قدرة الله وحفظه للكون
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
ظاهر الكلام في هذه السورة في الحديث عن قدرة الله وخلقه، وخصت الآيات بالحديث عن خلق السموات والأرض والرياح والمطر ثم عن البعث، وهذا الموضوع يكاد يتكرر في كل سورة إلا أن ربطه في كل مرة بمقصد السورة يعطيه طعما آخر وبعدا آخر، كما أن هذا الربط لا يكون إلا بمناسبات ظاهرة في سياق الحديث لمقصد السورة، فإنك لو تأملت العناصر الرئيسة في الكلام لوجدت هذا كما سيأتي بيانه.
ما هي مواضع مناسبة المقطع للمقصد؟
فبعد أن انتهى المقطع السابق بالحديث عن عروجهم في السماء افتتح هذا المقطع بالحديث عن السماء أيضا ليناسب ما قبله، ثم كان الحديث عن حفظ السماء ( وحفظناها ) بهذه النجوم التي زينها بها أيضا، ثم عن حفظ الأرض ( وألقينا فيها رواسي ) ثم عن حفظ النظام الذي فيها ( وأنبتنا فيها من كل شيء موزون )، ثم عن حفظ الخلق كلهم بالرزق والحياطة: الناس أولا ( وجعلنا لكم فيها معايش ) وباقي الخلق ممن لا اعتماد له في حياته على الإنسان ( ومن لستم له برازقين )، ثم عن حفظ كل شيء في الخزائن والخزانة هي ما تحفظ به الأشياء ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ) وتأمل لفظة كل شيء جيدا لتعلم مقدار العظمة والكبرياء، ثم حفظ بقية الخلق ممن يحتاج إلى هذه الأشياء المخزونة وذلك بإنزالها بأقدار مناسبة لا طاغية فتهلك ولا ناقصة فتحيج ( وما ننزله إلا بقدر معلوم ) وإن كان المطر هو أول ما يتبادر لذهن القارئ حين سماع هذه الآيات إلا أنها ليست قاصرة عليها وإن كان المطر مثالا واضحا جليا يحمل هذا المعنى بشكل واضح، وربما كانت هذه هي مناسبة التعقيب بذكر المطر بعد هذه الآية.
ما مناسبة تذييل المقطع بالحديث عن القدرة والعلم والبعث؟
انتقل الحديث بعدها إلى ذكر القدرة والعلم والبعث في ثلاث آيات، وهذه الأمور من أكبر الدلائل والآيات على القدرة ونفاذ الأمر، ولهذا ختم الحديث بها بعد الكلام عن القدرة في السموات والأرض، وكأن الآيات تقول للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، ولمن حمل لواء الرسالة بعدهم: إذا كنت أنا القادر المتصرف في الإماتة والإحياء عالما بمن كان ومن سيكون، قادرا على إعادتهم جميعا بعد أن تأتي عليهم السنون والأيام، أفلا أكون قادرا على حفظ ديني وأوليائي، فلا يغرنكم ضعفكم ولا قلة عدوكم وامضوا فإني حافظكم ودعوتكم.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved