تعريف عام بالسورة

1-

تعريف عام بالسورة

1-  ما هي الأسماء الواردة في السّورة ؟

لها اسم وحيد وهو سورة الضّحى وهذا هو الموضع الوحيد الذي تأتي فيه كلمة (الضّحى) معرّفة في القرآن، وجاءت مرّتين نكرة:

مرّة في ذكر انتصار سيّدنا موسى _عليه السلام _على سحرة فرعون ” قال موعدكم يوم الزّينة وأن يحشر النّاس ضحىً “،

ومرّة في ذكر تخويف النّاس من العذاب في لهوهم ضحىً ” أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون “.

2-  ما هو عدد آياتها ؟

إحدى عشْرة آية.

3-  ما هو المقصد الأساسيّ الذي تدور حوله السّورة ؟

تقلب أحوال الإنسان في الدنيا

4-  ما مناسبة الاسم للمقصد؟

في هذه السورة أقسم الله عز وجل لنبيه بأمرين متعاكسين تماما:

الأول: هو الضحى وهو وقت اشتداد الحركة في النهار

الثاني: هو الليل وقيده بوصف ( السجو ) وهو السكون والإطباق وهو يقابل الضحى من حيث انقلاب الأحوال فيه تماما من شدة الحركة في الضحى إلى السكون والهجوع في الليل.

وإذا جمعنا إلى هذا ما ورد في السنة من نصوص تبين سبب نزول السورة، ورد فيها ما يلي في صحيح البخاريّ : عن جندب بن عبد الله _رضي الله عنه_ قال: «احتبس جبريل _عليه السّلام _ على النّبيّ _صلّى الله عليه وسلّم_، فقالت امرأة من قريش: أبطأ عليه شيطانه، فنزلت: “والضّحى واللّيل إذا سجى، ما ودّعك ربّك وما قلى”.

وفي رواية عنه قال: «اشتكى رسول الله _صلّى الله عليه وسلّم _فلم يقم ليلتين – أو ثلاثاً -، فجاءت امرأة فقالت: يا محمّد، إنّي لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين – أو ثلاثة – فأنزل الله عز وجل: ” والضّحى واللّيل إذا سجى، ما ودّعك ربّك وما قلى”.

وفي رواية مسلم عنه أيضاً : (أبطأ جبريل على رسول الله _صلّى الله عليه وسلّم _ فقال المشركون: قد ودّع محمد، فأنزل الله عزّ وجلّ: ” والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودّعك ربك وما قلى”.

ومفاد جميع ما سبق :

1-  أن الوحي قد فتر أياما عن النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الدعوة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى فلم يقم أياما، أو كلاهما.

2-  أن هذه الفترة قد أثارت في نفسه حزنا وأزمة خوفا من أن يكون الله قد تخلى عنه بعد أن سار في الدعوة شوطا ما سواء كان من انقطاع الوحي أو من انقطاعه عن القيام صلى الله عليه وسلم.

3-  وأن المشركين أو بالأحرى رؤوسهم استغلوا ذلك في سخرية وشماتة من النبي صلى الله عليه وسلم وأن ربه قد قلاه وودعه، وأن منهم من عيره بذلك مواجهة، وأن ذلك قد زاد من حزنه وأزمته.

4-  وأن هذا كان في بداية الدعوة وخطواتها الأولى بخلاف ما تلا ذلك من فترة للوحي لم تؤثر في النبي صلى الله عليه وسلم ما أثرت به هذه الفترة في بداية الدعوة.

إذا جمعنا الأمرين سوية تبين لنا أن الله عز وجل أنزل هذه السورة – فيما نرى فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فمن أنفسنا ولا نجزم بصواب ما نراه – تحمل رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده:

أنه إذا تعسرت أحوالك وتبدلت، وأصابك الهم بعد الراحة أو المرض بعد الصحة أو الفقر بعد الغنى، أو الشغل بعد الفراغ، أو تأخر الرزق عنك في أمر ما، وأطبقت عليك هذه الشدة، وأحسست بأن الأحداث قد توقفت، وأنه لا مخرج منها، فاعلم أن ما أصابك إنما هو جزء من تركيبة الحياة وطبيعتها التي خلقها الله بها، وإياك أن تسيء الظن بربك فتظن أن ما أصابك من لأواء سببه كره الله لك أو تخليه عنك، لا أبدا، إنما هي طبيعة الحياة في تعاقب الشدة والرخاء على الإنسان، والدليل على ذلك ما تراه كل يوم كيف يبدل الله حال الأيام بين النهار المليء بالنشاط والحركة ثم الليل الساكن المطبق، وهكذا دواليك.

2019 11 15 17h22 27

 

فكان الضحى في شدة حركته يشبه حال تتابع الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، أو نزول رزق ما على الإنسان عموما سواء كان صحة أو فراغا أو مالا أو ولدا، وكان الليل الساكن المطبق يشبه وقت تباطؤ الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو انقطاعه عن القيام بمعنى الزوال المؤقت لرزق ما عن الإنسان عموما.

وهنا وقفة هامة في شأن قيام الليل، وحزن النبي صلى الله عليه وسلم لانقطاعه عن القيام وشماتة المشركين به صلى الله عليه وسلم حين انقطع، وكأن هذه النعمة – نعمة القيام – من أعظم النعم وأهمها، وأن انقطاع الإنسان عنها مصيبة توجب منه حزنا وتشمت به أعداءه، وأين مثل هذا المعنى من حياتنا هذه الأيام؟

5- ما أثر هذا المعنى في نفس المتدبر؟

إذا تدبر الإنسان ما سبق من كلام، رسخ في قلبه هوان المصائب عليه، فهو يعلم أنها مؤقتة من جهة وأنها آتية وأنها جزء من سنة الله التي لا تتخلف في كونه، ورسخ في قلبه أيضا عدم التعلق بالنعم، إذ أنه يعلم أنها زائلة ولو بعد حين، ورسخ في قلبه أيضا عدم اليأس إن أصابه ضر، فإن الضر سرعان ما يزول كما يزول الليل الساجي ليتبعه الضحى الممتلئ حركة، ثم إنه إذا أصابه ضر صبر، وإذا أصابه خير شكر، فكان ذلك خيرا له في كل حال.

وهذه العقائد التي ينطلق منها المؤمن المتدبر من أعظم المثبتات في الدنيا.

6- ما سبب اختيار القسم بهذين الأمرين على هذا المعنى؟

من طبيعة الوحي أنه يربط مثل هذه المعاني بأمور مشاهدة متكررة حتى لا تغيب عن بال الإنسان، ومن أهم ما يتكرر على الإنسان وأكثره: الليل والنهار، فربط الله عز وجل بين هذا المعنى المهم وبين تعاقب الليل والنهار حتى يستحضره الإنسان في كل صباح وفي كل مساء، فإن رأى نشاط الناس في الحركة والنهار تذكر نعم الله فشكره عليه وأيقن أن بعد هذا النهار لا بد من ليل ساكن، فتهيأت نفسه وسهل المصاب عليه، فإن جاءه الليل الساكن المطبق، علم أن ما يجري عليه من هموم ومصائب لا تعدو أن تكون شيئا مؤقتا مثل هذا الليل الساكن، وأن هذا المصاب لا بد أن يزول ويعقبه سعة، تماما كما أن بعد هذا الليل الساكن ضحى نشيط، وتعاقب الليل والنهار يثبتان هذه المعاني في الإنسان فيستحضرها وتبقى عنده في اللاوعي ماثلة مؤثرة كلما تجددت هذه الذكرى.

وقد جاء مثل هذا المعنى في سورة الفرقان حين قال الله عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا )

والمتأمل في كتاب الله يجد أن شرح ( السنن الكونية ) في المعاني الكبرى كالإنسان والقرى أو الدول بمعنى أعم وفي الموت والحياة والدنيا والآخرة من أهم المعاني التي يستفيدها المتدبر في كتاب الله عز وجل، وكفى بها نعمة، وأنى للإنسان أن يعرف مثل هذه السنن لولا نور الوحي، ولولاه لتاهت البشرية في ظلمات الجهل.

7-  كيف عرف المشركون بانقطاع الوحي؟

كان المشركون يجتمعون على النبي _صلّى الله عليه وسلّم _باللّيل يستمعون قراءته ولا يستطيعون منع أنفسهم من ذوق حلاوة القرآن والاستماع له:

روى ابن إسحاق عن ابن شهاب الزهريّ أنّه حدّث أنّ أبا سفيان بن حرب وأبا جهل عمرو بن هشام والأخنس بن شريق بن وهب الثّقفيّ حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله _صلّى الله تعالى عليه وسلّم_ وهو يصلّي من اللّيل في بيته، فأخذ كلّ رجل منهم مجلساً يستمع فيه، كلٌ لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتّى إذا طلع الفجر تفرّقوا فجمعهم الطّريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً. ثمّ انصرفوا حتى إذا كانت اللّيلة الثّانية عاد كلّ رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له. حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا فجمعهم الطّريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أولّ مرّة ثمّ انصرفوا، حتّى إذا كانت اللّيلة الثّالثة أخذ كلّ رجل مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتّى إذا كان الفجر تفرّقوا فجمعهم الطّريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتىّ نتعاهد ألّا نعود. 

وقد تعاهدوا على ذلك، وقد قال الله فيهم: ” وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ” أهـ.

ولم تكن هذه عادة الكفّار مع النّبيّ _ صلّى الله عليه وسلّم _فحسب بل مع صاحبه أبي بكر _رضي الله عنه_:

فقد روى ابن إسحاق: وقد كان أبو بكر الصّدّيق -رضي الله عنه-، كما حدثني محمَّد بن مسلم الزّهريّ، عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها-، حين ضاقت عليه مكّة، وأصابه فيها الأذى، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله_ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم_ وأصحابه ما رأى، استأذن رسول الله _صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم_ في الهجرة، فأذن له، فخرج أبو بكر مهاجرًا، حتّى إذا سار من مكّة يومًا أو يومين لقيه ابن الدُّغُنَّة أخو بني الحارث بن بكر، وهو يومئذ سيّد الأحابيش، قالت: فقال ابن الدُّغُنَّة: أين يا أبا بكر؟ قال: أخرجني قومي، وآذوني وضيّقوا عليّ، قال: ولم؟ فوالله إنّك لتزين العشيرة، وتعين على النّوائب، وتفعل المعروف، وتكسب المعدوم، ارجع وأنت في جواري، فرجع معه، حتّى إذا دخل مكّة قام ابن الدُّغُنَّةِ فقال: يا معشر قريش، إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يعرضنَّ له أحد إلّا بخير، قالت: فكَفّوا عنه، قالت: وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح، فكان يصلّي فيه، وكان رجلًا رقيقًا إذا قرأ القرآن استبكى، قالت: فيقف عليه الصّبيان والعبيد والنّساء يعجبون لما يرون من هيئته، قالت: فمشى رجال من قريش إلى ابن الدُّغُنَّة فقالوا: يا ابن الدُّغُنَّةِ، إنك لم تُجِرْ هذا ليؤذينا، إنّه رجل إذا صلّى وقرأ ما جاء به محمَّد يَرِقُّ ويبكي، وكانت له هيئة ونحو، فنحن نتخوّف على صبياننا ونسائنا وضَعَفَتِنا أن يفتنِهم، فأْتِه فمُرْهُ أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء، قالت: فمشى ابن الدُّغُنَّة إليه، فقال له: يا أبا بكر، إنّي لم أُجِرْك لتؤذي قومك، إنّهم قد كرهوا مكانك الذي أنت به وتأذَّوا بذلك منك، فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت، قال: أو أردُّ عليك جوارك وأرضى بجوار الله، قال: فاردد عليَّ جواري، قال: قد رددته عليك، قال: فقام ابن الدُّغُنَّةِ فقال: يا معشر قريش، إنّ ابن أبي قحافة قد ردّ عليَّ جواري أ هـ.

10-ما هو وجه الترابط في الثّلاثيات الّتي تتلو القسم ؟

يمكن تقسيم السّورة إلى ثلاثة أقسام :

الأول: القسم

الثاني: المقسم عليه وهي نعم موعودة.

الثالث : ثلاثيّة المنّة وهي تعتبر نعماً موجودة

الرابع: ثلاثيّة الواجبات وهي حقوق مطلوبة

فصار عندنا: ثلاثيّة الوعد ثمّ ثلاثيّة المنّة ثمّ ثلاثيّة الحقوق الواجبة.

التّناسب الرأسيّ: وهذا ليس بدْعاً من القول بل هو ما يسمّى اللّف والنّشر، وهو مذكور كثيراً في القرآن، وهو علم موجود في اللّغة هو(علم البديع)

الثلاثيّة الأولى: التّوديع والقلى، يحصل كثيرا في الضّعيف الّذي لا يجد من ينصره لذلك ذكر معه منّة الإيواء من الله _عزّ وجلّ _ على نبيّه يوم كان يتيماً، ولو كان ليودّعه لودّعه في ذلك الحين يوم كان ضعيفاً يتيماً، فرتّب عليها حقّاً تجاه اليتيم وهو تجنّب قهره.

الثّلاثيّة الثّانية: ذكر في أوّلها تفضيل الآخرة على الأولى، ثم ذكر بعدها منّة الهداية منه _جلّ وعلا_ بعد الضّلال، وتفضيل الآخرة على الأولى من أعظم الهدايات، ثمّ ذكر بعدها عدم نهر السّائل- سائل العلم- على أحد الوجهين.

           الثّلاثيّة الثّالثة: ذكر عطاءه للنّبيّ_ صلّى الله عليه وسلّم _ثمّ ذكر بعدها أيضاً عدم نهر السّائل- سائل المال- على الوجه الثّاني، وبحمل السّائل هنا على سائل العلم والمال ودمجهما في آية واحدة دلالات مهمّة سنتحدّث عنها في القسم الأخير من السّورة

11-ما هو وجه الترابط في الثّلاثيات الّتي تتلو القسم ؟

أما الثلاثية الأولى: فكانت بيانا من الله عز وجل للحال الحاضر ( ما ودعك ربك وما قلى )، وتأصيلا لمفهوم مهم وهو الفرق بين الأولى والآخرة ( وللآخرة خير لك من الأولى)، ومن ثم وعدا منه جل وعلا بالعطاء الذي لا ينتهي إلا بالرضى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى)، ففيها نفي ثم إثبات ثم وعد.

وأما الثلاثية الثانية: فكانت دليلا على الأولى من أحوال مضت على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الشك قد يتسلل إلى الإنسان من هذه الوعود خاصة مع ما يراه من الشدة والضعف الذي يكتنفه، فأتت هذه الثلاثية لتقدم أدلة حصلت على الثلاثة الأولى من وعد الله وحفظه وعنايته، فذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بما كان عليه من اليتم والفقر والضلال، وكيف استنقذه الله من كل هذا، فتطمئن نفسه لوعده جل وعلا في الثلاثية الأولى.

وأما الثالثة: فلم تكن الآيات لتطوي هذه الصفحة دون أن تبين واجب الإنسان تجاه هؤلاء الذي يمرون بليلهم من ضعف أو فقر أو ضلال، فنهت عن قهر يتيم، أو زجر سائل أي سائل، سواء كان سائل علم أو سائل مال، وأمرت بالتحديث بنعمة الله على العباد وسيأتي مزيد بيان في الحديث عن هذه الثلاثية.

 2015 01 01 11h49 05

 2015 01 01 11h07 12

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved