مائة وثمان عشرة، فالجمهور عدوا ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) آية، وأهل الكوفة عدوا ( أولئك هم الوارثون ) آية وما بعدها آية أخرى
هل ثبت شيء في فضلها ؟
لم يثبت في فضلها شيء.
ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟
ابتدأت السورة بإثبات الفلاح للمؤمنين ( قد أفلح المؤمنون ) واختتمت بنفي الفلاح عن الكافرين ( إنه لا يفلح الكافرون )، وهذا من أوضح القرائن والإشارات إلى ما اخترناه من مقصد للسورة ( لا فلاح إلا بالإيمان ) فهذه العبارة تجمع بين أمرين:
الأول إثبات الفلاح للمؤمنين ( قد أفلح المؤمنون )
الثاني نفيه عن غيرهم ( إنه لا يفلح الكافرون )
وهذا يقتضي حصر الفلاح والفوز بأهل الإيمان ونفيه عمن سواهم من أهل الكفران.
وهذا عين ما ذهب إليه البقاعي رحمه الله في نظم الدرر حين قال: ( مقصودها اختصاص المؤمنين بالفلاح، واسمها واضح الدلالة على ذلك )، وهذا أحسن ما قيل في موضوعها، ومن ثم جاءت المعاني التالية تدور في فلك هذا المعنى، وسيأتي بيان ذلك.
أما قول مؤلفي كتاب التفسير الموضوعي إصدار جامعة الشارقة ( هذه السورة تدور آياتها حول الوحدانية، وإبطال الشرك ونقض قواعده والتنويه بالإيمان وشرائعه، فصفات المؤمنين ودلائل الإيمان في الأنفس والآفاق وإرسال الرسل تترا وموقف أقوامهم منهم، والتوجيهات الربانية لرسوله صلى الله عليه وسلم وما ذكر من بعض اللقطات من مشاهد يوم القيامة كل ذلك يثبت وحدانية الله ويبطل الشرك لذا عقب في نهاية السورة بتقرير التوحيد المطلق والتوجه إلى الله وحده بطلب المغفرة والرحمة ) فلا يصلح أن يكون مقصدا محددا للسورة، بل هو تعداد لمواضيعها كما يفعل الطاهر في كتابه دائما في بداية الحديث عن السور، إذ أن من سمات المقصد أن يكون واضحا متميزا عن غيره من المقاصد في السور، ومن هنا كان لا بد للمتأمل في المقاصد أن يبحث عن مقصد يميز السورة عن غيرها، وإلا لما كان لهذا المقصد معنى من الأساس، ومثل هذا الكلام قد ينطبق على كثير من السور في القرآن فلا يصلح أن يكون مقصدا لسورة بعينها، ناهيك عن جمعهم لعدة معان في كلامهم هذا ولا بد للمقصد أن يكون معنى واحدا محددا لا عدة مواضيع، وكلامهم هذا أقرب إلى سرد مواضيع السورة منه إلى تعيين مقصدها.
ومثل ما سبق يقال في قول الشيخ حسن حبنكة الميداني في كتابه دقائق التدبر ( ظهر لي أن بؤرة موضوع هذه السورة بيان الغرض من خلق الإنسان مع وصف بعض مراحل خلقه ومسيرته في رحلته الأبدية باختياره الحر إلى سعادته أو شقاوته ومعلوم أن الغاية من خلقه ابتلاؤه في ظروف الحياة ثم مجازاته يوم الدين يوم الخلود الأبدي )
وقد ذهب الشيخ عبد الحميد طهماز إلى أن السورة ( اهتمت بإبراز حكمة خلق الإنسان وبيان أنه لا ينتهي بالموت إذ ينتقل بالموت من الدنيا إلى البرزخ الذي يفصله عن الآخرة ثم يبعثه الله تعالى يوم القيامة إلى الخلود في النعيم أو في الجحيم ) ويقال فيه ما يقال في سابقه من الأقوال.
وقد ذهب الشيخ سعيد حوى إلى أن مقصد السورة هو ( سورة الإيمان بكل قضاياه ودلائله وصفاته وهو موضوع السورة ومحورها الأصيل ) وهو عين ما ذهب إليه سيد قطب رحمه الله في كتابه الظلال وهو مختصر لما ذهب إليه من سبق وقد نقلنا عنهم، إلا أنه قد فات الشيخ – تقبله الله – أن يربط بين الإيمان والفلاح فقد تكلم عن النصف الأول من مقصد السورة وهو ( الإيمان ) وفاته موضوع الاقتران بالفلاح وهو ما ميز هذه السورة عن غيرها وأفردها.
وأقرب ما وجدناه بعد كلام البقاعي ما قاله أصحاب المختصر في التفسير ( محورها قضية الإيمان وحقيقته وثماره وعواقب مخالفته وذم الكافرين، ولذلك افتتحت بفلاح المؤمنين وعدم فلاح الكافرين ) وهو وإن كان أقصر من سابقيه إلا أنه يشكل مجموعة مقاصد وليس مقصدا واحدا متميزا.
ويبقى هنا الأمر في البحث عن ترابط المقاطع مع بعضها وكيف سارت المعاني بين العبارتين ( قد أفلح المؤمنون ) في أول السورة، و( إنه لا يفلح الكافرون ) في آخرها خادمة لهذا المعنى ومبينة له على نسق خاص وهذا ما سيأتي بيانه مفصلا، وفي العموم يمكن القول أن السورة هذه تحمل الرسالة التالية:
ما لكم لا تؤمنون وقد علمتم أن الفلاح خاص بأهل الإيمان؟
ما لكم لا تؤمنون وقد علمتم أني أنا الخالق المدبر، وقد رأيتم مصارع الأقوام المكذبين من قولكم من لدن نوح إلى عيسى مرورا بمن بينهما من الرسل والقرون، ألا ترون أنهم قد احتجوا بنفس حججكم في التكذيب وأنها حجج باطلة كلها، أم تظنون أن ما أعطيناكموه من العطايا الدنيوية من إكرامنا لكم، كلا، فإن الكرامة للمؤمنين، ونحن حافظوهم كما حفظنا عيسى وأمه على الرغم من ضعفهم وحاجتهم، وكما أنجينا نوحا رغم الكرب العظيم، واذكروا يوم وزن الأعمال يوم تسألون الرجعة فلا تجابون وهلموا إلى التوحيد الحق، وآمنوا فإن الإيمان خاص بأهل الإيمان مع تقصيرهم، لا يناله غيرهم.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved