دعوة للاستجابة والإيمان
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)
يبدو هذا المقطع وكأنه دعوة وحوار لكفار قريش باعتبارهم ( لم يستجيبوا ) وباعتبار ( أكثرهم لا يؤمنون ) كما وصفتهم الآية الأولى في السورة، وقد تنوعت المواضيع التي عالجتها السورة كما سنعرض لمناسبة مواضيعها
ما مناسبة الآيات الثلاث التي ابتدأ بها المقطع لمقصده؟
يبتدأ المقطع ههنا بجملة مطابقة لجملة سابقة في السورة، ومناسبة إعادتها هي: استكمال ما بقي من الحديث عن هذا الأمر المهم وهو ( سؤالهم الآيات رغم وجود القرآن بين أظهرهم نازل بلغتهم ) بعد أن فصل في أمور ومواضيع يقتضيها المقام، فعاد إليها بعد الاستطراد ليكمل الغرض ويتفرغ لشرحه كما سبق، وأبرز هذه الأغراض هو ( التنويه بالقرآن ) كما سيأتي في آية لاحقة، ومناسبتها لما سبق هو اغترارهم بما بسط لهم من الرزق، وظنوا استغنائهم، فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم آية من ربه، والآيات إنما يتلوها الهلاك، فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنهم، ثم أتى الجواب مفصلا في الآية التالية.
وجمعت هذه الطائفة من الآيات ثلاثة معان مهمة جدا ( الإيمان، والاطمئنان، وعمل الصالحات ) فتأمل الارتباط بينها، وتعبير ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ) قوي نافذ حقا، فالمرء الذي يذكر الله دائما تخشع جوارحه ويصغر في نسفه كل ما عدا الله ويهون عنده كل ما يكون فيه من مصاعب وتطمئن نفسه ويهدأ قلبه.
ما هي مناسبة الآية ( وكذلك أرسلناك في أمة .. ) لما قبلها وبعدها ولمقصد المقطع؟
جاء الجواب عن قولهم ( لوا أنزل عليه آية من ربه ) مفصلا في هذه الآية، والمشار إليه في قوله كذلك هو عين الإرسال فكأنه من وضوحه يبين بنفسه والمعنى: مثل الإرسال البين أرسلناك، أو أن المعنى : كما أرسلنا من قبلك رسلا أرسلناك في أمة قد خلت .. إلخ، وبينت هذه الآية غاية الإرسال وهي: ( لتتلو عليهم ) فكأنها تقول للمشركين: أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم ليست الإتيان بالآيات، وأنه إذ لم يأت بآية فلا ينقض هذا دعوى صدقه، فإنه إنما أرسل ليتلو عليهم القرآن، القرآن الذي هو أعظم آية لمن أراد الهدى، وهذا تمهيد لما سيأتي في الآية التالية للحديث عن القرآن.
وعلى الرغم من أن القرآن يتنزل بينهم، إلا أنهم لا زالوا ( يكفرون بالرحمن ) مستمرين في إعراضهم وتكذيبهم، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يستمر على ما عليه من الهدى ويتمسك به.
ما هي مناسبة الآية ( ولو أن قرآنا .. ) لما قبلها وبعدها ولمقصد المقطع؟
مهدت الآية السابقة لذلك كما سبقت الإشارة إليه، وهي تصب في نفس الغرض وهو: بيان أن المشركين إنما أشركوا معاندين وأنهم لو أرادوا الهداية لاهتدوا بهذه الآية، القرآن، الذي لو أن كتابا سابقا من الكتب التي جاءت للأمم السابقة احتوى على أكثر من ( الهداية ) لكان هذا القرآن، ولكن لما كانت الكتب السابقة كلها حاوية على الهدى ولم يكن مطلوبا منها الإتيان بالخوارق والآيات كما تطلبون، فكذلك ليس مطلوبا من القرآن أن يأتي بغير ما أتت به الكتب السابقة.
وفي الآية تهديد شديد ووعيد لهم بعذاب الدنيا بين يدي عذاب الآخرة، وهذا التهديد أيضا واضح في الآية الأخرى ( ولقد استهزئ برسل .. ) لهم إن لم يستجيبوا أن يصيبهم ما أصاب الذين من قبلهم، وتأكيد على أن طلبهم للآيات إنما هو من قبيل الاستهزاء لا من قبيل طلب الهداية.
ما هي مناسبة الآية ( أفمن هو قائم .. ) لما قبلها وبعدها ولمقصد المقطع؟
هذه الآية تفريغ على قوله تعالى ( وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي ) أي على الحديث عن الإيمان بالله ربا وما يقتضيه ذلك من التوكل عليه والإنابة إليه، ففصلت هذه الآية في هذه الجزئية بعد الذكر المجمل، ولهذه الآية ارتباط بالآيتين التين تلتاها، فإن قوله ومن يضلل الله فما له من هاد، يثير تساؤلا لدى السامع عن جزاء هذا الضلال وهذا المكر الذي فعلوه، فجاءت الآية الثانية لتبين جزاءهم وجاءت التي بعدها لتبين الجزاء المقابل، جزاء أهل التقوى، كما ذيلت الآية ببيان قوله ( ولهم سوء الدار ) وأن ( عقبى الكافرين النار ).
ما هي مناسبة الآية ( والذين آتيناهم الكتاب .. ) وما بعدها لمقصد المقطع؟
تأتي هذه الآيات في موضوع الحوار والنقاش مع المشركين ليستجيبوا لهذا القرآن، ، فهي تحكي للمشركين إيمان بعض أهل الكتاب، وكأنها تقول لهم : ألم تروا إلى بعض أهل الكتاب وقد آمنوا بالقرآن وكان الأولى بكن أن تؤمنوا به أنتم، وقد أنزل بلسانكم، وفيها أيضا توجه لأهل الكتاب ودعوة لهم للإيمان به، وذلك في حكاية إنكار أكثرهم له ووصفهم بالأحزاب، وفيها أيضا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم – ولأتباعه من بعده – بالثبات والاستمرار على التوحيد والإيمان، ثم تحذر النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع أهوائهم في سؤالهم للآيات، وتنهاه عن السعي في إجابة طلبهم في إنزال آية، وذلك في قوله ( ولئن اتبعت أهواءهم ).
وتأتي الآيات التي بعدها لتدور حول نفس المعنى وهو ( النهي عن طلب الآيات )، فبينت أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو استمرار لمن قبله من الرسل ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك )، وأنه – كما هم – مجرد بشر مبلغون عن الله، بدليل ما عنده وعندهم من أولاد وأزواج ( وجعلنا لهم أزواجا وذرية ) وهذه هي مناسبة ذكر هذه الجملة هنا وهو ( التأكيد على بشريتهم )، فكما لم يكن لهم أن يسألوا الله الآيات لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وأما إهلاك الكافرين فإنه آت في وقت يحدده الله وحده، فإنه كتب أوان الحوادث كلها، وهو الذي يثبت ويمحو ويغير الأقدار ويدبرها إلى نهاياتها.
ثم ختمت هذه الطائفة بآية في نفس السياق لو أن قلوب بعض الدعاة امتلأت بها، لتغيرت أحوالهم إلى الرحمة بالمسلمين في حال لم يستجيبوا لهم فإنما هم مبلغون الله فينبغي عليهم أن يؤدوا المهمة الملقاة على عاتقهم دون التفات لمن استجاب ولمن لم يستجب، وفيها تهديد أي تهديد للمشركين بما سيأتيهم من وعد الله بالخزي ولو بعد حين، بدلالة بعض ما أتاهم من ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والخطاب هنا ليس مقصورا على النبي ومشركي قريش بل إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ويستمر التهديد..
يهددهم بنقصان سلطان الكفار المتناقص شيئا فشيئا على حساب سلطان المسلمين الذي لا زال يمتد ويشتد، وأنهم صائرون إلى زوال وأنهم مغلوبون، وأن هذا هو حكم الله الذي لا يتخلف.
ثم يهددهم بمكر الله بالأقوام الذين من قبلهم فإن الله هو الذي يمكر مكرا لا يدفعه أحد، وأن مكر غيره هباء في مقابل مكره جل وعلا.
وكما بدأت السورة بذكر المكذبين وكفر أكثر الناس ختمت بذكر تكذيبهم أيضا، وعلمت النبي صلى الله عليه وسلم والسائرون على طريقه من بعده الموقف الذي يجب عليهم أن يقفوه في مقابل هذا التكذيب: ألا وهو رد الأمر إلى الله وإشهاد الله على تلك الخصومة بينهم وبينه، ليس هذا فحسب بل وإشهاد علماء أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون صدقه حق المعرفة.
ما تميزت به هذه السورة:
-
التقابل بين المعاني ومما جاء فيها :
لذو مغفرة للناس على ظلمهم / شديد العقاب
ما تغيض الأرحام / ما تزداد
عالم الغيب / والشهادة
أسر القول / جهر به
مستخف بالليل / سارب بالنهار
من بين يديه / من خلفه
خوفا / طمعا
طوعا / كرها
بالغدو / والآصال
الأعمى / البصير
الظلمات / النور
الحق / الباطل
للذين استجابوا / والذين لم يستجيبوا
يوفون بعهد الله / ينقضون عهد الله
يصلون ما أمر الله به أن يوصل / يقطعون ما أم الله به أن يوصل
يضل من يشاء / يهدي إليه من أناب
يمحو / يثبت
الليل / النهار
صنوان / غير صنوان
ذو مغفرة / شديد العقاب
نفعا / ضرا
الظلمات / النور
الحق / الباطل
يذهب / يمكث
استجابوا / لم يستجيبوا
يبسط / يقدر
يضل / يهدي
الحياة الدنيا / اﻵخرة
الجنة / النار (في آبة مثل الجنة…)
عقبى الذين اتقوا / عقبى الكافرين (نفس اﻵية السابقة)
-
المناسبات بين أجزاء السورة: ومن هذه المناسبات:
-
المناسبة بين الرعد – اسم السورة – وبين القرآن والبعث: لرعد يسمع ولا يرى وصوته قوي مؤثر وكذلك معجزة الرسول ﷺ القرآن وله قوة على السمع ومؤثر حتى على الكافر وكذلك الموت والبعث والنشور فكما اسمعهم الله الرعد ولم يروه فهو دليل على ان القرآن والبعث والنشور واقع فهم سمعوا به ولم يروه والرعد صوته مخيف وفيه بشارة المطر والغيث … والقرآن فيه من الوعيد والبشارة والذين امنوا تطمئن قلوبهم بذكر الله فالرعد من المظاهر الكونية المرتبطة بنزول الماء من السماء الذي هو من عناصر الحياة المادية لﻹنسان وكذلك الوحي الذي هو اساس الحياة الروحية
- المناسبة بين المثال المضروب وبين اسم السورة وبين القرآن : فالمثال المضروب فيه ماء ومطر وكذلك الرعد من لوازم المطر، وكذلك شبه الماء النازل بالقرآن لما يحملان من الخير.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved