بين يدي السّورة

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

أشْهَرُ أسْمائِها سُورَةُ النَّمْلِ. وكَذَلِكَ سُمِّيَتْ في صَحِيحِ البُخارِيِّ وجامِعِ التِّرْمِذِيِّ. وتُسَمّى أيْضًا سُورَةُ سُلَيْمانَ، وهَذانِ الِاسْمانِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِما في الإتْقانِ وغَيْرِهِ

والظاهر أن اسمها التوقيفي هو النمل، وهو الظاهر الغالب، وأما غيرها من الأسماء فلتفردها بذكر الهدهد والتوسع في ذكر شأن سليمان..

مكان نزولها؟ 

وهِيَ مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ الجُمْهُورِ، والذي يظهر أنها نزلت في المرحلة الثالثة في مكة: 

فالأولى: كانت مرحلة الإعراض واللامبالاة 

والثانية: كانت مرحلة المداهنة ومحاولة الإقناع 

والثالثة: كانت مرحلة المعارضة والمحادة. 

وقد يتساءل متسائل: ما سبب نزول سورة تتحدث عن التقدم المادي – بحسب زعمكم  كما سيأتي لاحقا – وعلاقته بالإيمان، في مثل هذا الظرف، ألم يكن من الأولى أن تنزل في المدينة حيث تأسست قوة المسلمين ودالت دولتهم، لأن الفرصة تكون حينها مواتية للحصول على التقدم المادي المدني، بينما لم يكن الأمر كذلك أبدا في الفترة التي نزلت فيها السورة، كانت فرصهم في الحصول على أي تقدم مادي علمي معدومة تماما، بل إنهم لا يكادون يجدون بلغة أو معونة في طريق الدعوة. 

والذي يظهر لنا – والله أعلم – أن نزول السورة في هذا الوقت فيه معنيان: 

الأول: تجهيز المسلمين لما سيكون لاحقا من احتكاك بينهم وبين اليهود لا أقول في المدينة فحسب، بل وحتى لاحقا في مواجهة النظام العالمي الحالي الذي يقوده اليهود بعد أن تجمعوا في أكناف بيت المقدس وأنشؤوا كيانهم المشؤوم ليكون للمسلمين لاحقا عليهم اليد الطولى، ومما يؤيد ذلك ذكر بني إسرائيل في السورة لاحقا، ناهيك عن ذكر موسى وسليمان وهما من أنبياء بني إسرائيل.

وربما كان فيه أيضا إعداد لما سيكون لاحقا من احتكاك المسلمين بالروم والفرس بعد ذلك، فجاءت السورة بنوع من الوقاية قبل الانسياح في الأرض، فحتى لا يصاب المسلمون بنوع من الصدمة الحضارية، جاءت هذه الآية لتهيئهم وتجهزهم، ليكونوا على استعداد حين يتوغلون في أمم فاقتهم في المدنية.

الثاني: وكأن فيه بشارة للمسلمين بأنكم ستوجدون مع أهل الكتاب في مكان واحد وستقصون عليهم أكثر الذي هم فيه يختلفون، كما أنكم ستنداحون في الأرض تعمرونها بالتوحيد بعد أن أطبقت عليها ظلمات الجاهلية على الرغم مما كانت عليه من تقدم مادي مدني. 

كم عدد آياتها ؟ 

ثلاث أو أربع أو خمس وتسعون آية

هل ثبت شيء في فضلها ؟

لم يثبت في فضلها شيء. 

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟ 

الذي يظهر أن مقصد  هذه السورة موجود الجزء المتعلق بالنمل في قصة سليمان، أو بشكل أدق في قصة سليمان مع النملة، وهذا ما أشار إليه تسمية السورة بهذا الاسم بالذات دون غيره، فلم تسم بسورة الهدهد مثلا، أو سورة بلقيس، أو الدابة، فاسم السورة يشير إلى النقطة التي تحوي مقصد هذه السورة، كما جاء ذلك جليا في سورة البقرة. 

وإذا حللنا هذه القصة البسيطة نجد ما يلي: 

أولا: مشهد سليمان وجنوده من الجن والإنس والطير وهم يسيرون ويصادفون وادي النمل أمامهم

ثانيا: النملة وهي تخاطب النمل وتأمرهم بالدخول للمساكن مخافة الأذى من هذا الجيش العظيم. 

ثالثا: مشهد ردة فعل سليمان عليه السلام وهو يدعو بهذا الدعاء: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي، وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين.

والذي يظهر من هذه المشاهد الثلاثة القصيرة مقارنة ببقية أجزاء قصة سليمان عليه السلام، أو ببقية القصص في هذه السورة، أن مقصد السورة هو هذه ( العبودية ) التي أظهرها سليمان على الرغم من جيشه الجرار المقبل على هذه المخلوقات الضعيفة، وكأن السورة تحمل هذه الرسالة لقارئها المتدبر، أو للأمة التي تحملها أن: 

إياكم أن يدعوكم ما فتح الله به عليكم من العلم المادي وما يتبعه من التقدم إلى التكبر على الخلق، ونسيان الآخرة، والذهول عن التوحيد، وعن العبودية لله تعالى.

هذه باختصار الفكرة الرئيسية التي تحملها السورة عموما وقصة النمل خصوصا.

خاصة وأن العلم – في إشارة إلى التقدم العلمي وأسباب القوة فيه – مذكور بشكل بارز جدا في هذه السورة، والذي يظهر أيضا أن المقصود بالعلم هنا إنما هو نوع خاص من العلم، وهو العلم الدنيوي المادي المدني وليس العلم الأخروي أو العلم بشكل عام. 

وقد أغرب بعض المفسرين حين أسهب في الحديث عن التقدم المادي المدني في مجتمع النمل، وجعل ذلك مقصدا للسورة أقصد أن السورة جاءت لبيان ( الإعجاز العلمي في مجتمع النمل ) والذي أظنه أن هذا من آثار الانهزام الفكري أمام الحضارة الغربية، والذي يظهر لي فيما أرى – والله أعلم بمراده في كلامه – أن المراد في السورة عكس ذلك تماما فهي لم تتحدث عن التقدم المادي العلمي في مجتمع النمل، ولا عن الإعجاز فيه، ولكنها ركزت على تبسم سليمان ضاحكا من قول النملة الصغيرة الضعيفة، في مقابل جيوشه التي توزع جنودها من خلفه، فلم يغتر عليه السلام بكل هذا ولم يلق له بالا بل كان جوابه أن يسأل الله أن يشكر نعمته وأن يعمل صالحا يرضاه وأن يدخله ” برحمته ” في عباده الصالحين، تأمل هذا الموقف في مقابل الحضارة الغربية المادية التي لم تتوان عن دوس – لا النمل فحسب – بل البشر، وسممت الأرض والهواء والماء، لأجل مكاسب عاجلة فانية.

ما مناسبة بقية أجزاء السورة لهذا المقصد: 

المتأمل في السورة بداية يجد أن السورة تتألف من ثلاثة فصول متمايزة ظاهرة: 

أولا: مقدمة لها علاقة بمقصد السورة، وموطئة لما سيأتي من المواضيع فيها. 

ثانيا: مشاهد من قصص نبوية تخدم مقصد السورة وتدعمه بشواهد تاريخية. 

ثالثا: مجموعة من القضايا التي أنبنت على ما سبق من القصص والحيثيات، والتي أيضا تدور حول فلك مقصد السورة وتخدمه وتشيره إليه. 

والسورة لم تقتصر على ذكر سليمان فحسب، وإن كان الحديث عن سليمان استغرق ثلث السورة أو يزيد، إلا أن القصة احتوت أيضا على ذكر: 

موسى عليه السلام 

ثم سليمان كما سيأتي 

ثم ثمود 

ثم لوط.

ثم جاء الحديث عن آيات التوحيد، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتسليته 

ثم جاء ختام السورة وسيأتي الحديث عن مناسبة كل فصل من هذه الفصول لهذا المقصد وكيف دار الحديث في فصل حول مقصد السورة خادما له ومبينا له ومفرعا عليه. 

الجواب عن الاختيارات الأخرى: 

وهكذا يظهر بعد اختيار المقصد بعد قول من قال أن مقصد السورة هو: الدعوة إلى امتلاك أسباب التقدم العلمي، فالشريعة لم تأت بمثل هذا مباشرة، وإنما يكون التقدم العلمي إما ضرورة لأجل التدافع ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) أو كنتيجة طبيعية للحرية والأمن الذي تتيحه الشريعة لأفراد أمة الإسلام في دولة الإسلام، كما حصل في أيام ازدهار الدولة العباسية ودولة الأندلس. 

ومثل هذه الاختيارات تروج عند الناس بسبب الهزيمة النفسية التي لا زالت الأمة ترزح تحت أغلالها بسبب التقدم العلمي للغرب في مقابل حالتنا، فصار الكلام كله يجير لصالح مثل هذه الأفكار التي سيطرت على الناس عموما. 

وهذا يظهر أيضا بعد الاتجاه الذي يتحدث عن الإعجاز في النمل وطريقة حياته وبناء أمته وخصائصه وما إلى هنالك، وليس هذا مقصودا في السورة البتة – بحسب ما أراه وقد أصيب وقد أخطئ – وإنما المقصود هو إظهار العبودة على الرغم من أسباب المادة التي أوتيها العبد الصالح سليمان عليه السلام، وإظهار العبودية من المقاصد التي غفل الناس عنها كثيرا وخفت الاهتمام بها خاصة مع طغيان المادة وزخارف الحياة على عقول الناس وتفكيرهم.

ومما يؤيد هذا الملمح أيضا في هذه القصة ما تشير إليه من تواضع سليمان وقد حشر له كل هؤلاء الجنود في مقابل النمل وهم أمة ضعيفة، وكأن القصة تقول لمن ملك التقدم في العلوم الدنيوية: 

إياكم أن تتكبروا وتطغوا في الأرض وتحطموا الأمم الأخرى المستضعفة، وليكن لكم في سليمان أسوة حسنة، إذ تواضع لله وأظهر عبوديته على الرغم مما أوتي من القوة والبأس في مقابل أمة مستضعفة كأمة النمل. 

والمتأمل في الحضارة المدنية اليوم يرى أنها لم تراعي مثل هذا الأمر أبدا، وحطمت من غيرها من الأمم واستعبدتهم وأذلتهم ونهبت أموالهم، مما يؤكد على أهمية أن يعود المسلمون لقيادة العالم لينعم الناس بعدل الوحي. 

وكثيرا ما يعمد أعداء الإسلام إلى الطعن بالإسلام والاستهزاء به من باب: أن المسلمين لم يقدموا شيئا للحضارة المادية المدنية، ونسوا – قبح الله الجهل والهوى – أن الحضارة الغربية لم تأت بذلك التقدم المادي إلا وأحضرت معه مصائب لا آخر لها: 

تلوث الهواء والماء في كل الدنيا بسبب النفط والمواد الكيميائية والأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، أدى إلى أمراض لا تحصى بسبب الأكل المصنع والعادات الغذائية المضرة فلا يكاد الإنسان يصل إلى سن الأربعين إلا وتبدأ أمراض الشيخوخة من سكر وضغط والتهاب مفاصل وهشاشة عظام وأمراض القلب بالظهور عليه.

ناهيك عن انقراض أنواع كثيرة من الحيوانات والنباتات وهلاك الكثير منها وإفسادها بسبب هذا التلوث.

 حروب هائلة أحرقت الأخضر واليابس كان آخرها الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها أكثر من 72 مليون إنسان وأهلكت الحرث والنسل وخلفت ملايين الآرامل واليتامى، واغتصاب ملايين النساء من الطرفين في أكبر عدد من حوادث الاغتصاب في التاريخ كله بل إن الجنود الأمريكيين اغتصبوا أعدادا كبيرة من نساء فرنسا التي يفترض أن تكون حليفتهم، ناهيك عن اغتصاب المسلمات في حروبهم على المسلمين لاحقا.

عقائد منحرفة أشد الانحراف أورثت خواء روحيا لاهثا وراء المال واللذة بشكل حيواني مشين، وقد بلغت صناعة الإباحية في الغرب أرقاما هائلة جندت لها أعدادا كبيرة من النساء اللواتي صرن يسمين بالرقيق الأبيض. 

سرقة خيرات ما يسمى بشعوب العالم الثالث ونهب خيراتها وإفقارها إلى حد الجوع حيث يقدر عدد الذين يموتون كل يوم بسبب الجوع بسبعة عشر ألف طفل يوميا. 

إبادة أعراق كاملة في أمريكا واستراليا حيث قتل الأوربيون الغازون أكثر من 100 مليون هندي أحمر في أمريكا وأعدادا لا تعرف من السكان الأصليين في استراليا، في حين فتح المسلمون الشرق والغرب ولا زال سكانها الأصليون فيها بأديانهم إلى اليوم. 

أسلحة دمار هائلة قتلت مئات الآلاف في ثوان معدودة في هيروشيما وناغازاكي ناهيك عن مئات القنابل التي فجرت في الجزائر لتجرب على أجساد السجناء الجزائريين ولا زال المسلمون الجزائريون يعانون من آثار هذه القنابل وإشعاعاتها إلى اليوم. 

 

 

Map Shot 1

 

 

Map Shot 2

 

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

 

Map Shot 5

 

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved