( منبع المعاني.. مفاتح الرحمة )

( منبع المعاني.. مفاتح الرحمة )

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)

ما موضوع هذه الآيات وما مناسبتها لمقصد السورة؟

هذه الفئة تتألف من آيتين: الثانية مركبة على الأولى، ومن الثانية تنطلق كل معاني السورة وتتعلق بها. وسبق الحديث عن هاتين الآيتين وعلاقتهما باسم السورة وبالمعاني فيها، وتأتي الآية الأولى كأنها تمهيد وتوطئة لما بعدها من تقرير صاحب مفاتح الرحمة.

ما مناسبة البدء بالحمد؟

الابتداء بالحمد عموما مؤذن بأن صفة من صفات العظمة ستذكر فيها، وتبتدئ مثل هذه السور بالحمد للتنبيه على ما بعده، وكأن الآيات تقول: الحمد لله لكونه متصفا بهذه الصفات أو الأفعال التي ستأتي بعده، وجاء الحمد هنا كما سبق على أمرين:

الأول: ابتداء الخلق، لأن فاطر اسم فاعل من الفطر، والفاء والطاء والراء أصل يدل على فتح الشيء وإبرازه كما قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة، فهذه الصفة التي جاء الحمد عليها وهي ابتداؤه الخلق.

الثاني: زيادته في الخلق بعضهم على بعض، والخلق هنا هو القياس والتقدير، كما ذكر ابن فارس، وجاءت الملائكة في الكلام من باب الاستشهاد بالملائكة على الزيادة في الخلق.

ما مناسبة ذكر الملائكة هنا؟

جاء ذكر الملائكة هنا للاستشهاد على زيادته جل وعلا في الخلق، واختيرت الملائكة دون غيرها من الخلق لما لها من القوة والقدرة، وكلما كان المخلوق المراد أعظم كانت الدلالة على عظم الخالق أقرب.

ما مناسبة ذكر كونهم رسلا؟

ذكر كونهم رسلا للتنبيه على موضوع الرسالة، وان اختصاصهم بهذا الأمر من الزيادة في الخلق التي جاءت الآيات بها، وسيأتي موضوع تكذيب الرسل على طول السورة، ومناسبة ذلك لمقصدها.

وقد جيء بصفتين من صفات الملائكة: صفة مادية وصفة معنوية، فالأولى الأجنحة والثانية الرسالة.

ما مناسبة التذييل بقوله إن الله على كل شيء قدير؟

التذييل هنا جاء لإتمام المعنى، فإن مبتدئ الخلق من العدم والذي يزيد فيه ما يشاء قادر على كل شيء، قادر على الإيجاد وعلى الإبقاء.

ما دلالة استعمال ( من ) هنا؟

النفي في سياق التنكير للعموم

ما دلالة إغفال ذكر الرحمة مع الإمساك؟

في هذه الآية لم يقل تعالى ( وما يمسك من رحمة ) وإنما قال ( وما يمسك فلا مرسل له من بعده ) فطوى ذكر الرحمة مع الإمساك، وكأن الإمساك أيضا رحمة، فهو إن أمسك عنك شيئا فهو رحمة بك أيضا.

ما دلالة التأنيث مع ذكر الرحمة ( لها ) والتذكير مع ذكر الإمساك ( له )؟

جاء التأنيث مع الرحمة لمناسبة تأنيث الاسم وجاء الإمساك مذكرا لمناسبة الحرف ( ما ) فإن الأصل فيه التذكير.

ما دلالة ذكر الرحمة مع الإرسال وأغفال ذكر المرسل مع الإمساك؟

الذي يظهر أن مثل هذا يراد منه لفت النظر إلى استحضار الذات العلية في فتح الرحمة، وأما في مواضع الإمساك فطوى ذكره جل وعلا كما هي عادة القرآن في عدم ذكر الله عز وجل في مواضع الإمساك والمنع.

التذييل بالعزيز الحكيم؟

العزيز: هو الممتنع الغالب

والحكيم: هو الذي يضع الأمور في نصابها

وختام السورة بهذين الاسمين كأنه يقول للقارئ المتدبر: أن هذا التصرف سواء كان بالإرسال أو بالإمساك، إنما هو عن قدرة وامتناع من جهة، فلا أحد يملكه سواه، وأن هذا التصرف عن حكمة من جهة أخرى، فليس عبثا ولا فوضى.

ما مناسبة ذكر الخالق مع الرزق؟

قال تعالى ( هل من خالق غير الله يرزقكم ) ولم يقل ( هل من رازق غير الله يرزقكم ) إشارة إلى التقدير في الرزق، فإن الخلق هو القياس قبل القطع، كما قال الشاعر زهير بن أبي سلمى:

ولأنت تفري ما خلقت **** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري

فكأن الآية تقول: هو الرازق الذي يرزقكم ابتداء وهو الذي يقدر رزق كل واحد فيكم كما يشاء، فهو يزيد في الرزق كما يزيد في الخلق.

ما دلالة تركيب فعل الإفك بصيغة المبني لما لم يسم فاعله؟

لم يقل الله تعالى فأنى تنصرفون أو فأنى تكفرون أو ما شابه ذلك، ولكن أتى بالفعل مبنيا لما لم يسم فاعله، فقال أنى تؤفكون، يعني كيف يتمكن هؤلاء الذين يمكرون السيئات من التأثير عليكم وصرفكم عن هذه الحقيقة، فهو تنبيه للناس إلى أن هناك من يبذل جهده لكي ينصرفوا عن التوحيد فينتبه ويشمر.

وفي هذا تمهيد على ما يظهر لقوله لاحقا ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) وقوله ( والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ).