حفظ الدعوة والدعاة في سورة الطارق

حفظ الدعوة رغم الكيد في سورة الطارق

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

سميت بالطارق و سميت ( والسماء والطارق )

مكان نزولها؟

مكية

كم عدد آياتها ؟

سبع عشر آية باتفاق.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

لم يرد في فضلها شيء من الوحي.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟

ابتدأت هذه السورة بالقسم بالسماء، وهي والبروج هما السورتين الوحيدتين اللتين ابتدأتا بالقسم بالسماء، والأولى وصفت بذات البروج، والثانية ثني القسم بالسماء بالقسم بالطارق، والطارق وضحته الآيات بأنه النجم الثاقب، وسيأتي شرحه، وأما جواب القسم فهو ( إن كل نفس لما عليها حافظ )، وهذا ما حدا بنا إلى أن الحفظ هو أبرز معاني السورة، وهذا المعنى يتجلى أكثر إذا ربطنا السورة بالتي قبلها، باعتبار ابتدائهما بالقسم بالسماء، وقد ختمت البروج بالحديث عن حفظ القرآن والدعوة على الرغم من فناء جميع المؤمنين، ارتفعت وتيرة الحديث هنا من تسلط كامل للكافرين واستعلاء ظاهر وقتل لجميع المؤمنين، إلى مجرد كيد في هذه السورة ( إنهم يكيدون كيدا )، مع بقاء ونجاة المؤمنين فيما يظهر في هذه السورة.

فهذه السورة إذن تغير فيها الحال من تسلط الكافرين على المؤمنين تسلطا تاما، إلى نوع من التوازن في القوة رد الله فيه عداوة الكافرين إلى مجرد الكيد وهو المكر الخفي، بعد أن كان لهم قدرة على إفناء المؤمنين جميعا.

ما مناسبة القسم بالسماء بداية؟

القسم بالسماء هنا استمرار للقسم بالسماء في السورة السابقة بنفس المناسبات.

ما مناسبة القسم بالطارق هنا وما علاقته بالحفظ؟

المناسبات:

منها: أن النجوم حفظة السماء كما في الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» وهذه أهم مناسبة.

ومنها: أن الله يحرق بهذه النجوم والشهب الشياطين الذين يسترقون السمع، فيحفظ بها الوحي والأمر.

فكأن الآيات تقول: إن الذي حفظ السماء بالنجوم لا يصعب عليه أن يحفظ الوحي وأهله.

ما مناسبة استخدام لفظ الثاقب هنا؟

ما مناسبة قوله تعالى ( وما أدراك ما الطارق )؟

هذه العبارة هنا جاءت لمزيد من الإبهام المشوب بالتعظيم للتشويق ولتلتفت إليه النفوس.

ما مناسبة الوصف بالثاقب؟

لاح لنا في هذا مناسبتين:

الأولى: أنه بمعنى الحارق الذي يحرق الشياطين فيحفظ الوحي والأمر.

والثانية: أنه من ثقب ظلام الليل بالضوء، وهو من مبتكرات القرآن، وفي هذا إشارة إلى بقاء هذه الدعوة الخالدة، وأنه لا تزال هذه الدعوة تضيء ظلام الجاهليات وتخرق ظلامهم بنورها.

ما مناسبة جواب القسم ( إن كل نفس لما عليها حافظ )؟

الظاهر أن الحافظ هنا يراد به أمرين:

الأول: من يحفظها من الشرور والآفات كما جاء في قول الله تعالى ( له معقبات من بين يديه ومن خلف يحفظونه من أمر الله )

الثاني: من يحفظ أعمالها ويحصيها عليها، ومن القرائن التي تشير إلى هذا المعنى قوله لاحقا ( يوم تبلى السرائر )

ما مناسبة قوله ( فلينظر الإنسان مما خلق )؟

الفاء هنا للتفريع: وكأن المعنى إذا عرفت ما سبق فلينظر الإنسان مما خلق، والعبارة هنا للإشارة إلى ضعف الإنسان في بداية خلقه، واحتياجه حينها لمن يحفظه،

ما مناسبة التفصيل في ذكر الماء الدافق؟

من الواجب الانتباه إليه ما فصل القرآن الحديث فيه، لأن من وراءه شيئا مرادا ذا أهمية، والتفصيل جاء هنا للتنبيه إلى دقائق الأمور لعل السامع ينتبه ويتيقظ إذا عرضت عليه مثل هذه التفاصيل.

أين يعود الضمير في قوله ( يخرج من بين الصلب والترائب )؟

قيل أن المراد بقوله تعالى: يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل وماء المرأة.

وقيل أنه الإنسان، وهذا ما نميل إليه لعدة قرائن:

الأول: أن ماء الرجل لا يخرج من بين الصلب والترائب وإنما يخرج من الأنثيين.

الثاني: لو قلنا أن الخارج هو الإنسان فيكون مناسبة ذكر الصلب والترائب لمقصد السورة هو حفظ ذلك الإنسان حال كونه جنينا لا حول له ولا قوة في بطن أمه بعظام ظهرها من الخلف وبعظام صدرها من الأمام، وهذا أقرب لمقصد السورة وسياقها العام.

الثالث: أن الكلام استمر بعدها على الإنسان، وذلك في قوله: إنه على رجعه لقادر: أي رجع الإنسان، ثم قوله: فما له من قوة ولا ناصر: يعني الإنسان.

ما مناسبة ذكر الرجعة والسرائر وعدم القوة والناصر؟

أما الرجعة: فمناسبة لحفظ النفس فإن الذي حفظ السماء وما فيها والوحي، وأنشأ الإنسان من العدم، وحفظه في بطن أمه جنينا لا حول له ولا قوة، وحفظه على طول حياته من الآفات أن تتخطفه، قادر على أن يعيد خلقه ولا شك.

وأما السرائر: فعلى المعنى الثاني من الحفظة وهم من يحفظ عليه أعماله.

وأما انعدام القوة والناصر: فللإشارة إلى ضعف الإنسان وخلوه من القدرة على الانتصار لا بنفسه ولا بأمر خارج منه.

وفي كل هذا رسالتين:

الأولى للمؤمنين: أن اثبتوا واصبروا فإني حافظكم في أبدانكم فلا يصلون إليكم إلا أذى، وحافظ لكم ثباتكم وصبركم وأعمالكم في سبيل الدعوة.

الثاني للكافرين: أنكم لن تستطيعوا أكثر من الكيد الخفي، وهذا الكيد محفوظ مسجل عندي وسأجزيكم به يوم القيامة يوم لا تملكون نصرا بأنفسكم وما لكم من ناصرين.

ومثل هذا التهديد ينسف أي هيبة للكافرين في أعين المؤمنين فإن من يهدد مثل هذا التهديد ضعيف ولا شك، والتهديد لا يكون إلا من قوي قادر.

ما مناسبة القسم بالسماء والأرض، وما مناسبة ذكر الرجع والصدع هنا؟

الرجع هو المطر، والصدع هو الإنبات بشق الأرض، ومناسبة القسمين هو استحضار عملية الخلق والإحياء، في مشهد متكرر يراه الخلق جميعا، ولا يملك أي أحد أن ينكره، فكما أن الأرض تمطر ولا شك وأن الأرض تنبت ولا شك، ولا ينكر أحد هذا، ويراه الناس أجيالا خلف أجيال، فكذلك فإن هذا القول قول يفرق بين الحق والباطل.

ما مناسبة نفي كونه هزلا؟

الأصل في مثل هذا أن يكون تقصيرا في المدح، فإن دفع مثل هذه التهمة عن شيء يعتبر تقصيرا في مدحه، ولكن مثل هذا الكلام جاء هنا لغرض آخر، وهو التعريض بالمشركين الذين يقولون عنه أنه هزل، وكأنه يقول لهم: قد علمتم ما أسلفنا من الكلام، فكفوا عن وصفكم القرآن بالهزل، ثم يأتي التهديد مع الالتفات بعده.

ما مناسبة تكرار كلمة الكيد، وما مناسبة التنكير؟

أما التكرار فلأجل إثبات الكيد لكلا الطرفين، وأما التنكير فللتعظيم: أي أنهم يكيدون كيدا عظيما وأنا أكيد كيدا عظيما أيضا، وشتان بين الكيدين.

وأصل الكيد هو إخفاء قصد الضر مع إظهار خلافه، وهو على ظاهره في الكافرين وأما الكيد المنسوب إلى ضمير الجلالة: فمعناه الإمهال مع إرادة الانتقام منهم بوفق تقدير الله وحكمته في اختيار المكان والزمان والهيئة التي سيقع فيها الانتقام.

وشتان شتان بين كيد المخلوقين من ماء دافق المحتاجين للحفظ والعناية منذ ان خلقوا إلى أن يرجعوا، وبين كيد الخالق صاحب السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع.

ولأجل هذا جاء الأمر بالإمهال بعده مباشرة.

ما مناسبة تكرير الأمر بالإمهال؟ وما مناسبة المخالفة في الصيغة بينهما؟

أصل الإمهال: الإنظار إلى وقت معين أو غير معين، وجاء التكرار للتأكيد وزيادة التثبيت، وجاءت المخالفة لتحسين التكرار، فهذا أحسن من أن يقال ( فمهل الكافرين مهلهم رويدا ) أو ( فأمهل الكافرين أمهلهم رويدا ).

وجاء التأكيد على الأمر بالإمهال هنا: لتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم فإن من يطمئن لوقوع الشيء لا يستعجله، فإن يعلم أنه آت لا محالة.

ما مناسبة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإمهالهم مع أن الممهل هو الله؟

في هذا غاية الإيناس للنبي صلى الله عليه وسلم، فكأنما أسند الأمر إليه، والأمر كله لله، له وحده، ولكنه الإيناس والتشريف.

 

 

Map Shot 4

 

 

 

Map Shot 5

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved