الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بهما

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)

ما هو موضوع هذا المقطع وما هي مناسبته لمقصد السورة، وما مناسبة ذكر الأرض والأنفس هنا؟

هذا المقطع يدور حول الرضا والإيمان بالقضاء والقدر، وهذا مناسب لما ذكر آنفا من الجهاد في قوله ( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) ومناسب لما سيذكر لاحقا من الجهاد ومن الغرض الرئيس منه وهو ظهور الصدق في الإيمان، كما جرى ذكر الدنيا و ما فيها من أولاد وأموال، وكان ذلك كله مما تحدث فيه المصائب من قتل وقطع وأسر في الجهاد،ومن كوارث تعرض في الحياة من فقد وألم واحتياج، وجرى مثل الحياة الدنيا بالنبات والقلوب بالأرض وكان ذلك مما يعرض له القحط والجوائح، أتبع ذلك بتسلية المسلمين على ما يصيبهم.

ومثل هذه المصائب، مصائب الأرض كالقحط وفيضان السيول وتلف الأموال ومصائب النفس كالأمراض وقطع الأعضاء والأسر وموت الأحباب، هي الأشد وقعا وتأثيرا في النفس.

فيكون المعنى: أخبرتكم بذلك لتكونوا حكماء بصراء فتعلموا أن لجميع ذلك أسبابا وعللا وأن للعالم نظاما مرتبطا بعضه ببعض وفق تقدير سابق وحكمة من الله، وأن من فاته شيء بعد أن بذل أسبابه فإنما ذلك بتقدير الله وحكمته، فإذا استقر ذلك في قلب الإنسان المسلم رضي واطمأن وأقبل على ما يهمه من الأمور ولم يؤثر به التحرق على ما فات مما كتبه الله في سابق علمه، وهذا من أعظم النعم التي يمن الله بها على العبد، وهذا مقام المؤمن من الأدب بعد حلول المصيبة وعند نوال الرغيبة، فإن من حرم مثل هذا، تخبط في الجزع إن أصابه مصاب، واستطار خيلاء وبطرا إن أتاه ما يحب.

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved