أدب تلقّي الأخبار – الأدب مع الفساق

يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)

ما سبب نزول الآية؟

روي أن الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حيث بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ليجبي صدقات قوم كان بينه وبينهم شيء في الجاهلية فخاف وعاد وأخبره أنهم أرادوا قتله، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتيه بالخبر،  ثم تبين أن الأمر لاحقا بخلاف ما أخبر الوليد.

وليس في هذا حكم على الوليد بالفسق فإنه تكلم بالظن فوهم، وقد اتفق المفسرون على أن الوليد ظن ذلك كما في «الإصابة» عن ابن عبد البر وليس في الروايات ما يقتضي أنه تعمد الكذب، والله أعلم.

وعلى كل حال فإن الآية في عموم اللفظ لا في خصوص السبب.

ما مناسبة ذكر الفاسق هنا؟

الفاسق هو المخالف لأمر الله عز وجل في العموم، لأن أصل الفسق هو الخروج عن الطاعة، والمعنى هنا يحتمل أمرين:

الأول: أنه في عموم الفسق، أي إن أتاكم من عرفت عنه المعاصي فتبينوا خبره.

الثاني: أنه بمعنى الكاذب، والكذب هو الإخبار بغير الحقيقة سواء كان هذا عمدا أو خطأ، كما هي في لغة أهل الحجاز، فيسمى المخطئ كاذبا.

وفي الحقيقة فإن المعنيين قريبان من السياق:

فأما الأول: فإن من اشتهر بالمعاصي والمخالفات مظنة الكذب، فيجب على المؤمنين التحرز من أخباره، كما أن فيها تحذير للمؤمنين من التحديث دون بينة فإن هذا الخلق من شأن أهل الفسق لا من شأن أهل الإيمان.

وأما الثاني: فإنه عام في وجوب التثبت من الأخبار إذ إن الكاذب لا يعلم كذبه إلا بعد التثبت والتحرز.

فيصبح معنى الآية:أيها المؤمنون إن جاءكم رجل بخبر عظيم الخطر والشأن، فإما أن يكون الرجل مظنة الكذب فالواجب حينها التثبت، وإما أن يكون الرجل مجهول الحال فالواجب حينها أيضا التثبت، وإما أن يكون الرجل عدلا ثقة فهنا نعم.

ما مناسبة الآيات لما قبلها؟

جاء المقطعان السابقان في بيان الأدب مع الله ومع رسوله، ذلك الأدب الذي يقوم على التلقي عن الله ورسوله والاستجابة دون تلكؤ، وعلى التسليم والطاعة، ثم جاءت هذه الآيات لتبين أن المؤمن دقيق حذر، واع متثبت من الأقوال التي تأتيه، خاصة تلك التي لا تقوم على الصدق والتحري، فليس تسليم المؤمن لخبر الوحي وحقائق الدين يجعله مستغفلا عند أي خبر يأتيه، ويقبل الكلام على عواهنه دون تفحص.

وفي العموم فإن وضع هذا الأدب في هذا الموضع بعد الأدب مع الله ورسوله مباشرة دليل على أهمية التحلي بأدب تلقي الأخبار وأنه من أهم الآداب التي يجب على المسلم تعلمها واكتساب مهاراتها.

ما دلالة التنكير في قوله فاسق وقوله نبأ؟

التنكير هنا للعموم فكأنه قال: أي فاسق جاءكم بأي نبأ فتبينوا الحقيقة والبيان.

وفي الآية دليل على أن الخبر الواحد العدل حجة وأن شهادة الفاسق لا تقبل.

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved