اللطف مظهر آخر من مظاهر القدرة
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
هذا المظهر انتقال من مظاهر التهديد والنذير إلى لمسة من التأمل والتفكير، وعودة إلى الاستدلال، عطفا على قوله تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا )، فتأتي هذه الآية لتحكي لهم مشهدا أنساهم تكراره ما به من إعجاز، حيث تنتقل في حكاية انفراد الله تعالى في التصرف من أحوال البشر وعالمهم إلى أحوال الطير، وفي الآية رد – كما في الفقرة السابقة – الأمور إلى مسببها الأول، الملك القدير.
ما مناسبة تخصيص الطير بالذكر في مقام الاستدلال على القدرة؟
الطير أعجب حالة من أحوال العجماوات، خاصة في نظام حركاتها في حال طيرانها، إذن أنها لا تمشي على الأرض كما هو في حركات غيرها على الأرض، فحالها أقوى دلالة على عجيب صنع الله المنفرد به.
ما مناسبة التوسع في وصف حركة الطير؟
وصفت الآية الطير بصفات ثلاث:
الأولى: فوقهم
الثانية: صافات
الثالثة: يقبضن
وهذا الإطناب – أي زيادة الألفاظ عن المعاني لإظهار فوائد – في وصف حركاتها يهدف إلى تنبيههم لأمور دقيقة، غفلوا عنها لأنه نشؤوا عليها مذ أن كانوا صغارا لا يدركون، فأنساهم ألف المنظر ما فيه من إعجاز وقدرة.
فإن الذي يرى حيوانا غريبا حال تمييزه وكمال عقله، يدرك فيه وفي خلقته أشياء لا يدركها أهل البلدل الذي اعتادوا رؤية هذه الحيوانات منذ نعومة أظفارهم، وكم غفل الناس عن مثل هذه الأمور الدقيقة في عموم صنع الله بسبب الألفة والعادة.
ولربما رأى الرجل الكبير العاقل البحر ولم يكن شاهده من قبل فيتملكه من العجب والذهول ما لا يشعر به من اعتاد رؤية البحر منذ الصغر.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved