الأدب مع الله وشرعه
بسم الله الرحمن الرحيم
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
هذه هو أول الآداب التي تحدثت عنها الآية وهو: امتثال أوامر الله ونواهيه والتلقي عنه في كل شأن، وهذا أعظم الآداب وأشملها وأسها ومصدرها.
ما مناسبة البدء بالنداء بصفة الإيمان في هذه السورة؟
إن المخاطبة هنا بالاسم الموصول وصلته وهي صفة الإيمان إشارة إلى ارتباط ما بعدها من المعاني والصفات والأوامر والنواهي بصلة الموصول هذه ألا وهي ( الإيمان )، وإن تكرار لفظة الإيمان هذه قبل كل أدب من الآداب دليل على الارتباط الوثيق بين الإيمان وبين كل واحد من هذه الآداب وهذا ما حدى بنا إلى ربط الإيمان بالآداب في مقصد السورة.
ولم يتخلف عن هذا الأسلوب إلا مرتين: أولها الحديث عن أدب الالتزام في حال مخالفة الهوى، والثاني الحديث عن الأدب مع المخالفين من المؤمنين حيث استخدم طريقة أخرى في الخطاب.
وفي البدء بهذا النداء قبل إلقاء الأحكام والتكاليف إشارة إلى الداعية إلى الله بأن يبدأ دعوته بالإيمان وأن يرسخ حقائقه في نفوس المدعوين فعندما تخالط بشاشته القلوب وترسخ جذوره فيها يعطي ثماره كل حين بإذن ربه.
ما دلالة ورود اسم ( الله ) في قوله ( يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) مع أن تقدم وتعجل الصحابة كان بين يدي الرسول عليه السلام ؟
القصد من ذكر (الله) هناهو تربية المهابة تعظيما لمقام الرسول عليه السلام.
فالمتقدم بين يدي رسول الله هو كالمتقدم بين يدي الله ..
لأن رسول الله مبلغٌ عن الله وممثل لمراده ومتكلم باسمه .
وهذاالأسلوب متكررٌ في القرآن الكريم نحو قوله :
( يخادعون الله والذين آمنوا )
والأصل أنهم يخادعون الذين آمنوا وإنما ذكرالله لإجلال هؤلاء المؤمنين فإن مخادعتهم هي مخادعة لله .
ونحو ذلك :
( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله )
والقصد من ذكر الله هنا هو تعظيم البيعة .
ما مناسبة ورود الاسمين الجليلين ( سميع عليم ) في الاية الأولى ، وما سرّ تقدم السمع على العلم فيها ؟
إن التقدم أول ما ظهر إنما ظهر بأقوالكم فناسب ذلك ورودُ صفة السمع .
ولما كان هناك صور من التقدم تدخل بالأفعال فناسب مجيء صفة العلم .
وفي لفظ ( عليم ) تهديد إذ يدخل فيه : عليم بأفعال الجوارح وأعمال القلوب .
والعلم باطلاع الله على الأقوال والأفعال والنوايا هو سبيل التقوى لذلك قال ( واتقوا الله ان الله سميع عليم )
وهناك نكتة لطيفة :
فتقديم السمع على العلم هو من باب تقديم الخاص على العام
اذا ان السمع خاص ،
والعلم عام والسمع داخل فيه ومقتضيه .
وتقديمُ الخاص على العام ظاهرٌ في نسق الآية :
إذ أن قوله ( لا تقدموا ) هو أمرٌ خاص
ثم قوله ( واتقوا الله ) هو أمرٌ عام والنهي عن التقدم داخلٌ فيه .
وبذلك تكون الفاصلة القرآنية متوافقة مع نسق الفعل في الآية .
كيف يكون التقدم بين يدي الله ورسوله؟
مثل هذا التقدم له عدة صور:
منها: التسرع بإطلاق الأحكام دون أن يتبين حكم الله ورسوله فيها
ومنها: أن يحكم بخلاف حكم الله ورسوله مع العلم بحكم الله فيتهرب من الحكم بأنواع التأويل الفاسد
وأسوأ هذه الصور أن يضاهي حكم الله ودينه بشرع الطاغوت أفرادا كانوا أو جماعات وأن ينازعه الألوهية، وأن يدعي بأن ذلك الحكم أعدل وأليق بأحوال البشر من شرع الله المطهر.
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved