الخندق وقريظة .. شاهدان على نصر الله

(شاهد حي على نصر الله وتأييده)

( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )

( ليجزي الله الصادقين بصدقهم )

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا(14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)

ما مناسبة هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة؟ وما مناسبة اختيار هذه السورة بالذات لهذا الموضع؟

في هذا المقطع يذكر الله تعالى لنا صورا من غزوة الخندق، وباسم الغزوة سميت السورة، ويستعرض لنا السياق هنا مواقف لتكون لنا عبرة ونورا نهتدي به في المواقف المشابهة التي ستمر على الأمة، فإنما هي سنن تتكرر مع اختلاف الظروف والوجوه والملابسات.

وذكرت هذه الغزوة خصوصا في هذا الموضع لأمور:

منها: كونها دليل حي قريب شاهدوه وعايشوه على أعظم كرب دهمهم، ثم إنهم توكلوا على الله واتقوه وثبتوا وصبروا وخالفوا ما أراده منهم المشركون من الرجوع عن دينهم، فأتاهم نصر الله ونعمته دون كلفة وقتال حتى، فكانت هذه الحادثة هدى لهم وإمام في معركتهم القادمة مع اجتثاث جذور الجاهلية وإصلاح الأسر والمجتمعات.

ومنها: تشابه ظروف هذه المعركة من الشدة واجتماع الأعداء مع ظروف المعركة الأخرى على الجبهة الداخلية من الشدة واجتماعهم أيضا، وهذا أهم ملامح غزوة الخندق مع المعركة الداخلية، وفي هذا إشارة إلى أن المعركة الداخلية أمرها خطير وشديد وأنه ستجتمع الأعداء عليهم فيها سواء كانوا خارجيين أو داخليين.

والمقطع كما هو مشاهد يقص علينا حال صنفين من الناس في هذه المرحلة:

الأول: المنافقون وكيف كان موقفهم فيها

الثاني: المؤمنون وكيف كان موقفهم فيها

ولما كانت غزوة بني النضير ملحقة بها تممت الغزوة الكلام فيها على هذه الغزوة.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها حكاية أقوال كل فريق في هذه الغزوة؟

المتأمل في هذا المقطع يرى أن لفظ القول ومشتقاته استخدم بكثرة هنا، وهذا والله أعلم للتنبيه على قضيتين مهمتين:

الأولى: العناية والانتباه إلى مقالات الأفراد في مثل هذه المواقف العصيبة التي يتميز بها الإيمان، والتي لا تحتمل إلا موقفا واحدا في صف مع الصفوف كما قال الله عز وجل في أول السورة ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه )، أي – كما ذكرنا – لا يحتمل في مثل هذه المواقع إلا الانحياز إلى جهة من الجهات، وكيف يعرف هذا الانحياز مع أنه لا يعلم ما في القلوب إلا الله جل وعلا؟ الجواب: بالأقوال، أما الأجساد فقد كان المنافقون مع المؤمنين في الجيش بأجسامهم لكن قلوبهم كانت في صف آخر تماما.

الثانية: خطورة الكلام وأثره على قلوب الناس في مثل هذه المواقف التي يكون فيه شدة وضيق، فلا ينبغي للإنسان إلا أن يتكلم بخير.

ما المراد بالذين في قلوبهم مرض هنا؟

ذكر الله هنا صنفين وذكر لهما قولا واحدا، فأما الصنفان فهما:

الأول: المنافقون.

الثاني: الذين في قلوبهم مرض.

وعبارة ( الذين في قلوبهم مرض ) إذا جاءت في القرآن يراد بها المنافقون عموما وهذا كثير في القرآن، لكن في هذا السياق جاءت معطوفة على المنافقين مما يدل على أن المراد بها شيء آخر لأن العطف يقتضي المغايرة، فدل هنا على أن المراد بالذين في قلوبهم مرض هنا هم: المؤمنون ضعاف الإيمان، أي أنهم لا يبطنون الكفر كما هو حال المنافقين، ولكنهم مؤمنون حقيقة في قلوبهم، إلا أن إيمانهم هذا ضعيف، وهذا ما دعاهم إلى ترديد قول المنافقين، وإن لم يكونوا منافقين حقيقة.

وهذه القضية التي أشار إليها القرآن من أخطر القضايا، وهي مسألة انجرار الكثير من ضعاف الإيمان في مواقفهم باتجاه موقف المنافقين، وهذا فيه إشارة إلى عدة أمور:

الأول: اختلاف الدوافع وإن تطابقت الأفعال، فالله عز وجل يعلمنا أن القول قد يكون واحدا إلا أن الدوافع قد تختلف، فينبغي النظر إلى الدوافع، لا إلى الأفعال فحسب.

الثاني: توجيه الناس عموما وأولي الأمر من الولاة والعلماء خصوصا – ممن خوطبوا بتغيير عادات الجاهلية – إلى العناية بإيمان عموم المجتمع وتعزيزه حتى لا يقع أغلبه فريسة لضعف إيمانهم ويغريهم المنافقون بالوقوع في أقوال مثل أقوالهم، فيكثر سوادهم ويظن الناظر المتعجل أن أكثر الناس في صف المنافقين وليس كذلك.

وأما حال هؤلاء ضعاف الإيمان الذين وصفهم الله عز وجل بقوله في قلوبهم مرض، فعرف حالهم باستقراء بقية أحوالهم فلما لم يقفوا في بقية شأنهم مع المنافقين علم أنهم ليس منهم إلا أن الشدة أودت بهم إلى هذا القول حين زادت عن طاقة احتمال الإيمان الضعيف في قلوبهم.

ما مناسبة وهداية الابتداء بالخطاب؟

ابتدأ المقطع بخطاب المؤمنين ( يا أيها الذين آمنوا ) تكريما لهم، فإن التوجه بالخطاب إلى المخاطب تشريف واهتمام، ولا غرو فإنهم أهله وأحقاء به، وهم الذين صبروا وثبتوا وتمسكوا بيقينهم، فحقر الله عدوهم ومن يكيد لهم وذكرهم بالنعمة لأن في ذكرها تجديدا للاعتزاز بدينهم والثقة بربهم وتصديق نبيهم صلى الله عليه وسلم.

ما دلالة قوله تعالى ( نعمة الله ) ؟

إضافة النعمة إلى الله تعالى في هذا الشأن فيه تركيز على قضية مهمة جدا ألا وهي: أن كل ما حصل للمسلمين من نصر وتأييد وخذلان لأعدائهم إنما هو من عند الله وحده وهذا ظاهر في عدة مواضع:

نعمة الله

أرسلنا – أي الله عز وجل -.

قل من ذا الذي يعصمكم من الله.

ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، فنسب الرد إليه وحده جل وعلا.

وأنزل الذين ظاهروهم

وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم

والملاحظ أن الأفعال السابقة كلها لم تأت منسوبة إلا لله جل وعلا.

وفي كل ما سبق تأكيد وتذكير للمؤمنين، بأن أمر النصر إليه وحده، فمن أراد النصر فعليه بالتوجه إلى الله وحده.

فابتدأ المقطع بالتذكير بنعمة الله وانتهى بالحديث عن فعل الله عز وجل ورده هو بنفسه جل وعلا لهؤلاء المشركين.

ما دلالة قوله ( لم تروها )؟

هذه العبارة في غاية الأهمية لأنها تلفت نظر المؤمنين إلى أن الله ناصرهم بأسباب لا يعرفونها، وأنه يقضي حاجتهم وهم لا يرون، فالواجب عليهم ألا يعبؤوا إن لم يظهر لهم وجه الأمن فإن له تدبيرا خفيا لطيفا لا يعلمه أحد، وليقبلوا بكليتهم على الله وطاعة أمره.

ما مناسبة التذييل بقوله تعالى ( وكان الله بما تعملون بصيرا)؟

هذه العبارة المذكورة بعد الحديث عن الرعاية الربانية للمؤمنين، دليل على أنا ما امتن الله به عليهم من النصر إنما كان بعد أن أبصر جل وعلا أعمالهم، فكان النصر جزاء منه لهذه الأعمال، ولكن ما هي يا ترى هذه الأعمال؟

الذي يظهر أن هذه الأعمال تنقسم إلى قسمين:

الأول: بدني: وذلك لجهادهم وما بذلوه من تعب وجهد في حفر الخندق وفي التجهيز للمعركة وما لاقوه فيها من جوع وبرد.

الثاني: قلبي: وهو ثباتهم وتوكلهم على الله واتباع ما يوحى إليهم، واليقين بصدق وعد الله عز وجل ( قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله )

هذه الأعمال هي التي استحقت الكرامة التي أكرمهم بها الله عز وجل من نصر لهم ورد لكيد أعدائهم، حتى قال الله فيهم ( لم ينالوا خيرا ) أي خير.

ما دلالة بناء فعل ( تمتعون ) لما لم يسم فاعله؟

جاءت العبارة هكذا للدلالة على أن تلك الحياة اليسيرة التي يحرصون عليها وذلك الزمن اليسير الذي يمكن أن يعيشوه ليس حاصلا منهم وأنه ليس بأيديهم أن يمتعوا أنفسهم، ولكن الذي يمتع هو الله سبحانه وتعالى.

ما دلالة استخدام كلمة رحمة هنا مع أن السياق في الحديث عن المنافقين؟

جاء ذكر لفظ الرحمة هنا مع أن الحديث عن المنافقين الذين لا يستقون رحمه لبيان شمول رحمة الله تعالى في هذه الحياة العاجلة لجميع خلقه، ولأن باب التوبة مفتوح لكل عاص، جاءت هذه اللفظة هنا لتغريهم بالتوبة والرجوع لعل الرحمة تأتيهم.

وجاء هذا في عدة مواضع في السورة:

منها : تعليق عذاب المنافقين على المشيئة ( ويعذب المنافقين إن شاء )

ومنها: ما جاء في تذييل الآية بقوله ( غفورا رحيما ).

ما معنى أشحة هنا؟

أشحة جاء فيها معنيان:

الأول: معناه أنهم يمنعونكم ما في وسعهم من المال أو المعونة.

الثاني: أنهم أشحة عليكم في الظاهر يعني يظهرون أنهم يخافون عليكم الهلاك فيصدونم عن القتال ويحسنون إليكم الرجوع عنه، وربما كان الثاني أقرب من الأول وأنسب للسياق.

ما دلالة ذكر الشح في موضع نعي جبنهم؟

البخل قرين الجبن دائما، فإن الجبان يبخل بماله ولا ينفقه في سبيل الله لأنه لا يتوقع الظفر فلا يرجو الغنيمة فيقول هذا إنفاق لا بدل له فيتوقف عن العطاء، وأما الشجاع فيتيقن الظفر والاغتنام فيهون عليه إخراج المال طمعا فيما هو أضعاف ذلك

ما المراد بتكرير قوله تعالى ( قل ) في الآيتين؟

التكرار لأجل الاهتمام بمضمون الجملة الثانية بخصوصها، لأنه لو قال في الأولى فقط ( قل ) لكان المعنى في الثانية أقل، أما لما أفردها بأمر مستقل، ( قل ) الثانية صار هذا إشارة إلى ضرورة الانتباه إلى المعنى الموجود في الجملة الثانية.

ما مناسبة التذييل بقوله ( وكان ذلك على الله يسيرا)؟

المراد به تحقيرهم وأن الله عندما أخرجهم من حظيرة الإسلام وأحبط أعمالهم لم يعبأ بهم ولا عد ذلك ثلمة في جماعة المسلمين.

ما دلالة ذكر الجار والمجرور ( من قبل )؟

هذا فيه إشارة إلى قرب عهدهم بهذا العهد الذي قطعوه على أنفسهم بالثبات، وأنه لا عذر لهم بطول أمد أو نسيان للنكوص.

ما مناسبة ذكر جملة ( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا.. ) هنا؟

يحسبون: لما ذكر السياق حال المنافقين والذين في قلوبهم مرض من فتنتهم المسلمين حين مجيء جنود الأحزاب انتقل الكلام إلى حالهم حين أنعم الله على المسلمين بانكشاف جنود الأحزاب عنهم، فأفاد أن انكشاف الأحزاب حصل على حين غفلة من المنافقين فلذلك كانا يشتدون في ملام المسلمين ويسلقونهم بألسنة حداد على أن تعرضوا لعدو كثير وكان الله ساعتئذ قد هزم الأحزاب فانصرفوا وليس للمنافقين وساطة في ذلك.

ولعلهم كانوا لا يدرون عن رجوع الأحزاب دون أن يأخذوا المدينة.

وكل هذا يشرح حالهم من الخوف والهلع حتى لا يدرون ما يجري حولهم.

ما دلالة قوله ( وأرضا لم تطؤوها )؟

اختلف المفسرون ما هو المقصود بقوله ( وأرضا لم تطؤوها ) فقال بعضهم مكة وقيل اليمن والشام وغيرها والمعنى يحتمل الجميع معا ولا تعارض، والفكرة من هذه الكلمة استحضار وعد الله بالسعة في النصر والتمكين بعد هذه الغزوات، على الرغم مما كانوا فيه من شدة وضيق.

أخرجابن أبي حاتمعنالسديقالحفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، واجتمعتقريشوكنانةوغطفان،فاستأجرهمأبو سفيانبلطيمةقريش،فأقبلوا حتى نزلوا بفنائه، فنزلتقريشأسفل الوادي، ونزلتغطفانعن يمين ذلك،وطليحة الأسديفيبني أسدفي يسار ذلك، وظاهروهمبنو قريظةمن اليهود على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نزلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بحضرةالمدينةحفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق، فبينما هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول في صفا، فطارت منه كهيئة الشهاب من نار في السماء، وضرب الثانية فخرج مثل ذلك، فرأى ذلكسلمانفقال : يا رسول الله، قد رأيت خرج من كل ضربة كهيئةالشهاب فسطع إلى السماء . فقال : «قد رأيت ذلك؟» . فقال : نعم يا رسول الله . قال : «يفتح لكم أبوابالمدائن،وقصور الرومومدائن اليمن» . ففشا ذلك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتحدثوا به، فقال رجل من الأنصار يدعىبشير بن معتبأيعدنامحمدأن يفتح لنامدائن اليمنوبيض المدائنوقصور الروم،وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل، هذا والله الغرور . فأنزل الله في هذاوإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

ما مناسبة قوله ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم )؟

مجيء البيان في هذا الموضع في غاية الأهمية لسببين:

الأول: بيان سبب تقدير الله عز وجل للشدة التي تصيب المؤمنين وأنه لم يرد بهم عنتا ولا مشقة ولكن لتمحيصهم ورفعة درجاتهم.

الثاني: أن مثل هذه العبارات مما يربط على قلوب المؤمنين ويثبت أقدامهم لأنهم مدركون أن هذه الشدة إنما هي لاختبارهم ولإظهار حقيقة ما في قلوبهم فيثبتوا ويصبروا ويُروا الله منهم ما يحب طمعا في جزاءه.

ما مناسبة التذييل بقوله ( وكان الله غفورا رحيما )؟

في هذا التذييل فتح باب التوبة والمغفرة للمنافقين، وإغراء لهم بالرجوع عما هم فيه، لعل الله يتوب عليهم ويغفر لهم.

 

Map Shot 2

 

 

Map Shot 3

 

 

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved