(التكذيب سنة ماضية)

مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)

ما هو مقصد هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة ولما قبله من الكلام؟

فإن قال قائل: ما بال هؤلاء أعرضوا وألحدوا بعد كل ما ذكر من الدلائل والآيات؟

يجيب المقطع بكلام يحمل معنيين:

الأول: أن ما يقوله لك المعاندون هو دأب أمثالهم من المعاندين، فهذه سنة الأنبياء مع أممهم، فالشجرة واحدة والأسرة واحدة والتجارب واحدة والتكذيب واحد والاعتراضات واحدة.

وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبت له بالتعريض.

الثاني: أن ما أنزل إليك من القرآن والذكر هو نفسه ما أنزل على الرسل من قبلك، فأنت لست بدعا من الرسل فيكون لقومك بعض العذر في التكذيب ولكنهم إنما كذبوا كما كذب الذين من قبلهم.

وكلا المعنيين وارد ومتكرر في القرآن فلا بأس من أن يحمل عليهما معا فسبحان من وضع المعاني الكثيرة في الألفاظ الوجيزة.

ثم تمضي الآيات في وصف إلحادهم، وإثبات أن قصدهم العناد فيما يتعللون به ليواجهوا إعراضهم عن القرآن، فلو أننا أنزلناه على النبي صلى الله عليه وسلم بلغة أعجمية لا يتقنها لقلبوا معاذيرهم وقالوا: لولا بينت آياته بلغة نفهمها، وهذا تأكيد على أن هؤلاء القوم إنما هم معاندون لا تنفع معهم الحجة ولا ينقطعون عن المعاذير وإنما هو المراء والجدال، وكأن الآيات تقول لهم: قد أنزلناه رحمة بكم ورفعة لشأنكم إتماما لهديكم فلم تؤمنوا به وكفرتم به وتعللتم بالتعللات الباطلة فلو جعلناه أعجميا لقلتم: هلا بينت لنا حتى نفهمه، فلا عجب بعدها أن يكون هذا القرآن هدى وشفاء للمقبلين، وعمى ووقر للمعاندين الملحدين كما أرادوه هم لأنفسهم.

ما هي مناسبة ذكر موسى في هذا الموضع؟

وتأتي الآية التالية لتستكمل ما في الآيتين السابقتين من معان بطريقة ( ضرب الأمثلة ) والمثال المستحضر هنا هو موسى عليه السلام وقومه، فإن ما أنزل على موسى عليه السلام هو عين ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وما لاقاه من قومه هو ذات ما لاقه من قومه، ولولا أن الله قد قضى أمرا بتأخير أجلهم لأتاهم ما أتى فرعون من الاستئصال، وما أتاهم من تمثيل الآشوريين بهم بعد موسى، وبخراب بيت المقدس، وزوال ملك إسرائيل آخرا، وفي هذا تهديد للملحدين من جهة وتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من جهة أخرى.

ما هي مناسبة الآية ( من عمل صالحا .. ) للسياق وما قبلها من الكلام؟

هذا من مكملات التسلية ومن مناسبات ذكر الأجل المسمى وفيه معنى التذييل لما سبق، فكأن المعنى: هذا إعذار لكم أيها المعاندون لتتداركوا أمركم، وفيه أيضا تهديد لهم إن لم يقبلوا.

ما مناسبة الحديث عن البعث بعد ذلك؟

تخلصت الآيات من قوله ( وما ربك بظلام للعبيد ) إلى الحديث عن الآخرة تخلصا حسنا مبتدئة بقوله ( إليه يرد علم الساعة ) وهذا له عدة مناسبات:

منها: تتمة ما سبق من الحديث عنها في موضع سابق ( ويوم يحشر أعداء الله إلى النار ) على عادة السورة في التفنن في الأساليب.

ومنها: جواب على سؤال قد يخطر ببال من يقرأ الآية السابقة: متى يكون هذا الجزاء لمن عمل صالحا ولمن أساء؟

ومنها: حكاية لون آخر من ألوان الإلحاد وهو الاستهزاء بالبعث، فقد كانوا إذا أنذروا بالبعث استهزؤوا فسألوا عن وقت وكان ذلك يتكرر منهم وحكى القرآن ذلك في غير موضع، فنبه على أن علم الساعة إنما مرده إلى الله، وأن عدم علم النبي صلى الله عليه وسلم بها ليس حجة للتكذيب، فإن خروج الثمرات وحمل الإناث ووضعها من الأمور المشاهدة لا يعلمها ويعلم تفاصيل حالها إلا الله، وليس علم الساعة بأقرب منها وليس في عدم العلم به حجة على التكذيب.

ثم عاد الكلام إلى إلى شأن الساعة وإثباتها وذلك بذكر بعض أحداثها بشكل مفصل تخويفا لهم وزجرا، وجاء مشهد خاص وهو مشهد فيه تحير وضياع عن الأولياء ليقابل ما سبق من ذكر إحاطة الله بكل علم.

2019 04 12 21h19 53

Map Shot 1

 

2019 04 12 21h09 29

 

Map Shot 3

 

Map Shot 4

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved