العلاج

(العلاج)

أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)

ما هو موضوع هذا المقطع وما هي مناسبته لما قبله؟

سبق وقلنا أن المقطع هذا يمثل الحل والعلاج للخروج من ربقة الكنود والجحود التي جبل عليها الإنسان، وهي استحضار الدار الآخرة وما سيكون فيها من بعث وحساب، من قبل رب عالم مطلع خبير بعباده، واستحضار مثل هذا اليوم وما سيكون فيه وما سيؤول إليه حال الإنسان من أعظم الدوافع إلى البذل والمسارعة في الجهاد في سبيل الله مهما كانت تبعات ذلك وتكاليفه، فإن من يعلم علم الحق اليقين أنه راجع إلى الله وأنه سوف يجزيه على كنوده شرا وعلى بذله وعطاءه خيرا، لن يتوانى في المسارعة والبذل.

ما هو تفسير الآية الأولى؟

استمر الحديث هنا بصيغة المخاطب الغائب، استمرارا للأعراض الذي بدأ منذ بداية المقطع الثاني، وجاءت هذه الصيغة هنا كأنها تقول لقارئها:

ألا يَعْلَمُ هذا الناكص عن الجهاد وتبعاته ما سيكون من جزاءه يوم القيامة على بخله وكفره بنعم الله، أفلا يعلم مآله؟

وهذا استفهام إنكاري بمعنى: ما له يتصرف وكأنه لا يعلم مآله يوم القيامة.

ما هي دلالة الحديث هنا بصيغة الغائب؟

يقال فيها ما قيل في سابقتها وهي استمرار لها، فكأن فيها إعراضا عن المخاطب إشعارا من المتكلم بغضبه عليه – إن استسلم لكنده وجحوده – فلذلك خاطبه بصيغة الغائب.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر البعثرة هنا؟

ذكر ابن فارس أن هذه الأفعال الرباعية ليس لها أصل وإنما هي منحوتة من فعلين، وقال بأن العين فيه زائدة وأنه من أصل ( بثر )، وقال الزمخشري أنه مأخوذة من أصلين البعث والنثر، فالبعث خروجهم أحياء، والنثر: الانتشار كنثر الحب، كما أن البعثرة تستخدم في قلب التراب عن الشيء، وفي وضعه بغير انتظام وفي إثارة الشيء واستخراجه ونثره، وكلها معان لا تجتمع إلا في هذه اللفظة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام ( ما ) هنا دون غيرها من الأسماء؟

استخدمت ما – التي تدل على غير العاقل – للإشارة إلى حال الموت التي يكون فيها الناس في تلك الساعة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر تحصيل ما في الصدور؟

يذكر ابن فارس في معجمه: أن الحاء والصاد واللام أصل واحد منقاس، وهو جمع الشيء، ولذلك سميت حوصلة الطائر ; لأنه يجمع فيها. ويقال حصلت الشيء تحصيلا.

وزعم ناس من أهل اللغة أن أصل التحصيل استخراج الذهب أو الفضة من الحجر أو من تراب المعدن; ويقال لفاعله المحصل. أهـ. وهذا فيه مقابلة لما ذكر سابقا من البعثرة فكأن التحصيل عكس البعثرة فكما أن البعثرة هي الإثارة فإن التحصيل هو الجمع.

وقيل أيضا أن التحصيل هو إخراج اللب من القشور، كإخراج الذهب من حجر المعدن، وهو أيضا بقية الشيء ومؤداه، ومنه حوصلة الطائر أي ما يجتمع فيها من بقية الطعام، وهذا فيه إشارة إلى جمع ما ينفع مما كان في القلب من العقائد المحركة على الخير والبواعث الدافعة للإنسان إلى الخلاص من ربقة جحوده ونكرانه لنعم ربه عليه، وفيه إشارة مهمة إلى أن الذي ينفع ويبقى ليست الأجساد ولا حسن الصور ولكن ما في الأجساد من أعمال القلوب، من ضمائر وأخلاق، ومن نوازع الخير والشر والتي تبنى عليها تصرفات وسلوكيات جوارح الإنسان.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام ضمير الجمع في هذه الآية؟

الحديث في طوله سابقا كان عن ( الإنسان )، فلماذا لم يكم السياق بهذا الخطاب، ولم يقل: إن ربه به يومئذ لخبير؟ وإنما جاء بصيغة الجمع ( إن ربهم بهم يؤمئذ لخبير )؟

والذي يظهر أن الخطاب لو كان مفردا لكان منصبا على جنس الإنسان عموما، إلا أن إيراده بصيغة الجمع هكذا فيه إبراز لمجموع أفراد ذلك الجنس، فكأنه ينبه الإنسان إلى أنهم سيأتون يوم القيامة أفرادا، كل واحد سيحاسب عما قدم وعما عمل، وفي هذا إبراز لقضية ( المسؤولية الفردية ) لكل فرد من أفراد هذا ( الإنسان ) في تحمل جزاء أعماله، وهذه قضية في غاية الأهمية خاصة في قضايا كبيرة مثل قضايا ( الجهاد ) فإن الإنسان في مثل هذه الحالات قد يقول في نفسه: وما الذي سيؤثر ما أقدمه أنا في مثل هذه القضية الكبيرة التي تحتاج الكثير من المال؟ لو أنني أبقيت ما عندي لنفسي فلن يتأثر عموم الجهاد لأن مثل هذا النقص اليسير لن يقدم ولن يؤخر.

فجاءت هذه الآيات بهذه الصيغة لتنبه الإنسان إلى المهم ليس تأثير ما تقدم من نفس ومال في هذه القضية الكبيرة، ولكن المهم هو أنك ستحشر وحدك يوم القيامة وستسأل عما قدمت أنت بشخصك لأجل هذا الدين، ولن تسأل عن تأثير ما قدمت في هذا الباب.

وهذا الباب من أعظم أبواب الشر التي يقع فيها كثير من الناس في مثل هذه الأحداث العظيمة.

ما دلالة تقديم الجار والمجرور؟

تقديمه هنا للاهتمام والإبراز.

ما دلالة ذكر كلمة يومئذ؟

من المعلوم أن هذا اليوم هو اليوم الآخر وأنه قد سبقه حياة الإنسان كلها في الدنيا، والله عز وجل في ذلك اليوم الآخر ( يومئذ ) قد اطلع على أحوال الناس، لا بعلمه فحسب، بل بما قدموه حقيقة في حياتهم الدنيا، بما يشهد عليهم شهادة لا تتخلف بعد طول معاينة لهم ولأفعالهم ونزعات أنفسهم، ومن هنا جاء ارتباط هذه الكلمة ( يومئذ ) بالكلمة التي بعدها تماما، لتدل على ما سبقها من حقائق واقعة مشاهدة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها استخدام لفظ ( الخبير ) بدلا من ( العليم )؟

الخبير فيها معنى زائد عن العلم، فإن العلم هو معرفة الأشياء كما هي عليه في حقيقتها، أما الخبرة ففيها معنى التجربة والمشاهدة والمعاينة والمعالجة، فالخبرة أمر زائد عن العلم، لأنها تفضل عنه بتجربة الشيء عمليا بعد معرفته نظريا، فقد يتعلم الإنسان ركوب الخيل نظريا مثلا ويعرف تفاصيل ذلك وأين يضع قدمه وكيف يحرك نفسه وكيف يهمز الخيل، فيقال لمثل هذا عالم، أما الخبير فهو الذي مارس ركوب الخيل وجرب هذا العلم، وأضاف إليه تجربة ومعالجة ومشاهدة، فهو أمر زائد عن مجرد العلم، وقل مثل هذا في أي صنعة أو حرفة فمن شاهدها فهو عالم ومن أتقنها فهو خبير، كالطبيب الممارس والنجار الماهر ومصلح السيارات وغيره.

Map Shot 1

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved