العناية الإلهية قبل وأثناء المعركة
(العناية الإلهية بالمؤمنين قبل وأثناء وبعد المعركة)
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴿٥﴾يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴿٦﴾وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴿٧﴾لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴿٨﴾إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴿٩﴾وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴿١٠﴾إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴿١١﴾إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴿١٢﴾ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴿١٣﴾ذَٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ﴿١٤﴾يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ﴿١٥﴾وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴿١٦﴾ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴿١٧﴾ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴿١٨﴾إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴿١٩﴾
ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟
ابتدأ هذا المقطع بتشبيه حال بحال وهو متصل بما قبله والمعنى إما أن يكون: حال كراهية تقسيم الأنفال بحسب أمر الله كحال كراهية المؤمنين في بادئ الأمر لما هو خير لهم في الواقع، أو يكون المعنى: استقرت الأنفال لله والرسول استقرارا كما أخرجك ربك، رغم ما لاح من الكراهية والامتعاض في بادئ الأمر، وكلا المعنيين يؤول إلى أن ما كرهتموه من قسمة الأنفال على خلاف مشتهاكم سيكون فيه خير عظيم لكم حسب عادة الله في أمره ونهيه.
والمقصود من هذا الأسلوب: الانتقال إلى تذكيرهم بدلائل عناية الله عز وجل بهم حال خروجهم إلى بدر، وكأن المقطع يقول: اسمعوا وأطيعوا أمري في قسمة الأنفال لكم، فسيكون عاقبة أمركم فيه خيرا كما سبق وقدرت لكم الخروج إلى بدر ونصرتكم وكان عاقبة أمركم فيه خيرا إذ سمعتم وأطعتم. وهذا هو المعنى العام الذي يخيم على السورة كلها فبه تبدأ وعليه تستمر.
وقد أبدع نظم الآيات في التنقل من قصة إلى أخرى من دلائل عناية الله فجعل ينتقل من إحداها إلى الأخرى بواسطة إذ الزمانية، وهذا من أبدع التخلص، وهو من مبتكرات القرآن كما قال بعض أهل العلم.
ما دلالة استخدام كلمة ( أخرجك ) بدلا من ( خرجت ) مثلا؟
لما كان المقطع كله في رعاية الله وعنايته نسب فعل الإخراج إلى نفسه جل وعلا، لتستحضر النفس فعله وأن هذا الأمر كان منه وبتقديره وحياطته.
ما دلالة استخدام كلمة ( ربك ) ؟
الرب بمعنى السيد والمصلح والمربي، واستخدام هذه الكلمة بعد الإخراج إشارة إلى عناية الله ورعايته لعصابة المؤمنين يومها.
وقد تكرر لفظ الرب في هذا المقطع ثلاث مرات ولم يرد في غير هذا المقطع في السورة كلها.
ما دلالة إسناد الفعل ( سألقي ) إلى الله عز وجل؟
لم يقل الله عز وجل في هذه الآية ( فثبتوا الذين آمنوا وألقوا في قلوب الذين كفروا الرعب ) بل تولى هو بنفسه جل وعلا إلقاء الرعب في قلوبهم وفي هذا فائدتان:
الأولى: زيادة العناية والرعاية والحياطة وأن الله عز وجل تولاها بنفسه تكرمة للمؤمنين وبيانا لمزيد العناية بهم.
الثانية: بيان أن الأمر كله لله وحده لا لأحد غيره وأنه هو مسبب الأسباب.
وحتى فعل التثبيت من الملائكة ( فثبتوا الذين آمنوا ) جاء التثبيت قبله مسندا لله عز وجل ( ويثبت به الأقدام ) فنسب التثبيت لنفسه جل وعلا قبل أن يأمر به الملائكة.
ويدل على ذلك ما جاء بعها ( ولكن الله قتلهم ).
من المخاطب بقوله ( إن تستفتحوا .. ) الآية ؟
الجمهور على أن الخطاب موجه للمشركين فيكون الكلام اعتراضا خوطب به المشركون في خلال خطاب المسلمين وذلك بمناسبة قوله ( ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين )، وهذا الاعتراض فيه رسالة غير مباشرة للمسلمين مفادها: إياكم أن تكونوا مثل المشركين الذين شاقوا الله ورسوله فهزهم الله وأحناهم، رغم عددهم وعدتهم، وأن الله مع المؤمنين الصادقين الذين حققوا التصديق الحقيقي والطاعة في قلوبهم.
ما مناسبة قوله ( ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ) ؟
هذه الآيات جاءت في ذكر عذاب الآخرة بعد أن ذكر طرفا من عذابهم في الدنيا، فيكون الذوق إشارة إلى العقاب العاجل والنار إشارة إلى العقاب الآجل.
ما مناسبة قوله عقب ذلك ( يا أيها الذين آمنوا إذ لقيتم الذين كفروا .. ) ؟
بعد أن ذكر إهانتهم في الدنيا وإهانتهم في الآخرة، وبين حقيقة قدرهم وعاقبتهم، حرض المؤمنين عليهم بعد أن بين لهم قدرهم وحقيقتهم، وحذرهم من الفرار ممن حاله من الهوان والخذلان ما ذكر.
ما دلالة طلب الله عز وجل من الملائكة أن يثبتوا المؤمنين ( فثبتوا الذين آمنوا ) في مقابل تولي الله عز وجل إلقاء الرعب في قلوب الكافرين؟
هذا الثنائية هي حقيقة التوكل وهي جماع شروط النصر:
أولها: الأخذ بالأسباب
ثانيها: الالتجاء إلى الله.
والإخلال بواحدة منها إخلال بسلوك الطريق المؤدي إلى النصر، والمتأمل في الآية يجد مثل هذه الثنائية في ثنايا السورة كلها.
ما مناسبة تصدير النهي عن التولي في هذا المقطع بقوله ( يا أيها الذين آمنوا )؟ وما مناسبة وجود الكلام هنا؟
صدر الكلام بنداء الإيمان مخاطبة لهم به وكأنه يقول: طالما أنكم قد آمنتم فلا تتولوا يوم الزحف فإن ذلك مناقض للإيمان الذي تحليتم به.
أما ورود الأمر بالنهي عن التولي في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ) في وسط الحديث عن نعمة الله عليهم برعايتهم فكأنه يحمل الرسالة التالية: إياكم – أيها المؤمنون – أن تتولوا يوم الزحف، وكيف تتولون وقد أنعمت عليكم بالنصر والتأييد والتثبيت ونصرتكم وخذلت عدوكم ؟
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved