تفويض الأمر لله

تفويض الحكم لله

لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ(67) وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ(68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(70) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ(71) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(72)

ما هو موضوع هذا الفصل وما هي علاقته بمقصد السورة؟

كان المقطع الماضي في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إذ لم يؤمن به قومه، وسار طويلا في أشواط ومواضيع متعددة، واستمر المقطع هنا في الحث في تثبيته صلى الله عليه وسلم ولكن بلون آخر، وهو قطع دابر النزاع والجدال معهم، مبنيا على قاعدة (لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه) والمنسك هو المكان الذي تذبح فيه النسائك، أي الذبائح التي يتقرب بها إلى الله، فبين الله عز وجل لنبيه أن الله جعل لكل أمة منسكا واحدا يذبحوا به ذبائحهم قربانا إلى الله، هذه دعوة مبطنة إلى التوحيد إذ طالما أنه منسك واحد فالإله واحد أما مناسك المشركين فتبع لآلهتهم المتعددة، وهذا متصل أيضا بقوله تعالى سابقا (ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا)، وهكذا تتناسق المواضيع وتتكامل.

والذي يظهر أن الرابط بين الحديث عن النسك وبين النهي عن المنازعة وبين التوحيد، هو: أن المشركين كانوا ينازعون النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على حق باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم أقر الحج، وهو من مناسكهم، فهم على حق وعلى ملة ابراهيم عليه السلام، فكان قوله تعالى: لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه كشفا لهذه الشبهة وقطعا لدابر المنازعة، فإن الحج منسك حق وهو رمز التوحيد وأنهم أدخلوا عليه أشياء باطلة، فلا ينازعنك في هذا الأمر بعد ذلك فإن شبهتهم هذه باطلة، ثم أمره بالاستمرار على ما هو عليه من الدعوة غير مبال بهم فإنه على صراط مستقيم، أما إن استمروا على ما هم فيه من الجدال والمنازعة فدع عنك جدالهم وفوض أمرك إلى الله، وقوله تعالى (الله أعلم بما تعملون) وما بعده فيه تهديد مبطن لهم بأن الله مطلع على ما يتظاهرون به من طلب الحجة مع حقيقة عنادهم.

ويستمر السياق في تحقيق التأييد الذي تضمنه قوله تعالى (الله يحكم بينكم يوم القيامة) أي: أنه يعلم كل أعمالكم لا يفوت منها شيء وكلها مسجلة في كتاب، ولا تظنن أن ذلك صعب فإنه يسير على الله.

وكل ما سبق يهتف بالنبي صلى الله عليه وسلم ألا تضيق صدرا بما هم عليه من الجدال والخصومة

ما مناسبة الآيات بعدها؟

يستمر الكلام في سياق التوحيد والأمر به، يقلب وجوهه ويبين مسائله، ليعود واصفا حالهم مرة أخرى: أنهم يشركون بغير دليل وبغير علم وتشعر أن هذه الآية خارجة من رحم قوله تعالى ( يجادل في الله بغير علم ) وقوله تعالى ( ولا هدى ولا كتاب منير ) وقوله تعالى ( يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره) وقوله تعالى: ( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير ).

ولم يقتصر تكذيبهم على عبادة الأصنام فحسب، بل كما قلنا سابقا: أن الأمر في حقيقته هو وجود خصومة بين الكافرين والمؤمنين، فالعقيدة لا تقبل شريكا، ولا يمكن أن تبقى هكذا جامدة قاصرة، بل تميل بطبيعتها إلى التمدد وكل مجموعة ترغب بأن يكون الناس جميعا على دينهم، فهاهم على الرغم من وضوح الآيات يكادون يبطشون بالمصلحين الذين يتلون عليهم هذه الآيات، لكن خابوا وخسروا، أمره الله عز وجل أن يبشرهم بما يغيظهم أكثر، وما يزيد غضبهم أكثر وهو مصيرهم النهائي في جهنم، وكما سابقاتها تشعر أن هذا الكلام خارج من قوله تعالى ( فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ)، وقوله تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) وغير ذلك.

 

 

Map Shot 1

 

Map Shot 2

 

 

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved