بين يدي السورة

وعد الله الحق في سورة الروم

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

هَذِهِ السُّورَةُ تُسَمّى سُورَةُ الرُّومِ في عَهْدِ النَّبِيءِ وأصْحابِهِ

مكان نزولها؟

وهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّها بِالِاتِّفاقِ وهِيَ السُّورَةُ الرّابِعَةُ والثَّمانُونَ في تَعْدادِ نُزُولِ السُّوَرِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الِانْشِقاقِ وقَبْلَ سُورَةِ العَنْكَبُوتِ

كم عدد آياتها ؟

وعَدَدُ آيِها في عَدِّ أهْلِ المَدِينَةِ وأهْلِ مَكَّةَ تِسْعٌ وخَمْسُونَ. وفي عَدَدِ أهْلِ الشّامِ والبَصْرَةِ والكُوفَةِ سِتُّونَ.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

لم يثبت في فضلها شيء.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟

سميت السورة باسم الروم كما هو معروف، ولا يعرف لها اسم غيره، وسميت بهذه الاسم في إشارة إلى حادثة هزيمة الروم ثم انتصارهم من بعد، وقصة أبي بكر في رهان كفار قريش، وقد جاءت بعدة روايات، وفيها أن أبا بكر رضي الله عنه راهن المشركين على هزيمة الفرس في بضع سنين، ثم إنهم حددوا أمدا إلى ست سنين فخسر أبا بكر الرهان في السادسة، ثم زادوا في الأجل والرهن إلى مدة أطول حتى تستوعب التسع سنين التي هي أقصى البضع، وفي السنة التي بعدها انتصر الروم على الفرس، وتحقق وعد الله الذي وعد، فكسب الرهان رضي الله عنه وأرضاه، وكل هذا طبعا قبل تحريم الرهان.

وقد رويت في هذه القصة تفاصيل كثيرة، إلا أن الفكرة الرئيسة التي تقوم عليها هي أن الله وعدهم بالنصر في وقت كانت المعطيات تشير إلى عكس ذلك تماما، فأراد الله أن يريهم تحقق وعده بأمر يرونه بأعينهم كمثال على ملكه وقدرته، فوعدهم بانتصار الروم على الفرس، مع أن المعطيات تشير إلى عكس ذلك تماما، وحدد هذا الوقت في مدة يسيرة، ثم إن هذا الأمر تحقق، فوعده إذا حق، وإذا أضفنا إلى هذا ذكر كلمة وعد الله في بداية السورة عقب الحديث عن هذه الحادثة مباشرة، وأضفنا أيضا ذكر وعد الله في آخر السورة، تبين لنا أن المراد فيما يظهر والله أعلم هو بيان أن وعد الله حق، وأنه لا يخلف موعده، ولا عجب فإن الأمر له من قبل ومن بعد، ولكن أكثر الناس يغترون بظاهر الأشياء كما حكت الآيات في بداية السورة ويغفلون عن هذه الحقيقة الخالدة وهي أن وعد الله حق لا يخلفه مهما كانت الأسباب والظروف بخلاف ذلك، وأنه سيتحقق مهما بدا أن الأمور تسير بعكس ذلك، أو أن الظروف والحسابات المجردة لا تسمح بهذا، وسيأتي بيان مناسبات أجزاء السورة وموضوعاتها لهذه الفكرة كل في موضعه.

طبعا كل هذا كان في سياق وعد الله بالنصر للمؤمنين، وهذا واضح في مواضع عديدة كما سيأتي بيانه، بل إننا نستطيع القول – مطمئنين – بأن وعده بانتصار الروم على الفرس لاحقا إنما هو في سبيل التمثيل لوعده للمؤمنين بالنصر، وهذا واضح في قوله تعالى ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله )، والفرح بظهور المسلمين الذي تحقق يومها في الحديبية ظاهر أيضا.

وفي قصة أبي بكر رضي الله عنه في هذه الخصوص وقفات في بعض تفاصيلها:

منها: مسارعة أبي بكر رضي الله عنه دون غيره في هذا الأمر، ولا عجب، فهو الصديق، لا يأتي أمر من أوامر الله إلا قال: سمعنا وأطعنا، وهذه الصديقية هي التي رفعت مكانته رضي الله عنه فوق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعا، فهو مصدق لوعد الله الحق في كل شأنه، وهذه دعوة إلى المسلمين جميعا إلى التأسي بهذا الرجل المقدام، والتسلح بما تسلح به وهو اليقين الذي لا يتخلف بأن الله منجز وعده.

ومنها: استعجاله رضي الله عنه في تحديد الأجل إلى ست سنين، وهذا فيه أيضا درس للمسملين ألا يحددوا يوما ولا وقتا للنصر فإنما النصر بضاعة الله، يأتي بها متى شاء، ومثل هذا التحديد قد يعلق القلوب بهذا التوقيت، فإن تخلف سرى الشك واليأس في النفوس، والواجب على المسلمين أن يتركوا مثل هذه الأمور لله وحده، وأن يفوضوا له الأمر، وأن يوطنوا أنفسهم على البذل والثبات ما دامت أنفاسهم تتردد في صدورهم، وألا يتعلقوا بموعد يأتي فيه النصر.

ومنها: زيادته رضي الله عنه في الأجل وفي الرهان، وفي هذا أعظم دليل على ثقة مطلقة بوعد الله الناجز.

لماذا اختار الله عز وجل هذه الحادثة دون غيرها للدلالة على أن ( وعد الله حق ) لا يخلف؟

الذي يظهر لنا في هذا الشأن مناسبتان:

الأولى: أن حركة الأمم وبهذا المستوى يتنازعها العديد من العوامل في قضية النصر والهزيمة، ولا يمكن لأحد البتة أن يتنبأ تنبؤا جازما بهزيمة أمة أو انتصارها، ولا أن يتنبأ على وجه الجزم أي من هذه العوامل سيكون له الكلمة الحاسمة في النهاية، بل إن كثيرا من القادة دخلوا حروبا وكانت كل الدلائل تشير إلى انتصارهم فيها، ثم حاقت بهم الهزيمة لسبب أو لآخر، وقد تبقى الأمور تسير باتجاه معين لفترة ليست بالقصيرة، ثم وفي آخر لحظة تسير بالاتجاه المعاكس تماما وتستقر فيه، ولذلك لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما ستؤول إليه أحداث بهذا الحجم يتنازعها أسباب وعوامل عديدة وبصيغة الجزم وخلال مدة محددة ليست بالقصيرة أيضا، إلا إله قادر عالم بخفايا الأمور، يدبرها حتى تصل إلى ما يريده لا تخطئه قيد أنملة، وهذا من دلائل وشواهد أن وعده حق وأن الأمر كله له من قبل ومن بعد وأن خفايا الأمور وحقائقها هي تحت سمعه وبصره.

الثانية: أن لها تعلق مباشرة بوعد الله للمؤمنين بالنصر، فهي بشارة للمسلمين، بأنكم منتصرون ظاهرون غالبون، طال الأمر أم قصر، وأن وعد الله لكم متحقق بالتمكين، فالذي أنجز وعده بنصر الروم على الفرس قادر على أن ينفذ وعده بنصركم وتمكينكم، مهما كانت الحسابات بعكس هذا الاتجاه، خاصة وأن السورة نزلت والمسلمون في مكة يعانون الأمرين فيها، وقد طال عليهم الأمد لأنها من أواخر ما نزل في مكة، فجاءت هذه السورة لتطمئنهم وتعدهم بالنصر مهما طال الوقت عليهم، ومما يؤيد ذلك وقوع حادثة نصر الروم في وقت صلح الحديبية، ويؤيده كذلك ما جاء في السورة صريحا من قوله تعالى ( فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين ).

فالاستدلال بمثل هذه الحادثة جاء يخدم معنيين: إنجاز وعده وتبشيرهم بالنصر

ما هي مناسبة الحديث عن التوحيد وغيره من المواضيع في مواضع عديدة لمقصد السورة؟

المتأمل في السورة يرى أن السورة تحدثت في مواضع عديدة عن التوحيد ونفي الشريك لله تعالى، وقد يستغرب الإنسان من ورود مثل هذا المعنى في سورة مقصدها يدور حول ( وعد الله الحق )، إلا أن تدبر مثل هذه المعاني في السورة يدلك على أن هذه القضية وهي قضية حتمية تحقق وعد الله، ليست قضية معزولة، بل هي مرتبطة بجملة من القضايا الموجودة في السورة، والتوحيد أحد هذه المعاني، تأمل قوله تعالى ( لله الأمر من قبل ومن بعد )، بمعنى أنه طالما أن الله واحد لا يشاركه في ملكه أحد ولا ينازعه في كبريائه أحد، وأنه الملك له والأمر له، وله وحده، فلا شك أن أمره ماض ووعده حق لا يتخلف ولا ينتقض، وأن كون وعده حق لا يتخلف هو لازم من لوازم تفرده بالخلق والأمر، وأن التوحيد أصل لتحقيق الوعد.

فوجود التوحيد كمعنى بارز في هذه السورة دليل على ارتباطه بمقصدها ارتباطا وثيقا

ومن المعاني البارزة في السورة أيضا بيان هذين الأمرين الذين لا يكادان يتفرقا وهما:

الملك والقدرة وهذا أيضا في مواضع عديدة، فالمالك للشيء المتصرف فيه لا يمكن أن يتخلف وعده.

ومنها: الحديث المستفيض عن الآخرة والساعة، فاستحضار معنى القيامة والحساب والجمع والجزاء مرتبط ارتباطا مباشرا بالوعد، لأن القادر على الإعادة والإحياء والحساب، وعلى إنجاز مثل هذا الأمر العظيم، قادر على تحقيق وعده في أمر أقل من هذا بكثير.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها تناول قضية مثل قضية الروم والفرس كشاهد ودليل على قضية مثل قضية حتمية تحقق وعد الله؟

من التشوهات الخطيرة التي أصابت تصور المسلمين عن دينهم، هو اقتصاره على الشؤون الفردية والعبادات المحضة بين العبد وبين ربه، وصار المسلمون – بسبب ابتعادهم عن القرآن – يتيهون في رؤى وأفكار بعيدة تماما عن الاتجاه الذي يدفعهم باتجاهه القرآن، وهذه السورة التي تدور حول قضية وعد الله وتحققه بنيت على حادثة دارت بين أمتين حتى خارج أمة الإسلام، مما يلفت نظر وعناية المسلمين إلى أهمية وضرورة العناية بحركة الأمم من حولهم، وعدم قصر نظرهم لا أقول على المستوى الفردي فحسب، بل حتى على مستوى داخل أمتهم، فالإسلام دين عالمي، وهو رسالة الله عز وجل للناس جميعا عربهم وعجمهم، شرقهم وغربهم، وليس خاصا بمعتنقيه فحسب، بل هو نور الله وهدايته للبشر جميعا، بل وحتى لمن وراءهم من الجن.

فلا بد من الانتباه والتركيز على عالمية أمة الإسلام، وتفاعلها مع مجريات الأحداث في بقاع العالم كلها، وعدم انكفائها في داخل حدودها أو بيئتها، فالإسلام رسالة عالمية يحتاجها العالم أجمع.

ومنها: أهمية التفكير المركب، ومراعاة تقاطع المصالح، فالمسلمون فرحوا بانتصار الروم على الفرس، ثم إنهم جيشوا الجيوش لمقاتلهم بعد سنوات قليلة، فالوحي يعلم المسلمين في مثل هذه المواقف أن يكون تعاملهم مع القضايا تعاملا ( مركبا ) وليس تعاملا ( مسطحا بسيطا ) إما عداوة كلية وإما اصطفاف كلي.

Map Shot 11

 

 

 

Map Shot 1

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved