مطلع السورة

(الفصل الأول)

​​ (مقدمة)

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ​​ ٱلرَّحِيمِ

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ ﴿١﴾ قَيِّما لِّيُنذِرَ بَأۡسا شَدِيدا مِّن لَّدُنۡهُ وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنا ﴿٢﴾ مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدا ﴿٣﴾ وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدا ﴿٤﴾ مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ​​ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَة تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبا ﴿٥﴾ فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ​​ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا ﴿٦﴾ إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَة لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلا ﴿٧﴾ وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدا جُرُزًا ﴿٨﴾

 

ما هو موضوع هذا الفصل، وما مناسبة الابتداء​​ به، وما مناسبته لمقصد السورة؟

هذا الفصل بمثابة المقدمة للسورة، وسيأتي بيان مناسبة كل فكرة في هذه المقدمة لمقصدها وكيف تدرج الكلام فيها شيئا فشيئا إلى أن وصل إلى الفصل الأول.

 

ما هي المعاني التي ينتهي إليها افتتاح السورة بالحمد؟

لا بد للقارئ المتدبر أن​​ يتتبع مكانة الحمد وسط آيات القرآن وفي افتتاح سوره حتى تتكون لديه فكرة كاملة عن الحمد في القرآن ثم هو يحدد مناسبة الحمد ههنا لمقصد السورة وما هي مناسبة افتتاح السورة هذه بالحمد.​​ 

سبع سور في القرآن تُفتتح بحمد الله أولها سورة الفاتحة، إنه لأمر جلل أن يُفتتح​​ الكتاب كله بالحمد لله رب العالمين، إنه لأمر جلل أن يفرض علينا تكرار هذا الحمد في كل ركعة في كل صلاة، إنه لأمر جلل أنه من لم يقر هذا الحمد فلا صلاة له.

هذا شأن البدايات وأمر الاستفتاح، فما ظنك بالخواتيم ونهايات الأمور؟​​ 

تكرر في القرآن أن أواخر كل شيء تكون دوما بحمد الله، انظروا معي كيف يلهج أهل الجنة بحمد الله بعد أن استقروا فيها منعمين مكرمين:

(وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق)

(وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور)​​ 

(وقالوا الحمد​​ لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين)​​ 

ثم ختاما وتأكيدا على أن عاقبة أمرهم كله هي الحمد:

(دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)​​ 

فكأن آخر ما يقول أهل الجنة هو (الحمد لله رب العالمين)​​ 

ثم المشهد المهيب في ختام سورة الزمر، المشهد الذي يتوقف عنده الإنسان وهو يتنهد راحة وطمأنينة وفرحا، حين تصل الأمور إلى غاياتها وحين تنتهي كل الدنيا بابتلاءاتها وحين تنقضي أهوال يوم القيامة وفزع مشاهد الحساب وحين يستقر أهل النعيم في الجنات ويمكث أهل النار في العذاب وحين لا يبقى موت بل حياة إلى الأبد وخلود لا ينقطع، في هذه اللحظات ترى هذا المشهد:

(وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين)​​ 

كأنما الكون كله يقول الحمد لله رب العالمين لا الملائكة وحدهم، كأنه ما قامت الدنيا إلا لأجل ذلك المشهد ولأجل ذلك القول، كأنه حتى وهناك من يعذب في النار فإن الحمد لله رب العالمين لأنه لم يترك عباده سدى ولم يخلقهم عبثا ولم يُسوِّ بين المؤمنين والكفار ولم يجعل المتقين كالفجار.

فتأمل كيف كان حمد الله بداية كل شيء ومنتهاه، كيف بدأت به قصة الخلق وكيف خُتمت به، كيف لهجت به ألسنة المؤمنين في الدنيا شكرا وعرفانا فألهموه في الجنة حبا وامتنانا، فإن من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بُعث عليه، ولعلنا إن عشنا على الحمد متنا عليه وبعثنا عليه وكان آخر دعوانا أن الحمد لله رب​​ العالمين.​​ 

والحمد هنا تلقين للمؤمنين أن يحمدوا ربهم، وقيد هذا الحمد بنعمة خاصة في هذا الموضع وهي إنزال الكتاب:

فما هي المعاني التي ينتهي إليها تخصيص الحمد بالحمد على إنزال الكتاب؟

المتأمل في القرآن يرى أن هناك سبع سورة افتتحت بالحمد، واختلف مناط الحمد بين​​ السور ليناسب مقصدها، فجاء في الفاتحة عامة منوطا بالربوبية (الحمد لله رب العالمين) وجاء منوطا بالملك في سورة سبأ التي تحدثت عن استضعاف المؤمنين (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة)، وجاء منوطا بابتداء الخلق وزيادته في سورة غافر​​ التي تحدثت عن مفاتح الرحمة التي يملكها من بدأ الخلق ومن يزيد فيه ( الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة .. ) الآيات.

أما هنا فجاء الحمد منوطا بإنزال الكتاب، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب، وهذا المعنى في غاية العمق والبعد، وطالما أن السورة تتحدث عن العواصم من الفتن، فكأن الافتتاح بالحمد على إنزال الكتاب يقول للقارئ المتدبر:

أن احمد الله أن من عليك بهذه النعمة العظيمة – نعمة تنزيل الكتاب- حتى يكون لك حفظا وعاصما من الفتن.​​ 

تريدك هذه السورة كل ما قرأتها أن تنسى مخاوفك وهمومك وما يعرض لك في طريقك​​ إلى الله، وأن تتذكر نعمة كبرى وحيدة: هذا الكتاب، تريدك كل ما قرأتها أن تأوي إلى كهفها بعيدا عن ضجيج العالم ومآسيه لتتزود من صحبة القرى، وتحصل من الطمأنينة والسكينة ما تعود به مرة أخرى إلى خوض الحياة ومواجهة الفتن.

كما أن البداية بالحمد على إنزال الكتاب له​​ دلالة مهمة، إذ أن من أهم ما ورد في سبب نزول السورة ما روي حين ​​ بعثت قريش النضر بن الحارث، وعُقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصِفُوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهودَ عن رسول الله ﷺ، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ، فإن أخبركم بهنّ فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فَرَأوا فيه رأيكم: سلوه عن فِتية ذهبوا في الدهر الأوَّل، ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف، بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فإنه نبيّ فاتَّبعوه، وإن هو لم يخبركم، فهو رجل متقوّل،​​ فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضْر وعقبة حتى قَدِما مكة على قريش، فقالا يا معشر قريش: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهودَ أن نسأله، عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله ﷺ، فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم​​ رسول الله ﷺ: أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سألْتُمْ عَنْهُ، ولم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله ﷺ خمس عشرة ليلة، لا يُحدِث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وَعَدَنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، وحتى أحزنَ رسول الله ﷺ مُكْثُ الوحي عنه، وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبرائيل عليه السلام، من الله عزّ وجلّ، بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفِتية والرجل الطوّاف، وقول الله​​ عزّ وجلّ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا﴾ [قال ابن إسحاق: فبلغني أن رسول الله ﷺ افتتح السورة فقال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾ يعني محمدا إنك رسولي​​ في تحقيق ما سألوا عنه من نبوّته ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا﴾ : أي معتدلا لا اختلاف فيه.

فجاء الأمر بالحمد على إنزال الكتاب وما فيه من الأجوبة الشاهدة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ما هي المعاني التي ينتهي إليها اختيار لفظة عبده لبيان محل نزول القرآن؟

لا شك أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن السياق ذكره بلفظ العبودية مضافا إلى الله عز وجل، فلم يقل أنزل على رسوله مثلا، أو على محمد، أو على النبي، وهذا الاختيار ينتهي إلى معان:​​ 

الأولى: اختيار لفظ العبودية للتأكيد على عبوديته لله​​ صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه إشارة وتعريض بالنصارى حين قال: اتخذوا ولدا، وكأنه يقول: أن الاصطفاء لا يعني أن يكون ولدا لله، وإنما الكل عبد لله جل وعلا، وكلهم محتاج للوحي،​​ 

الثاني: نسبته لنفسه، وهذا غاية التشريف فكأنه قال: الحمد لله الذي أنزل القرآن على عبد​​ رفيع الشأن من عباده.​​ 

والثناء على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظة العبودية دليل على عظم هذه المرتبة وعظم شأن من تلبس بها.

والاقتران بين ذكر العبودية وذكر الكتاب يخبرك أنه: على قدر حظك من العبودية يكون حظك من الهداية بهذا الكتاب والاستقامة به.

ما مناسبة نفي​​ العوج عنه؟

نفي العوج من تمام المنة والنعمة على عباده في هذا الكتاب، وقيل في نفي العوج أقوال كثيرة​​ 

 

ما مناسبة التثنية بوصفه بكونه قيما؟

قيل في القيم معان:​​ 

منها: معتدل مستقيم: أي مستقيم في نفسه لا اختلاف فيه ولا تفاوت، يصدق بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض،​​ ويكون مؤكدا لنفي العوج عنه.

ومنها: مقيما لعوج غيره: فيكون قيما​​ 

ومنها: قيما أي مهيمنا على غيره من الكتب والشرائع يصدقها ويحفظها، فيكون الكلام هنا متمما لما سبق، فكونه ليس له عوج ففي ذاته، وكونه قيما على غيره فهذه مرتبة أعلى.

ومنها: قيما أي قائم على هدي الأمة وإصلاحها، والمراد أنه كماله متعد بالنفع،​​ 

والراجح أنه يشمل كل هذا ولا تعارض بين هذه الأقوال بل يكمل بعضها بعضا، فتأمل كيف يجمع الله المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وإن كان الأولى حمل الكلام على معنى آخر.

وأبعد بعضهم أنه تأكيد لنفي العوج وقال أن الجمع بين لم يجعل له عوجا وقيما كالجمع بين لا ريب فيه وهدى للمتقين، وهو قول جيد.

ما مناسبة ذكر النذارة والبشارة بعد ذلك؟ وما مناسبة تقديم النذارة على البشارة؟

هذا لبيان مقاصد القرآن، وكل دعوة لا تحمل النذارة والبشارة في بطنها دعوة فارغة.​​ 

وقدمت النذارة لموافقة​​ الحال، فإن السورة نازلة في المرحلة المكية ومخاطب بها المشركون بداية، كونهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه القصص.

ما هي المعاني التي ينتهي إليها قوله جل وعلا: من لدنه؟​​ 

من لدنه: أي من عنده، وهذا فيه زيادة تهديد، فإن التهديد بالبأس الشديد شيء، والتهديد ببأس شديد من عند الله مرتبة أعلى وأخطر، فإن ذكر مصدر هذا التهديد والوعيد أوقع في النفوس خاصة وأنه من الله العلي العظيم.

ما مناسبة وصف المؤمنين بالعمل الصالح في صيغة المضارع؟

هذا دليل على استمرارهم في العمل الصالح، وإرداف العمل الصالح بالإيمان مهم جدا ومن المعالم البارزة في القرآن عامة وفي هذه السورة خاصة كما سنرى.

والجملة هذه تشير إلى معنى مهم: ألا وهو أن العمل الصالح هو الدليل الظاهر على الإيمان الباطن في القلب، فإن الإيمان أمر لا تدركه الحواس، وأما دليله فهو ما تدركه الحواس من العمل الصالح، عبادة لله وإحسانا لخلقه.

ما مناسبة ذكر مكثهم في الأجر الحسن؟

هذا المكث الطويل سيكون في مقابل الحركة المستمرة على طول السورة كما سيأتي، فكأن المؤمنين الذين ملؤوا حياتهم بالعمل الصالح ونجحوا في اختبار (أيهم أحسن عملا)، وضربوا في الأرض يمنة ويسرة إما آوين إلى كهف أو داعين إلى الله أو طالبي علم أو متمكنين في الأرض لتكون كلمة الله هي العليا، لا بد أن يكون نصيبهم بعد كل هذه الحركة أجرا حسنا لا يحولون منه ولا يزولون.

وكلمة فيه: تدل على انغماسهم غمسا في النعيم كما جاء في الحديث.

ما مناسبة ذكر نذارة الذين ادعوا ولدا لله عز وجل؟​​ 

هذه هي المرة الثانية التي تذكر فيها النذارة: فقد جاء آنفا (لينذر بأسا شديدا من لدنه) وجاء ههنا ( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) وتكرار النذارة هنا يدلك على جو السورة​​ 

كان المتبادر للذهن أن يقال الذين كفروا مثلا، أو اتخذوا آصناما آلهة باعتبار السورة مكية، ونازلة في مكة تخاطب المشركين، إلا أن السياق مضى في طريق آخر وخص النذارة بالذين قالوا اتخذ الله ولدا، فلماذا يا ترى؟​​ 

قال بعضهم أن قوله اتخذ اله ولدا: يشمل اليهود حين قالوا عزير ابن الله، والنصارى حين قالوا المسيح ابن الله، والمشركين حين قالوا الملائكة​​ بنات الله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.​​ 

والذي يظهر أن للأمر علاقة خاصة بالمسيح عليه السلام، خاصة أنه هو الذي سيقتل الدجال، والمسيح عليه السلام خلق بغير أسباب، والدجال يملك كل الأسباب بإذن الله.

ومما يعضد قوله تعالى (كبرت كلمة)، والمسيح كلمة الله.

وقوله كبرت كلمة، دليل على أن بعض الكلام أكبر من صاحبه، وفيها دليل على حلم الله الذي يسمع مثل هذا من عباده ثم هو يرزقهم ويكلؤهم.

ما مناسبة ذكر الآباء هنا؟

ذكر الآباء هنا في غاية الأهمية، وهو يشير إلى أن شركهم هذا لم يكن قائما على الحجة والبرهان، وإنما كان شركا موروثا عن الآباء والأجداد، وكأن هذه الآية تحرك قلوبهم لتصغي إلى كلام الله وإلى آياته المبثوثة على طول السورة كما سيأتي، والحديث في هذه السورة عن الآيات من المعالم البارزة فيها أيضا.

والحديث عن الآباء وتقليدهم في الشرك جاء في القرآن في مواضع كثيرة.

ما مناسبة قوله تعالى بعدها: فلعلك باخع نفسك .. الآية؟

باخع: أي قاتل نفسك ومهلكها، والبخع الذبح الكامل النهائي، والآية إن صح التعبير تصب في سياق (الصلابة النفسية للداعية)، الذي يرى الناس تتساقط في الفتن فتنة وراء فتنة وهو يبصرها وهم لا يبصرونها، أعينهم في غطاء عنها ولا يستطيعون سمعا.

وقد يخيل للقارئ المتعجل أن هذا المعنى لا مكان له ههنا، أو أنه بعيد عن السياق، إلا أن القارئ المتدبر يعلم أن السياق جاء بهذه الآية هنا لينبهنا أصلا عن غفلتنا عن هذا المعنى في هذا السياق، وفي هذا المكان في الذات، وهنا وجه من أوجه إعجاز​​ القرآن فهو تنزيل البصير بخفايا النفس البشرية التي تعلم ما يجتاحها في مثل هذه الحالات وما يلزمها من طب.​​ 

فحري بالقارئ المتدبر أن يعيد تشكيل أولوياته واعتباراته في سياق مقصد السورة، على وفق ما جاء فيها، وهذا هو بيت القصيد في البحث عن المناسبات: أن تعيد ترتيب​​ نظرتك لهذه القضية وما يلزم فيها على حسب ما نزلت به السورة من ترتيب.

ما مناسبة الختام بهاتين الآيتين (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها .. الآيتين؟

هاتان الآيتان محوريتان جدا في هذه السورة، فهي تعطيك العلاج النافع الصالح للنجاة من كل الفتن التي ستأتي، وهي:​​ 

استحضار دور الفاعل الحقيقي في هذه الدنيا: إنا جعلنا​​ 

معرفة حقيقة الموجودات في الدنيا: زينة

سبب وجود هذه الزينة: لنبلوهم أيهم أحسن عملا.

مآل هذه الدنيا وسرعة انقضاءها وزوالها عاجلا أم آجلا ليوم الحساب والجزاء: لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا.​​ 

فالفتن في حقيقة​​ أمرها​​ 

ما هو معيار الحسن في قوله جل وعلا: أيهم أحسن عملا؟

لا بد أن ننظر إلى السياق​​ 

الحسن ههنا أيهم أغلب لفتن الدنيا الزائلة، سواء كانت فتنة دين، أو فتنة مال وبنين، أو فتنة علم، أو فتنة سلطة وتمكين، ولكل حال من هذه الأحوال يناسبها عمل أحسن خاص بها.​​ 

 

 

 

 

 

 

جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved