التصرف في الملك
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
تقدير الكلام: هو الذي خلق الموت والحياة لتحيوا فيبلوكم أيكم أحسن عملا، وتموتوا فتجزون على حسب تلك البلوى
فيكون المعنى: أنه خلق الموت والحياة ليكون منكم أحياء يعملون الصالحات السيئات، ثم أمواتا يخلصون إلى يوم الجزاء فيجزون على أعمالهم بما يناسبها.
فذكر الموت والحياة ثم تخلص تخلصا لطيفا إلى ما يترتب عليهما من الآثار التي أعظمها العمل في الحياة والجزاء عليه بعد الموت.
ما مناسبة هذه القضية لمحور السورة؟
فيها مناسبتان:
الأولى:إن خلق الموت والحياة من أعظم الأدلة على الملك والقدرة، لأن الموت والحياة هي أعظم ما يجري على جنس الحيوان بشك عام وعلى الإنسان بشكل خاص.
الثانية: لتوقظ في نفس الإنسان ما وراء الموت من قصد وابتلاء، فإن خلق الموت والحياة إنما هي مراحل ليستكمل الإنسان شيئا أعظم وأكبر وهو الامتحان في حمل الأمانة.
كيف دل خلق الموت والحياة على الملك والقدرة؟
الموت والحياة صفتان تقعان على الحيوان، ولا شك أن من خلق هذ الصفات الواقعة على الحيوان، قد خلقه من باب أولى، فكأن الآيات تذكر خلق الموت والحياة بمعنى القدرة على إيقاعهما على الأنفس نطقا، وهذا يستلزم ملك هذه الأنفس من الأصل مفهوما.
ما مناسبة تقديم الموت على الحياة؟
قدم الكلام على الموت لسببين:
الأول: باعتباره المقصود الأهم من هذا الكلام فإنه هو الذي يتلوه الجزاء
الثاني: أن القدرة والقهر في الموت أظهر، وذلك أن معنى خلق الموت إيجاد أسبابه فهو تصرف في المخلوق الذي يستطيع أن يدفع عن نفسه ما يكرهه والموت مكروه فكانت الإماتة مظهرا عظيما من مظاهر القدرة والقهر فقدمها لقربها أكثر من موضوع السورة، بعكس الحياة التي تتضمن وصف النعمة مع القدرة، باعتبار أن الحياة نعمة من الله على خلقه.
والموت هنا يشمل الموت السابق للحياة والموت اللاحق لها، والحياة تشمل الحياة الأولى والآخرة، وكلها من خلق الله وحكمته في تدبير شؤون الكون، فإن الإنسان كان ميتا عدما، فأحياه الله وامتحنه بالأمانة فحملها، ثم أماته، ثم أحياه في حياته الدنيا ليقيم الحجة عليه في الأمانة التي حملها، ثم يميته، ليحييه بعدها ويجزيه على ما قدم.
ما مناسبة التذييل بقوله ( وهو العزيز الغفور ) لموضوع الفكرة والسورة؟
فيها مناسبتان:
الأولى: أن الله تعالى عقب بوصف نفسه بالعزة لما سبق من الكلام عن القهر والقدرة في خلق الموت والحياة، وثنى بوصف نفسه بالمغفرة لكي تستريح النفس وتطمئن بعد ذكر أمر الموت والحياة وما خلفهما من ابتلاء، فليست الغاية تعنيت الناس ولا تعذيبهم، وإنما هو تنبيههم لغاية وجودهم والارتفاع به إلى مستوى حقيقتهم وحقيقة تكريم الله لهم وتفضيلهم على كثير من خلقه، فإذا تم هذا فهناك الرحمة السابقة والعفو عن كثير.
والثانية: أن ذكر العزيز – أي الغالب الذي لا يعجزه شيء – مناسب لأهل النوع الأول من الجزاء الذي سيذكر لاحقا وأما الغفور فمناسب لأهل النوع الثاني الذي سيذكر لاحقا أيضا.
وفيها إشارة إلى صفتي القدرة والعلم اللتين لطالما مرتا في ثنايا الآيات.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved