النصرة الصادقة للدين في سورة الصف
النصرة الصادقة للدين في سورة الصف
ما هي الأسماء الواردة فيها ؟
سميت سورة الصف وهو أشهر أسمائها، وفيها أسماء أخرى لم تثبت
مكان نزولها؟
مدنية عند الجمهور، وأما القول بأنها مكية فبعيد كل البعد وفيه مثال للاهتمام بالرواية أكثر من النص فحث المؤمنين على الجهاد والقتال في السورة والتنديد بالمقصرين فيه يجعلان احتمال مكيتها مستحيلا لأن القتال إنما فرض وحرض عليه بعد الهجرة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمح للمسلمين في مكة حتى ولا بمقابلة المشركين بأذى على أذاهم وقد هدأهم القرآن وطلب منهم التسامح في آية سورة الجاثية ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) ..
كم عدد آياتها ؟
أربعة عشر آية باتفاق
هل ثبت شيء في فضلها ؟
لم يرد في فضلها شيء.
ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك؟
الظاهر في السورة أنها من أولها إلى آخرها – ما عدا جملة واحدة – في موضوع واحد، وهو الحث على الجهاد، وهذا واضح فيها تماما، فلو أننا استثنينا جملة ( صفا كأنهم بينان مرصوص ) فصار الكلام : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله وإذ قال موسى ووهذا واضح فيها تماما، فلو أننا استثنينا جملة ( صفا كأنهم بينان مرصوص ) فصار الكلام : إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله .. وإذ قال موسى .. وإذ قال عيسى .. يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة .. يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله. إلى آخر السورة.
فالكلام على هذا النحو في معنى واحد وهو الحث على الجهاد والبذل في سبيل الله، إلا أمران:
الأول: هذه الجملة ( صفا كأنهم بنيان مرصوص )
الثاني: اسم السورة، والاسم دائما له وزن خاص في ميزان البحث عن مقصد السورة.
وهذان الأمران يشيران إلى أمر زائد عن مجرد البذل والحث عليه، ألا وهو الاجتماع في هذا البذل والوقوف فيه صفا واحدا، وزاد تأكيدا على هذا الأمر ورود عبارة كأنهم بنيان مرصوص ليزيد المعنى وضوحا وينقدح في ذهن المسلم وهو يهم بنصر دين الله.
ومن هنا اختلف الباحثون في هذا الأمر، فرجح بعضهم كون السورة تتحدث عن ( وحدة الصف ) باعتبار أن السورة سميت بهذا الاسم أولا، وباعتبار أن الله خص طائفة معينة من المقاتلين بالمحبة، وهم الذين يقاتلون صفا كأنهم بنيان مرصوص.
ورجح بعضهم أن مقصد السورة هو ( الحث على البذل والجهاد في سبيل الله ) مستدلين بالحديث عن هذا المعنى خالصا من أول السورة إلى آخرها، وبما رواه الترمذي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ، قَالَ : قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَذَاكَرْنَا ، فَقُلْنَا : لَوْ نَعْلَمُ أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَعَمِلْنَا بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { 1 } يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ { 2 } سورة الصف آية 1-2 ، حَتَّى خَتَمَهَا والحديث وإن كان فيه نظر في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه يشبه أن يكون هو القضية أو السؤال الذي تجيب عليه السورة بأكملها ما عدا هذه الجملة كما ذكرنا سابقا.
والظاهر أن مقصد السورة مركب من هذين الجزئين، من البذل أولاً والحث عليه، ومن ضرورة وحدة القلوب أثناء البذل ثانيا، والتأكيد على هذين الأمرين،
ما أهمية هذا المقصد في حياة الإنسان وما سبب إفراده في سورة مستقلة؟
أهمية البذل والحث على النصرة:
بعض المسلمين ممن يدعي حب الدين وحب الله وحب نصرته، مبرز في مجال العبادة والخشوع والصلاة والذكر وقراءة القرآن، بعبارة أخرى في مجال التعبد الفردي المحض، وهذا أمر مطلوب وضروري ولا شك، ولكن لا بد له من شيء يكمله، ألا وهو الاجتهاد في الذب عن حياض الدين ونصره ومقارعة أعداءه، إذ لا بد للدين من طائفة تحميه وتنصره وتذود عن حياضه، والله يحفظ هذا الدين ويؤيده بمثل هؤلاء، فهذه الطائفة من المسلمين إذا قيل له تعال فانصر قضية من قضايا المسلين أو ابذل في سبيل الله، رجع و نكص، وتوقف وتراجع، ولسان حاله يقول: إنما أردت دينا فيه رقائق وإيمانيات، ولم أرد ما فيه بذل وتضحيات، فجاءت هذه السورة لتعالج مثل هذه الفكرة عند هؤلاء.
فالدين يحتاج إلى من يقوم به ولا قوام للدين إلا بالبذل والجهاد في سبيل الله بالأنفس والأموال، وتأمل هذا المعنى على طول الكتاب تجده.
أهمية الاجتماع في النصرة وعلامته:
ولكن وراء الأكمة ما وراءها، ووراء ظاهر الحديث ما وراءه، فإن الباذلين ربما حدثتهم أنفسهم بما بذلوا ولربما طلبت أنفسهم مقابلا في سبيل هذا البذل وهنا يقع التنازع، فنبهتهم السورة في هذه الجملة وفي اسم السورة إلى ضرورة التخلي التام عن حظ النفس وإلى ضرورة المحافظة على نقاء القلوب وصفاءها، إذ أن الصفوف لا ترتص ولا تكون بنيانا إلا إذا أعطى الباذلون فيها لأجل الله وحده لا لأجل شيء،
فالاجتماع هو علامة الإخلاص.
ويأتي هذا المعنى في عدة مواضع من السورة مثل قوله تعالى : في سبيله – في سبيل الله – أنصار الله – أنصاري إلى الله.
ارتباط الصف بالتوبة:
من قرائن ارتباط الصف بالتوبة:
1- اجتماع جملتي ( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) و ( والله لا يهدي القوم الظالمين ) في السورتين، ولم تجتمعا في سورة إلا فيهما.
2- جملة (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ) لم تأت إلا في هاتين السورتين، في التوبة في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)) وفي الصف في قوله تعالى (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12))
3- جاء في سورة التوبة (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)) وجاء في الصف (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)) ولم تأت هذه العبارات إلا في هاتين السورتين.
ويمكن القول أن سورة الصف تعتبر ملخصا موجزا للجزء الذي يتحدث عن هذا المعنى في سورة التوبة، فمن عجز عن التوبة وهي من السبع الطوال فعليه بالصف.
ولسورة الصف أيضا ارتباط بسورة آل عمران التي تتحدث عن الثبات، حيث انفردتا بعبارة (أَنْصَارُ اللَّهِ )، جاء في آل عمران (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)) وجاء في الصف (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14))
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved