(على الجانب الآخر .. إقبال واستقامة)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة ولما قبله من الكلام؟
ولأن هذا التنزيل ( بشيرا ونذيرا ) كما جاء في أول السورة، جاء هذا المقطع لينتقل بنا من حكاية أحوال المعرضين الملحدين وجزائهم في الدنيا والآخرة، إلى الجانب المقابل، جانب المقبلين المستقيمين على أمر الله، لتكون البشارة بعد النذارة، فيحكي أمرين:
الأول: وصف أحوالهم في الآخرة بين النعيم والسكينة
والثاني: وصايا لهؤلاء الكرام في مقابلتهم لهؤلاء المعرضين وأنه لا سبيل آخر للتعامل معهم سوى التي هي أحسن، وهذه رسالة للدعاة جميعهم لسلوك هذا السبيل مهما كان حجم الصدود، فليس لهم أن يقابلوا الجحود والصد عن سبيل الله إلا بالتي هي أحسن، ومرد ذلك كله إلى الغضب لأن الغضب قد ينزغ، وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الإساءة ومن هنا ختمت الآيات بالأمر بالاستعاذة، باعتبار الغضب من تأثير الشيطان على الإنسان.
وفي الآيات ايضا لوم وتقريع للمشركين، إذ كيف تفوتهم مثل هذه المراتب العالية التي لم تكن لتكلفهم سوى الإقبال على الدين وترك العناد.
وذكر هذا الثناء عليهم بعد ذم المشركين على قولهم : لا تسمعوا لهذا القرآن، مشعر لا محالة بأن بين الفريقين بونا بعيدا، فالقريق الأول هو الأحسن المصرح به والفريق الثاني لم يذكر صراحة ولكنه مفهوم بالمقابلة.
وفي الآيات بيان لفضيلة علماء الدين الذين بينوا السنن ووضحوا أحكام الشريعة واجتهدوا في التوصل إلى مراد الله من دينه وخلقه.
وفي ترتيب الآيات توجيه بأن درجة الدعوة إلى الله درجة أعلى من درجة التزكية الذاتية، فإن فرغ من اكتساب الصفات الفاضلة لنفسه، ثم آتاه الله همة لينشر مثل هذه الصفات في من حوله من المسلمين فقد ارتقى مرتبة الإصلاح بعد أن حاز مرتبة الصلاح.
وفي ترتيبها توجيه للدعاة بأن يعتنوا بتزكية أنفسهم ابتداء، وأن هذه التزكية لا بد أن يكون لك منها نصيب إلى جانب نصيبك من الدعوة والإصلاح.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved