الإتقان في الخلق من دلائل الملك والقدرة
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
ما مناسبة اختيار السموات دون غيرها للاستدلال بها على الإتقان؟
فيها مناسبتان:
الأولى: أن السموات من أعظم الخلق الذي يراه الإنسان في حياته الدنيا ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس )، ، فإذا كان الخالق قادرا على إتقان أعظم الخلق فهو قادر ولا شك على إتقان ما سواه، فذكر الأعلى لينسحب الحكم على الأدنى من باب أولى.
الثانية: أن الخطاب بهذا الشكل جاء متناسبا مع عالمية الدعوة، فما من بشر على وجه الأرض إلا وهو يشاهد هذا الآية العظيمة وهي السماء أيا كان مكانه، في الغابة أوالصحراء أوالمدينة أوعلى سطح البحر، كلهم يرى السماء فوقه ويرى ما فيها من مصابيح تزينها.
ما مناسبة ذكر المصابيح؟
ذكر الله المصابيح هنا لأنه الشيء الوحيد الذي يعلمه الناس جميعهم عن السماء علما جازما لا يتخلف عنه أحد، ذلك الخلق العظيم الذي لولا حديث الوحي عنه لما عرفنا عنه شيئا، وأما حقيقة السماء فلم يبلغها بعد علم عالم.
ما مناسبة ذكر وظيفتي النجوم؟
ذكر الله للمصابيح وظيفتين: الأولى: معروفة لا تخفى على أحد والثانية: خافية لا نعلمها إلا بالوحي، وكأنها إشارة إلى جهل الإنسان وقصور علمه عن خفايا الكون، وأن نصيبه من العلم إنما هو ظواهر الأمور ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا )، وما ينعكس ذلك في نفسه من تعظيم لله المالك القدير.
وربما كان فيها دعوة إلى الإيمان بخفايا الكون التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فإن الذي خلق للزينة خلق لأشياء لا يعلمها إلا هو، وتأمل الحديث المقتضب عن هذه الغيبية، فقط للفت نظر الإنسان إلى جهله بكثير من الخفايا.
وكان ذكر المصابيح والحديث عن بعض الحكمة من خلقها بابا حسنا للتخلص من الحديث عن الإتقان إلى الحديث عن أحوال الناس في الآخرة، فانتقلت الآيات انتقالا سلسا من الحديث عن السموات إلى الحديث عن نعمة الزينة بالنجوم ثم عن كونها رجوما للشياطين التي تحاول استراق السمع فيها وعجزهم وقدرة الله عليهم، إلى الحديث عن أتباهم من شياطين الإنس.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved