( الربح في حالة السراء )
( الربح في حالة السراء )
( وإن أصابته سراء شكر )
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
ما موضوع هذه الآيات وما مناسبتها لمقصد السورة؟
تحدث المقطع السابق عن إرشاد المسلمين الموحدين إلى طريق النجاة من الخسارة في حالة الضراء، ثم انتقل الحديث في هذا المقطع إلى هداية المسلمين إلى النجاة من الخسارة في حالة السراء، وفي السراء ينشغل المسلم بأولاده وزوجه وأمواله، فتلهيه عن البذل والسعي في الجهاد وفي الطاعات، فالأولاد كما قيل مجبنة مبخلة، ولأنها تشغل الإنسان عن السعي في الدرجات العلى يوم القيامة اكتسبت صفة العداوة، فهي مشابهة للعدو من هذا الباب، فالعدو – إبليس – يسعى إلى أن يكب الإنسان في النار، فإن لم يستطع سعى في تشتيته وإلهائه بالدنيا، إما بحلوها أو بمرها، حتى لا يكون في أعلى الدرجات يوم القيامة.
وأخبر عن كونهم فتنة لأنهم سبب فتنة سواء سعوا
ما هي المعاني التي ينتهي إليها وضع هذه الجملة في هذا الموضع ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا )؟
جاءت هذه الجملة عقب قوله ( إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم ) والذي يوهم القارئ المتعجل أنه ينبغي معاملة الزوج والأولاد معاملة العدو، وذلك لخفاء جهة العداوة، فإن العداوة هنا ليست أصلية وإنما هي من جراء غلبة العطف عليهم، فجاءت هذه الآيات لتصحح ذلك المفهوم، ولتأمر المسلمين بأن يتجاوزوا عن مثل هذا الأمر فإن الزوج والأولاد ليسوا أصحاب عداوة أصلية.
وهذا واضح في الآية التي بعدها إذ أخبر عن كونهم فتنة لأنهم سبب فتنة سواء سعوا في ذلك أم لم يسعوا فإن الشغل بهم فيه صرف عن العناية بالدار الآخرة.
ما مناسبة الإخبار بكون الأولاد والأموال فتنة في قوله ( إنما أولادكم وأموالكم فتنة )؟
هذا الإخبار هنا جاء بمثابة التعليل، أي أنها في بيان سبب كون الأولاد والأهل والأموال عدو، وهو أنهم فتنة بمعنى أنهم قد يودون بالإنسان إلى طريق غير الطريق التي يريدها الله عز وجل بسبب انشغال العبد بهم، وهذا سبب عداوتهم.
ما مناسبة ذكر الأزواج والأولاد في باب العداوة؟ والأموال والأولاد في باب الفتنة؟
الذي يظهر أن طي ذكر الأزواج في باب الفتنة كان بسبب ذكر الأولاد فالأولاد يلزم من وجودهم وجود أزواج، وأما طي ذكر الأموال في باب العداوة فإن الأموال ليست حية لتكون بنفسها عدوا، وإنما هي إلى الفتنة أقرب، وأما الأولاد فذكروا في الحالين لمناسبة كونهما عدو من جهة وفتنة من جهة أخرى.
ما مناسبة الأمر بالتقوى حسب الاستطاعة بعدها؟
لما ذكر عداوة بعض الأزواج والأولاد وكون الأموال والأولاد فتنة، علم أن بعض المؤمنين سوف يزهدون في الأزواج والأموال والولد بسبب تلك العداوة والفتنة الحاصلتين منهم، وربما عانى بعضهم مشقة من التوفيق في خدمة المصلحتين، الدنيوية والأخروية، خفف عنهم وسهل عليهم وأمرهم بأن يتقوه في حدود ما يستطيعون فخير الأمور أوسطها، فلا يفرط في ماله وولده، ولا يفرط في عبادته وبذله في سبيل دين الله عز وجل، وتقواه لله فإن مدار النجاة إنما هو عليها.
ما مناسبة ذكر السمع والطاعة والنفقة بعدها؟
ولما كانت التقوى مطلوبة ومأمور بها، كانت الوسائل الموصلة إليها مطلوبة أيضا، لذلك ألحق ذكر التقوى بذكر هذه الوسائل مباشرة، فأمر بعدها بالسمع والطاعة والنفقة.
وربما كان أيضا هذا من باب عطف الخاص على العام للاهتمام به، ولما كان سابقا قد ذكر عداوة وفتنة الأولاد والأموال والأزواج، دل هنا على حيثيات التقوى وسبل النجاة من هذه الفتنة، وهذه السبل هي:
السمع والطاعة
النفقة.
فالسمع والطاعة في مقابل الانشغال بالطاعات والبذل في سبيل الله باعتبار كون المذكورات مجبنة.
والنفقة في مقابل الشح باعتبار كون المكذورات مبخلة.
ما مناسبة التحذير بعدها من شح الأنفس؟
الشح هنا ليس قاصرا على البخل بالمال فحسب، بل إن النفس قد تشح بترك الشهوة من المعاصي فتفعلها، أو تشح بفعل الطاعات لتتركها، وتارة تشح بالمال، ومنشأ كل هذا من الشح وهو رأس الحية وأصل كل فتنة وضلالة.
ما مناسبة الحديث عن القرض هنا؟
قال بعض أهل العلم أن المراد بالقرض هنا ليس قاصرا على المال فحسب، بل يشمل المال وغيره من جميع الإمانيات التي جعلها الله لنا فتنة لنستخدمها في طاعته، وربما كان لهذا الأمر وجهة نظر، إلا أن استعارة لفظ القرض هنا فيها تأكيد على الدور المحوري للمال في تزكية النفس وتطهيرها.
وتأمل التلطف في الطب حيث جعل المنفق كأنه يعطي الله تعالى مالا وهذا من معاني الإحسان في معاملة العبد ربه.
ما مناسبة التذييل بقول الله عز وجل شكور حليم؟
هذا هو الموضع الوحدي في القرآن الذي جاءت به هذه الجملة ( شكور حليم )، والشكور هو الذي يجزي بالخير على فعل الصالحات، والحليم هو الذي لا يستخفه عصيان العصاة ولا يستفزه الغضب عليهم ولكنه جعل لكل شيء مقدارا فهو منته إليه.
والتذييل هنا فيه توجيه رباني فيما يظهر بالتخلق بهما، وخاصة فيما يتعلق بإصلاح الأسرة، وما يطرأ فيها، وذلك أن يقبل كل من الزوجين عمل الآخر بالشكر، ويقابل إساءته بالحلم، ليتم معنى حسن العشرة.
ما مناسبة ختام الآيات بقوله عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم؟
الذي يظهر أن الآيات استمرار في الحديث عن التلطف والترفق في الإصلاح، وجاء هنا بعلم الغيب والشهادة في حث المسلمين على التلطف والترفق في إصلاح الأزواج، فإن هذا مما لا يطلع عليه أحد إلا هو، فهو عالم الغيب والشهادة مطلع على ما سيكون بين الأزواج وبين الأبناء والآباء، فيجزي المترفق المحسن المتجاوز على ما رفقه وإحسانه، وهو الغالب الممتنع الذي يضع الأمور كلها في نصابها ويجري الأمور على ما فيه الحكمة والسداد.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved