تسلية وتثبيت
( تسلية وتثبيت )
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)
ما هو موضوع هذا المقطع؟ وما علاقته بمقصد السورة؟
المتأمل في هذا المقطع يرى فيه تسلية وتخفيف عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ كذبه قومه، وهذا واضح في نقطتين:
الأولى: قوله ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ) فالإنسان إذا علم أن ما يجري عليه الآن قد جرى على كثير ممن كان قبله هان عليه الأمر، وصبر وثبت.
الثاني: ذم المعرضين بما فعلوه، وهذا واضح في قوله تعالى ( فإنك لا تسمع الموتى .. ) وقوله ( وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم .. ) فنعتهم بالموتى ونعتهم بالعمي بسبب إعراضهم، فإذا علم القارئ المتدبر هذا هانوا عليه، وعلم أن الضلال مطبوع عليهم، فلم يبالي بهم ولا بتكذيبهم.
الثالثة:
وقد أشار إلى ناحية التسلية والتثبيت أيضا عدة مفسرين.
وأهم ما في المقطع – وهو يصب أيضا في التسلية والتثبت – وعده له صلى الله عليه وسلم بالنصر ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) وفي هذا أيضا عودة إلى ما ذكر في بداية السورة من فرح المؤمنين بنصر الله ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله )، بل إنك تشعر وأنت تقرأ هذه الآية بأنك تقرأ أول آية في السورة، فهي تستحضر وتعيد لك معاني هذه الآية.
وقبل هذا يحكي للنبي صلى الله عليه وسلم طبيعة هؤلاء النفسية، فهم إن أصابهم القحط أبلسوا، وإن رأوا الغيث استبشروا، فمن كانت هذه شيمته – الخفة – فلا تحزن عليه ولا تنشغل باستجابته، فليس هو أهلا لذلك.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ورود لفظ الموتى مرتين في هذا المقطع؟
ذكرت هذه اللفظة ست عشرة مرة في القرآن، ولم تتكرر إلا في سورتين، البقرة والروم موضع بحثنا ههنا، وتكرار هذه الكلمة في هذا المقطع خاصة مرتين، فيه إشارة إلى ناحية استغراقهم في الموت والذي هو عكس الحياة، وليس المقصود هنا موت الجسد، ولكنه موت القلب، وذلك بالإعراض عن أسباب حياته.
ما مناسبة ختام المقطع بقوله تعالى ( الله الذي خلقكم من ضعف .. ) الآية؟
هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى في أول السورة ( أولم يتفكروا في أنفسهم )، ومنها تفرع الحديث لاحقا: الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم، ثم عاد مرة أخرى إلى الظهور في آيتنا هذه محل البحث، وهذا نوع من التفكر في الأنفس، فإن هذا الترتيب الذي لا يتخلف عنه أحد، قوة بين ضعفين، من دواعي التفكر والنظر، وقد يظهر للقارئ المستعجل أن الآية لا ارتباط لها بما قبلها ويظن أن الكلام انقطع هنا، إلا أن بعض التدبر وربط المعاني يظهر منه أن مجيء هذه الآية عقب الحديث عن تكذيب المكذبين وإصرارهم على التكذيب، فيه رسالة مفادها:
إن مثل هذا مما يجري على الإنسان حري أن يدفعكم نحو قبول الحق والاستماع له بدلا من التكذيب والتعنت.
فما هو الداعي لهذا الضلال الذي أنتم فيه وقد ظهرت لكم دلائل الحق بما لا ريب فيه.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر الشيبة مع الضعف ؟
الذي يظره أن ذكر الشيبة هنا جاء للتنبيه إلى أن هذا الضعف لا قوة بعده، بخلاف الضعف الأول، فإن الضعف الأول تتبعه قوة، أما الثاني الذي تأتي معه الشيبة فلا قوة بعده، وإنما موت وحساب ونشور كما ستأتي الآيات على ذكره بعد هذه الآية تماما.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved