الخسارة الحقيقية في سورة التغابن

الخسارة الحقيقية في سورة التغابن

ما هي الأسماء الواردة فيها ؟

سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ «سُورَةَ التَّغَابُنِ» ، وَلَا تُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا وَلَمْ يَقَعْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ.

مكان نزولها؟

هِيَ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَعَنِ الضَّحَّاكِ هِيَ مَكِّيَّةٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا الْهِجْرَةَ فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ يَأْتُونَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْحَدِيثَ.

كم عدد آياتها ؟

وَعدد آيها ثَمَانِي عَشْرَةَ.

هل ثبت شيء في فضلها ؟

لم يثبت فيها شيء.

ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟

المتأمل في هذه السورة يجد أنها تنقسم إلى قسمين:

الأول: العشرة آيات الأولى من السورة، من بدايتها إلى قوله ( أولئك أصحاب الجحيم )

الثاني: الثمان آيات الأخيرة من السورة، من قوله ( ما أصاب من مصيبة ) إلى آخر السورة.

القسم الأول يتحدث عن الإيمان والكفر بشكل واضح ظاهر، وهذه المواضيع عادة مكية، لأنها تتحدث عن أمور العقيدة والمفاصلة بين الإيمان والكفر، أما القسم الثاني فهو يتحدث عن شيء آخر تماما في جو آخر تماما، فالحديث فيه ابتدأ بالإيمان بقضاء الله وقدره، ثم بالانشغال بالأولاد والأزواج، ثم انتهى الكلام بالحديث عن النفقة في سبيل الله، وهذه المواضيع تشبه أن تكون مدنية لأنها تتوجه بالخطاب إلى مسلمين لتحذرهم من الانشغال بالدنيا عن قضية الآخرة والبذل فيها، والذي يظهر أن هذا هو سبب الخلاف في كونها مدينة أو مكية، بسبب انقسامها إلى قسمين متمايزين يشبه الأول القرآن المكي ويشبه الثاني القرآن المدني.

فالسورة إذا تتحدث عن نوعين من الخسارة:

الأولى: خسارة الكافرين، الذين لم يعتبروا لا بالله وصفاته، ولا بأحوال من مضى من الأمم، ولا بما سيصيرون إليه من الجزاء والحساب، وسيبقون على غيهم وتكذيبهم حتى يجمعهم الله جميعا، وفي ذلك اليوم يشعرون بالخسارة الشديدة ولات حين مندم.

وفي هذا المعنى يروي الشيخان حديث عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: ” يُجَاءُ بِالكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا، أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ “

خسارة حقا ..

كان يطلب منه الإيمان فقط ليدخل جنات عدن خالدا فيها لكنه أعرض واستكبر فكان مصيره ما انتهت به الآيات.

الثانية: خسارة المسلمين الذين عندهم أصل الإيمان والتوحيد، لكن أشغلتهم الدنيا وانشغلوا بها فلم يدركوا المراتب العالية التي أدركها إخوانهم، ويمكن أن نقول أن القسم الثاني منها يدور حول معنى الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، فهو يدل المسلم على النجاة من الخسارة في حال الضراء أولا ثم في حالة السراء ثانيا.

المناسبة بين اسم السورة وهذا المعنى:

أصل الغبن هو النقص واستخدم في الخسارة في التجارة يقول ابن فارس ( الغين والباء والنون كلمة تدل على ضعف واهتضام، ويقال غبن الرجل في بيعه فهو يغبن غبنا وذلك إذا اهتضم فيه، وغبن في رأيه، وذلك إذا ضعف رأيه)،

يقول الراغب: ( الغبن أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال غبن فلان، وإن كان في رأي يقال: غبن وغبنت كذا غبنا إذا غفلت عنه فعددت ذلك غبنا )

ولهذا رجحنا أن معنى السورة يدور حول الخسارة، خسارة هذه الأصناف التي ذكرتها السورة وتحدثت عنها.

أما معنى ( الحقيقية ) فاستفدناه من تعريف الجزأين في قوله تعالى ( ذلك يوم التغابن ) فمعنى يوم التغابن: أي أنه يوم الخسارة الحقيقي، وأن الخسارة فيه هي الخسارة الحقيقية وليست الخسارة في الدنيا، فإن عدم أهمية غبن الناس في الدنيا جعل غبن الدنيا كالعدم وجعل الغبن محصورا في ما سيجري يوم القيامة.

ويبقى سؤال في المعاني التي ينتهي إليها اختيار وزن اسم السورة ( التفاعل ) وليس الغبن مثلا، ولم يظهر لنا في ذلك شيء ولعل الله ييسر لنا مستقبلا شيء في ذلك، أو يكون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لاحقا من يكشف له شيء من هذه المعاني.

ما هي أهمية مقصد السورة حتى تبنى عليه سورة كاملة؟

المقصد في غاية الأهمية، لأنه يبين للإنسان حقيقة الخسارة، الخسارة الحقيقية ليست في مصيبة تصيبك ولا في خير يفوتك، ولكنها الخسارة التي تكون في اليوم الآخر، فإن استقر هذا المعنى في نفس الإنسان، كان اليوم الآخر هو محط اهتمامه، وعلى أساس موازينه يحسب حساباته الخاصة بالربح والخسارة، وحاشا لكتاب الله أن يترك الإنسان دون أن ينبهه لما سيستقبل من خير أو شر، أو يتركه هملا دون أن يبين له كيف يربح الربح الحقيقي وينجو من الخسارة الحقيقية.

Map Shot 5

Map Shot 6

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved