فهم صحيح لمعاني الآيات
إن إدراك وحدة نسق السورة القرآنية والكشف عن المحور الذي تدور عليه جميع مواضيعها وإبراز الروابط التي تربط بين أجزائها من أهم العوامل المساعدة على تفهم معاني آياتها واستجلاء الدلالات المكنونة في طواياها .
وقد تنبه الإمام الشاطبي إلى ذلك حيث قرر أنه لا محيص للمتفهم عن استيفاء جميع أجزاء السورة بالنظر باعتبارها كلاما واحدا من جهة النظم .
كما استشعر البقاعي فائدة النظر الشمولي إلى السورة ومعرفة مقصودها وقرر في كتابه مصاعد النظر ثمرة علم مقاصد السور وغايته فقال : وغايته معرفة الحق من تفسير كل آية من تلك السورة ومنفعته في التبحر في علم التفسير فإنه يصمر التسهيل له والتيسير ونوعه التفسير ورتبته أوله فيشتغل به قبل الشروع فيه فإنه كالمقدمة له من حيث أنه كالتعريف لأنه معرفة تفسير كل سورة إجمالا .
ومن يتأمل التفاسير التي سارت على منهج لا يلحظ وحدة السورة ويقارن بينها وبين التفاسير التي لاحظتها يرى أثر ذلك بينا فتفسير الآيات يناء على معرفة موقعها من مقصود السورة العام يكون أدق وأعمق فلا تبدو موضوعات السورة أشتاتا مفرقة وأجزاء مبددة وإنما تبدو متسقة المعاني ملتحمة المقاصد كفروع وأغصان متشابكة تتفرغ عن جذع واحد ومن هنا يكون بيان المفسر للموضوعات الجزئية في ضوء الغرض الأساس للسورة ويوجه تفسيرها بما يجلي الهدف المحوري الذي تعالجه .
أما أخذ السورة آية آية وتفسيرها على أنها منفصلة دون النظر إلى السلك الجامع الذي تنتظم فيه حبات عقدها فإنه يفوت على المفسر إدراك جملة من هدايات القرآن ولطائفه ومظاهر إعجازه ومن هنا التفت بعض المشتغلين بالتفسير والدراسات القرآنية من المعاصرين إلى ملاحظة هدف السورة واستلهام روحها الخاصة في تفسير أجزائها ولعل برهان الدين البقاعي من أوائل من نبه على فائدة ملاحظة ذلك في التفسير حين تحدث عن فوائد علم المناسبات المرتبط بنسق السورة في مقدمة نظم الدرر حيث قال : وبذلك يوقف على الحق من معاني آيات حار فيها المفسرون لتضييع هذا الباب من غير ارتياب منها قوله تعالى في سورة البقرة أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت ومنها قوله تعالى في سورة النساء فضل الله المجاهدين بأمواهم وأنفسهم على القاعدين درجة مع قوله عقيبه وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات .. وقوله تعالى في آخر سورة هود فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء إلى غير ذلك )
ولا غرو فالمناسبة هي المصححة لنظم الكلام ومعرفة وجه الصلة بين الآية وسابقاتها وإدراك موقعها من السياق العام للسورة يهدي إلى الصواب في تفسيرها ويعين المفسر على ترجيح بعض ما تحتمله الآية من معان إذا كان أليق بالنظم وأنسب للمقصود .
ومن أمثلة ذلك قول محمد عبد الله دراز في دراسته لنسق سورة البقرة : ( مضى جمهور المفسرين على أن قوله تعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى مشار به إلى أقرب الطائفتين في اذكر وهم المنافقون ولكن المروي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أنه راجع إلى الكفار مطلقا وهذا الذي عولنا عليه لأنه أقعد في المعنى وفي النظم وأما في النظم فلأن تناولها للطائفتين يتم به حسن المقابلة بين الإشارتين في قوله تعالى ( أولئك على هدى ) وقوله ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) ثم به يتم جمال الصنعة في تفريق الأقسام ثم جمعها ثم تفريقها ثم جمعها فقد رأيته يفرق بين الطائفتين في أوصافهما الخاصة ثم يجمعها في هذا الوصف المشترك وستراه يعود إلى تفريقهما في ضرب الأمثال ثم يجمعها مرة أخرى مع سائر العالم في النداء الآتي ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم )
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved