حول السورة ومقصدها وبعض قضاياها

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

لا يعرف لها اسم غيره وهكذا سميت في المصاحف وكتب التفسير والسنة.

مكان نزولها؟

السورة مدنية نزلت بعد غزوة الأحزاب، وقيل أن آية ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ) نزلت في مكة في حادثة تزويج زينب بنت جحش من زيد بن حارثة والله أعلم.

كم عدد آياتها ؟

عد آيها ثلاث وسبعون باتفاق أهل العدد.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

لم يثبت في فضلها شيء.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟

لا بد قبل أن نصل إلى هذه النتيجة أن نناقش الأمور التالية:

لننظر أولا في المواضيع التي تناولتها السورة:

المتأمل في السورة يرى أن الحديث فيها توزع على موضوعين رئيسين:

الأول: غزوة الأحزاب وما تبعها من غزوة بني قريظة

الثاني: الحديث عن أمور اجتماعية حصلت في المدينة إبان هذه الغزوة، وهذا الموضوع الرئيس الثاني حمل بين طياته موضوعات فرعية فقد عرض:

1-   إبطال الظهار

2-   حادثة سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم النفقة

3-   حادثة زواج زينب بنت جحش رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم وما تبعه من قطع دابر التبني.

4-   الحديث عن عدة المطلقات قبل المساس.

5-   الحديث عن بعض الأمور الخاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وبيته، وهي إن كانت خاصة به إلا أنها شكلت قاعدة للحديث عن المجتمع بشكل عام.

6-   النهي عن أذية النبي صلى الله عليه وسلم وأذية المؤمنين.

7-   آخر الموضوعات كان الحديث عن أمر النساء بالمبالغة في الستر. ثم ختمت السورة بخاتمة جامعة.

وهنا يظهر سؤال آخر وهو: ما هو الغرض من اجتماع الحديث عن غزوة الأحزاب مع الحديث عن هذه الأمور الاجتماعية في داخل المدينة؟

الذي ظهر لنا بعد التأمل، أن الحديث في هذه السورة توزع ليلفت النظر إلى جبهتين:

جبهة خارجية كان فيها الأحزاب من قريش وغطفان مجتمعين مع حلفائهم من بني قريظة بتحريض بقايا بني النضير وهؤلاء كانوا يستخدمون ( القوة الخشنة ) لقطع دابر الدولة الإسلامية الناشئة.

وجبهة داخلية استخدمت فيها ( القوة الناعمة ) من تغيير القناعات والأفكار في المجتمع، وقد جاء الحديث فيها عن عدة أمور:

العناية بتربية النساء وتوجيههن للحفاظ على اطمئنان الأسر.

ومحاربة عادات الجاهلية المنافية للشرع في المجتمع المسلم مثل التبني والظهار بقصد إضرار النساء.

موضوع الاختلاط والتعامل مع البيوت وما تبع ذلك من الحديث عن المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين في المدينة الذين لم يألوا جهدا في الفت في عضد الدولة الناشئة سواء أثناء معركة الخندق أو خارجها بأذية النبي صلى الله عليه وسلم وأذية المسلمين معه بل وأذية نسائهم أيضا.

وكل هذا يندرج تحت مظلة جامعة وهي ( عادات جاهلية )

إذا كانت معركتان:

معركة مع الأحزاب في الخارج

ومعركة مع إبطال عادات الجاهلية وإقامة شرع الله وتطبيع المجتمعات عليها في الداخل

مع ما قد يقع من اختلال في الأسر ومع العادات الجاهلية المنافية لأوامر الله ورسوله ومع المنافقين في كل مراحل الصراع.

وهذا التصور محض اجتهاد قد نصيب فيه وقد نخطئ، ولكن الذي نراه أنه أفضل التصورات التي قدمت للربط بين أجزاء السورة، وهذا التصور ليس بعيدا عن الواقع، إذ أن الجبهة الداخلية هي الأهم دائما في كل المعارك، وما يسمونه ( بالتماسك الاجتماعي ) أو ( وحدة المجتمعات ) أو ( الأمن المجتمعي ) يشكل بندا مهما جدا من بنود قياس قوة الدول، ويشكل هدفا مباشرا لطالما سعى أعداء الأمة نحو إفساده، كما أن المجتمع هو الحاضن الرئيس لإعداد القوة التي ستواجه العدو الخارجي، إذ كيف سيواجه المجتمع المتفكك عدوا خارجيا يريد استئصال شأفته، كما أن مجتمع النساء هو الحاضن الذي يخرج من سيقف في معركة الخارج من جهة، وهو الذي يرعى الرجال الواقفين في هذه المعركة، وهن عماد الأسر، وهذه الأسر هي وحدة البناء الرئيسة في في المجتمع، فإن اضطربت الحاضنة والراعي فسد الشأن كله، ناهيك عما تسببه عادات الجاهلية المخالفة لما شرع الله عز وجل من اضطراب اجتماعي سواء على مستوى الأسرة أم على مستوى المجتمع ككل، بسبب اختلال الميزان الذي خلق الله الناس عليه والذي دلنا عليه في كتابه المنزل.

فكأن الآيات توصي بالعناية بعقائد النساء وتثبيت شرع الله في المجتمع بعيدا عن عقائد الجاهلية وعاداتها.

ثم إن من طبيعة أعداء الحق أنهم إذا رأوا محاسن غيرهم، ورأوا في مقابل ذلك مساوئ نفوسهم ظاهرة، وأن هذه المحاسن هي التي رفعت المسلمين وهي التي وضعتهم وحطت من شأنهم، اغتاظوا وشمروا ساعد الهم لكي يخلقوا في هذه المجتمعات ما في أنفسهم من النقص والمساوئ، حتى يفسدوا هذه المجتمعات وحتى لا يبقوا هم فقط في هذا الضعف والخسة، و بعد معركة الخندق وقريظة وتثبيت أركان المسلمين والمجتمع المسلم في المدينة، وجه أعداء الدين كل جهودهم للعبث بالمجتمع المسلم وإفساده بعد أن فشلوا في اجتثاث جذوره والقضاء عليه، وهذا هو سر طول الحديث عن إقامة شرع الله وأوامره في الداخل في المجتمع بعد الحديث عن غزوة الخندق وما شابها من شدة واجتماع أعداء.

وهذا ما فعله الاستعمار الحديث في بلادنا فبعد أن فشل في تغيير دين الناس سعى جاهدا في مدة إقامته أن يخلق للمسلمين واقعا لا يستطيعون تطبيق الإسلام فيه ومدوا جذور هذا الواقع في كل نواحي الحياة، فأفسدوا المرأة بدعوى تحريرها وأفسدوا الأسر بمنع تعدد الزوجات ومحاربته، وشرعوا قوانين وضعية تخل بميزان الأسرة والمجتمع على حد سواء، وأشاعوا الربا والفساد والرشوة والظلم في كل أنحاء المجتمع، حتى إذا انسحب الاستعمار فوجئ المسلمون بواقع غريب تماما عن الإسلام، واقع متجذر ليس من السهل تغييره، ولا من السهل تطبيق أحكام الله فيه، وهنا أطل المنافقون برؤوسهم ليأتوا بإسلام جديد عصري ليوافق المجتمع المشوه الذي أنشؤوه، وهذه هي أهم المعارك وأخطرها.

ما مناسبة اختيار غزوة الخندق بالذات ههنا دون غيرها من الغزوات؟ ولماذا جاء الحديث عن غزوة الخندق وعن غزوة بين قريظة في سورة مقصدها ( إبطال عادات الجاهلية )؟

المناسبة بين غزوة الخندق وبين إبطال عادات الجاهلية جاء من عدة وجوه:

منها: أن السياق هنا جاء لتذكير المسلمين بالنصر الذي أتاهم من الله، وكأن وجود الحديث عن الخندق هنا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه: كما نصرتكم في غزوة الخندق وقريظة بدون أسباب، يوم تكالبت عليكم الأحزاب وبلغت القلوب الحناجر، ثم نصرتكم لأنكم امتثلتم أمري وقلتم ما يرضيني ( هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) ولم يزدكم الكرب والبلاء إلا إيمانا وتسليما، فأنا قادر على نصركم في المعركة الكبرى معركة إبطال عادات الجاهلية وبناء المجتمع على أوامر الله عز وجل دون أسباب، ومهما تكالبت عليكم الخصوم والأعداء، وإلى هذا أشار البقاعي في النظم.

ومنها: الإشارة إلى أن بناء المجتمع على عادات الجاهلية لا يقل أبدا خطورة عن استئصاله، لأن عادات الجاهلية لا تزال تنخر وتنخر وتنخر في المجتمع حتى تأتي على بنيانه من القواعد، ولا يزال الانحراف فيها يزيد حتى يصبح أميالا.

ومنها: اشتراك الجبهتين في شأن مهم وهو اجتماع الأعداء في كل منهما وهذا من مناسبات تسمية السورة بالأحزاب، وكأن هذا الأمر فيه رسالة للمسلمين، أن سيجتمع عليكم الأعداء في معركة إبطال عادات الجاهلية كما اجتمعوا عليكم يوم الخندق، فاصبروا واثبتوا.

ومنها: توجيه عناية النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انتصروا على الأحزاب واستتب لهم الأمر في المدينة، وقال النبي قولته المشهورة ( اليوم نغزوهم ولا يغزوننا )، توجيه عنايته إلى أمر مهم جدا وهو التوجه إلى إعادة بناء المجتمع على قواعد وأسس جديدة، هي قواعد الشرع وميزانه.

ومنها: الإشارة إلى المسلمين بضرورة العناية بتحصيل أسباب القوة وتحصين المجتمعات بجيوش قوية تحمي بيضتها وتحرس أركانها من أي تدخل خارجي، وتبقي للدولة هيبتها وقوتها قبل المضي في إبطال عادات الجاهلية في المجتمعات، لأن أي محاولة لإصلاح المجتمعات من الداخل دون حيازة لأسباب القوة من الخارج يبقى المجتمعات عرضة لتدخل أعداء الدين من الخارج ويبقيها في قلق دائم من الآخرين فلا تملك أمرها تمام الملك ولا يستتب لها الأمر.

ما هي المعاني التي يشير إليها اسم السورة ( الأحزاب )؟

مادة حزب تدل على أمرين:

الأول: اجتماع جماعة من الناس شأنهم واحد، ومنه كلمة ( حزب )

والثاني: الشدة والكرب، حزبه الأمر إذا اشتد عليه

وكلا المعنيين واضح تماما في جو السورة على طولها فكل هذا جاء في جو من الخوف والشدة والكرب والضيق سواء كان مترافقا مع غزوة الأحزاب وبني قريظة أو كان مع مشكلة سؤال النفقة وموضوع زواج زينب وما أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم حينها من ضيق وتوجس، وهذه النصوص من الصحيحين تعطي تصورا عما رافق هذه الفترة فترة نزول السورة من شدة وضيق:

منها ما رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَعَلَ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَيَقُولُونَ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا … عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجِيبُهُمْ وَيَقُولُ:

«اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ … فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ»

ومنها ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ [ص:44] الوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ»

ومنها ما رواه البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَعَلَ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ، وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا … عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُجِيبُهُمْ:

«اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ … فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ»

قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ، فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ القَوْمِ، وَالقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهِيَ بَشِعَةٌ فِي الحَلْقِ، وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ

ومنها ما اتفقا عليه من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي، فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا، وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ، فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي، وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ، فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا، فَحَيَّ هَلًا بِهَلّكُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ، وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ». فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ، فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ، فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي، وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا» وَهُمْ أَلْفٌ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا، وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ

ومنها ما رواه مسلم عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ أَدْرَكْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلْتُ مَعَهُ وَأَبْلَيْتُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ، وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»، فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَقَالَ: «قُمْ يَا حُذَيْفَةُ، فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ، قَالَ: «اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ»، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ، فَرَأَيْتُ أَبَا سُفْيَانَ يَصْلِي ظَهْرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعْتُ سَهْمًا فِي كَبِدِ الْقَوْسِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْمِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ»، وَلَوْ رَمَيْتُهُ لَأَصَبْتُهُ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَمْشِي فِي مِثْلِ الْحَمَّامِ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ، وَفَرَغْتُ قُرِرْتُ، فَأَلْبَسَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَضْلِ عَبَاءَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: «قُمْ يَا نَوْمَانُ»

ومنها ما رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، قَالَ: فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِمًا سَاكِتًا، قَالَ: فَقَالَ: لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ، سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ، فَقُمْتُ إِلَيْهَا، فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ»، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، كِلَاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَقُلْنَ: وَاللهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا – أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ – ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28] حَتَّى بَلَغَ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29]، قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ»، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ، قَالَ: «لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا»

وهذه الأحاديث تضعنا في صورة الشدة والكرب الذي أصاب النبي صلى الله عليه وسلم سواء في الغزوتين أو فيما أخبرت به السورة من حادثة سؤال النفقة وحادثة زواجه من زينب رضي الله عنها.

وأما معنى الاجتماع: فواضح في اجتماع الأعداء الخارجيين في سورة الأحزاب، كفار قريش مع أوباش العرب مع اليهود، ناهيك عن اجتماع الأعداء الداخليين في المدينة ( المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون ) إضافة إلى العدو الرئيس وهم الكافرون الذين غابوا عن المشهد هنا ظاهرا إلا أن وجودهم على طول السورة قرينة إلى دخولهم في زمرة الأعداء الداخليين من خلال الأصناف الثلاثة الذين ذكروا صراحة فيها.

كما أن في الاسم ملمح آخر وهو تفرق الناس تحت هذه الشدة وهذا الكرب إلى أحزاب ( حزب المؤمنون وحزب الكافرون وحزب المنافقون ) وقد ذكرت هذه الأصناف كثيرا بهذا الشكل على طول السورة، وهذا جدير بالتأمل والانتباه فإن أوقات الشدة والابتلاء هي التي تفرز الناس وتظهر خبايا قلوبهم وحقيقة دعاويهم، ويؤثر عن الحسن قوله : الناس في العافية سواء، فإذا نزل البلاء تبين من يعبد الله ممن يعبد غيره، فيسكن المؤمن إلى إيمانه، والمنافق إلى نفاقه.

وهنا أيضا يبرز تساؤل آخر وهو: إذا كان الشأن كما ذكرتم حديثا عن الجبهة الداخلية والخارجية فما هي هداية حضور شخص النبي صلى الله عليه وسلم بشكل بارز في هذه السورة؟

ولسائل أن يسأل أيضا: لم لم يكن الخطاب بهذا الشكل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تطيعوا الكافرين والمنافقين .. إلى آخر الآيات؟

ولم جاء الخطاب بهذا الشكل: يا نساء النبي بدل أن يكون مثلا : يا أيها المؤمنات أو يا نساء المسلمين؟

المتأمل في هذه السورة يرى أن شخص النبي صلى الله عليه وسلم حاضر في هذه السورة بشكل ظاهر تماما سواء كان ذلك بتوجيه الخطاب له مباشرة مرات ومرات في السورة ( يا أيها النبي )، بالحديث المباشر عنه صلى الله عليه وسلم في حادثة النفقة التي أفادتنا العناية بالنساء، وكذلك في حادثة زيد بن حارثة التي افادتنا بضرورة استئصال عادات الجاهلية من المجتمع، وما تلا ذلك أيضا من الحديث عن ما أحل له من النساء وعن الأدب الواجب تجاه نساءه وفي بيوته.

كل هذا كان يدور حول شخص النبي صلى الله عليه وسلم وحوادث جرت معه مباشرة، مع شخصه هو دون غيره.

ناهيك عن الآيات التي تعلي قدره وترفع مقامه وتبين عظيم شأنه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا )

والجواب المختصر عن هذا السؤال جاء في السورة نفسها في قوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )، وهذه الإشارة وراءها من المعاني ما وراءها:

أما توجيه الخطاب إلى رأس الأمة بدل توجيهه إلى أفرادها فهذا إشارة إلى عظيم خطر هذه الأوامر والنواهي الواردة فيها، لأن الخطاب الموجه للإمام أدعى للعناية والرعاية والاهتمام لكنه موجه إلى كافة المأمومين ولكن بشكل يثير مزيدا من الانتباه والعناية والاهتمام.

وفيها أيضا: تعريض بالمسلمين إلى ( القدوة ) حين تدلهم عليهم الخطوب، وتجتمع الأعداء، فليستحضروا دائما صورة النبي صلى الله عليه وسلم، الراسخ الثابت الذي لا يتزعزع، صاحب الوحي.

وفيها أيضا: رسالة إلى المسلمين أن انظروا إلى حال نبيكم وإمامكم صلى الله عليه وسلم كيف كان في هذه السورة مبتلى وتكالبت عليه الهموم من كل ناحية، فإن أصابكم يوما مثل هذا فاعلموا أن أكثر من هذا قد أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبر واتقى الله وتوكل عليه ولم يطع كافرا ولا منافقا واتبع ما يوحى إليه من ربه، وثبت أمام الأحزاب وكان في غاية الخلق في أسرته ومع أهله وأرسى دعائم أحكام الله في المجتمع ونفض عنه غبار الجاهلية، فعليكم أن تكونوا مثله وأن تصبروا وأن تكون عدتكم عدته، فإنما كان هذا البلاء للتهذيب ورفع المكانة والكرامة، وسيأتي الصابرين اللاحقين مثل ما أتى الأولين من الكرامة والشرف.

وفيها أيضا: أهمية العناية بصناعة القدوات في الأزمات والدلالة على خطر شخصية القائد في مثل هذه الأمور وأنه لا بد أن يكون هو المبادر وهو صاحب المسؤولية يتولاها بنفسه، ويلجأ إليه الناس كما لجؤوا إليه في الكدية التي اعترضتهم يوم حفر الخندق ، وكما دارت أحداث الإصلاح على يديه صلى الله عليه وسلم، فلا بد من قائد يتمثله الناس ويسيرون خلفه.

وفيها أيضا: حث للدعاة وأصحاب الكلمة المسموعة والرصيد لدى الناس أن يتولوا هم بأنفسهم تغيير عادات المجتمع فإن من دونهم لا قد لا يطيق هذا، بل ولن يكون له أثر مثل أن يقوم به صاحب كلمة مسموعة بفعله هو وحص مثل هذا في صلح الحديبية حين حلق النبي صلى الله عليه وسلم فحلق الناس بعد أن توقفوا لما أمرهم صلى الله عليه وسلم.

قس مثل ذلك على الحديث عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلا شك أن الآيات تريد أن تعطينا القدوة في النساء وهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم.

ما هي قرائن انسحاب الأحكام والنداءات الواردة للنبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه على سائر المسلمين والمسلمات؟

نشير بداية إلى أن الأحكام والنداءات الموجودة في هذه السورة الأصل فيها أنها تنسحب على المسلمين والمسلمات إلا ما دل الدليل على أنه خاص به أو بهن رضوان الله عليهن، والقرائن التي تشير إلى ذلك كثيرة:

منها: أنه لو وضعنا ( المسلمون ) بدلا من ( النبي ) في مواضع النداء لصلح المعنى ولم يفسد.

ومنها قوله ( وكان الله بما تعملون بصيرا ) بعد أن كان الخطاب موجها للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، والخطاب هنا أدخل المؤمنين في الأوامر فدل على أنهم مخاطبون بما خوطب به صلى الله عليه وسلم.

ومنها: قوله تعالى في أول السورة ( يا أيها النبي اتق الله ) وفي آخرها ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله )

ومنها: قوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )

ومنها: ذكر المسلمات والمؤمنات .. إلى أخره في الآية عقب الحديث عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة إشارة إلى دخولهن في النداء عموما في الآيات التي سبقت هذه الآية.

ومنها: قوله تعالى ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ) بعد قوله ( إن الذين يؤذون الله ورسوله ) لأن هؤلاء كلهم حزب واحد.

ومنها: قوله ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) مع قوله ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) فجمع الصلاة منه جل وعلا ومن ملائكته عليهم السلام للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين.

ومنها: قوله تعالى ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم ) وفي هذا تنبيه إلى أن القصة الواردة وإن كانت خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الأصل أن حكمها منسحب على غيره ما لم يدل دليل، وهذا فيه تصريح بهذا وقرينة غاية في القوة على ذلك.

ومنها: خطابه في المقطع الخامس حيث اجتمع فيه الخطاب للمؤمنين ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ) ثم ثنى بخطاب نبيه صلى الهل عليه وسلم ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) وفي هذا الاجتماع قرينة على المراد، بل يمكننا القول بأن الابتداء بخطاب المؤمنين فيه إشارة إلى أن المقصود الأول هو خطابهم.

ما هو مقصد السورة إذا في ظل ما سبق الحديث عنه؟

يظهر لنا والله أعلم – وهذا محض اجتهاد قد يصيب وقد يخطئ – أن مقصد السورة هو تطبيع المجتمعات على أوامر الله عز وجل أو إبطال عادات الجاهلية في المجتمع، ولهذا الاختيار قرينتين مهمتين جدا:

الأولى: المساحة التي احتلها الحديث عن المجتمعات وعن إبطال عادات الجاهلية خاصة، مثل إبطال الظهار، والتبني وآثاره، والاختلاط، والأمر بالحجاب، وحرمات البيوت، وإصلاح الأسر وإعادة بناءها على أسس سليمة.

 

 

Map Shot 2

 

 

Map Shot 3

 

 Map Shot 9

 

 

Map Shot 10

 

 

 

 

 

 

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved