فتنة العلم في قصة موسى والخضر عليهما السلام
(فتنة العلم)
(قصة موسى والخضر)
وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبا ﴿٦٠﴾ فَلَمَّا بَلَغَا مَجۡمَعَ بَيۡنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ سَرَبا ﴿٦١﴾ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَىٰهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدۡ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبا ﴿٦٢﴾ قَالَ أَرَءَيۡتَ إِذۡ أَوَيۡنَآ إِلَى ٱلصَّخۡرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلۡحُوتَ وَمَآ أَنسَىٰنِيهُ إِلَّا ٱلشَّيۡطَٰنُ أَنۡ أَذۡكُرَهُۥۚ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُۥ فِي ٱلۡبَحۡرِ عَجَبا ﴿٦٣﴾ قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبۡغِۚ فَٱرۡتَدَّا عَلَىٰٓ ءَاثَارِهِمَا قَصَصا ﴿٦٤﴾ فَوَجَدَا عَبۡدا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَة مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡما ﴿٦٥﴾ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرا ﴿٦٧﴾ وَكَيۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرا ﴿٦٨﴾ قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرا ﴿٦٩﴾ قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعۡتَنِي فَلَا تَسۡـَٔلۡنِي عَن شَيۡءٍ حَتَّىٰٓ أُحۡدِثَ لَكَ مِنۡهُ ذِكۡرا ﴿٧٠﴾ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَاۖ قَالَ أَخَرَقۡتَهَا لِتُغۡرِقَ أَهۡلَهَا لَقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـًٔا إِمۡرا ﴿٧١﴾ قَالَ أَلَمۡ أَقُلۡ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرا ﴿٧٢﴾ قَالَ لَا تُؤَاخِذۡنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرۡهِقۡنِي مِنۡ أَمۡرِي عُسۡرا ﴿٧٣﴾ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰما فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡس لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔا نُّكۡرا ﴿٧٤﴾۞ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرا ﴿٧٥﴾ قَالَ إِن سَأَلۡتُكَ عَن شَيۡءِۭ بَعۡدَهَا فَلَا تُصَٰحِبۡنِيۖ قَدۡ بَلَغۡتَ مِن لَّدُنِّي عُذۡرا ﴿٧٦﴾ فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَيَآ أَهۡلَ قَرۡيَةٍ ٱسۡتَطۡعَمَآ أَهۡلَهَا فَأَبَوۡاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُۥۖ قَالَ لَوۡ شِئۡتَ لَتَّخَذۡتَ عَلَيۡهِ أَجۡرا ﴿٧٧﴾ قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيۡنِي وَبَيۡنِكَۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأۡوِيلِ مَا لَمۡ تَسۡتَطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرًا ﴿٧٨﴾ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبا ﴿٧٩﴾ وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنا وَكُفۡرا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرا مِّنۡهُ زَكَوٰة وَأَقۡرَبَ رُحۡما ﴿٨١﴾ وَأَمَّا ٱلۡجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيۡنِ يَتِيمَيۡنِ فِي ٱلۡمَدِينَةِ وَكَانَ تَحۡتَهُۥ كَنزٞ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَة مِّن رَّبِّكَۚ وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرا ﴿٨٢﴾
ما هو موضوع هذا الفصل، وما مناسبته لما قبله؟ وما مناسبته لمقصد السورة؟
هذه ثالث أربع قصص في هذه السورة المباركة، وجاءت للحديث عن الفتنة الثالثة، والفتنة المقصودة في هذه القصة هي فتنة العلم كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا البَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ؟ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ العِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلَا حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا، فَانْسَلَّ الحُوتُ مِنَ المِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَبًا، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ المَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ) قَالَ مُوسَى: (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ الخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى، فَقَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ، قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا، وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ، لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ، فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي البَحْرِ، فَقَالَ الخَضِرُ: يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَنَقْرَةِ هَذَا العُصْفُورِ فِي البَحْرِ، فَعَمَدَ الخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ، فَنَزَعَهُ، فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا - فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا -، فَانْطَلَقَا، فَإِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلَاهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَوْكَدُ - فَانْطَلَقَا، حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ الخَضِرُ: بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا، قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ " قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا»
وأصل الأمر أن الله عاتب موسى عليه السلام على أنه لم يرد العلم إليه جل وعلا، ولذلك ترجم البخاري رحمه الله على الحديث (بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَيَكِلُ العِلْمَ إِلَى اللَّهِ).
ما هي المعاني التي ينتهي إليها بدء القصة بقوله تعالى: وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح .. الآية؟
طريقة القرآن ببدء القصة عجيبة، فهي تبدأ في لحظة معينة، فهي تبدأ في لحظة يكون فيها موسى عليه السلام جالسا مع غلام له، وهو يقول له: لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي عقبا؟
وهنا تبدأ التساولات يتلو بعضها بعضا: أين هما؟ ومن أين أتيا؟ وإلى أين يذهبان؟ ولماذا ترك موسى عليه السلام قومه؟
وههنا تأتي الأحاديث لتبين خلفيات القصة وهذا يؤكد على أهمية الآثار في فهم القرآن.
لكن يبقى السؤال عن هذه البداية، كلمات قالها موسى عليه السلام لغلامه، وما فيها من عزم وإصرار على بلوغ الغاية مهما كانت النتيجة
ما هي المعاني المستفادة من قصة موسى مع الخضر عليه السلام بحسب ما ورد في الأثر؟
أولا: دوام الافتقار إلى الله
ثانيا: ينبغي على الإنسان ألا يتسبب في فتنة الدعاة والعلماء، وجواب موسى عليه السلام قد يضيع في خضم بذله وحياته في سبيل الله ووقوفه في وجه أكبر العتاة، وعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه دليل على علو مكانة الأنبياء عند الله،
ثالثا: كمال أخلاق الأنبياء عندما سأل الله عز وجل أن يعرف الرجل على الرغم من عدم احتياج موسى لعلم ذلك الرجل لعدم تعلقه بمهمة موسى في هداية بني إسرائيل. لم يحسد موسى ذلك الرجل وإنما سأل الوصول إليه ليتعلم منه، بخلاف موقف قابيل من عدم قبول الله عز وجل قربانه، فحين لم يتقبل منه، لم يقل: علمني ولا أرشدني ولكن قال لأقتلنك، فالواجب على الإنسان مهما بلغ من العلم أن يجلس مجلس المتعلم، فموسى عليه السلام الذي هو كليم الله ونبيه المكرم، يذهب إلى رجل أقل منه منزلة ليتعلم منه.
على الرغم من حرصه على معالي الأمور وحزنه حين بلغه أن هناك من يبعث ويكون أكثر تابعا منه.
رابعا: ترك موسى عليه السلام لقومه لأجل التعلم، وهنا مشكلة التعارض الظاهري بين العطاء والبناء، وهنا لا بد للداعية أن يكون له فترات يزداد فيها يرتقي إلى مراقي أعلى، فترات خلوة أو إعادة تفكير.
خامسا: أخذ الفتى دليل على عدم مبالاة موسى بأن يكون متعلما أمام تلميذه يوشع بن نون، وهذا يزيد صورة العالم أمام الأتباع ويضعهم على الطريق الصحيح.
سادسا: النضج في العلاقات مغادرة يوشع ومغادرة موسى
سابعا: فقه الثغور: أنا على علم لست تعلمه وأنت على علم لست أعلمه، وليس كالسامري حين قال (بصرت بما لم يبصروا به) فيقول أنا عندي وأنا أعلم وتذكر الأنا في أول قصة صاحب الجنتين.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها: بداية القصة بحادثة نسيان؟
رحل موسى عليه السلام وتلميذه معه حيث أمره الله يبحث عن العبد الصالح ليتعلم منه فكان النسيان أول عوارضه، فكان هذا درسا للإنسان أن أول آفات العلم النسيان (ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما).
والملاحظ ايضا في هذه الجزئية كثافة حضور لفظ النسيان في هذا الموضع، لتنبيه القارئ المتدبر على خطورة النسيان وحاجته للتذكر الدائم ولا يكون هذا إلا بالمداومة على كتاب الله، فإن جاءت مصيبة أو حدث أمر كان الإنسان جاهزا مستعدا، لأن الصبر إنما يكون عند الصدمة الأولى، فمن حاز لياقة إيمانية كافية لقلبه لم تزعزعه الحوادث.
وانظر إلى حرص الشيطان على منع الناس من العلم وحرصه على فض مجالس العلم واجتماع الصالحين.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ذكر قول موسى للفتى: لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين؟
ذكر الفتى هنا ليس عابرا، فهو الذي سيفتح عليه غدا، فلا تقلل من قيمة المتعلم فهو قد يكمل الطريق وينشر العلم ويربي بعد ذلك.
وفي القصة حسن اختيار من يقوم معك في الدعوة والطلب.
لا أبرح: قضية الملل والثبات على الطلب والصبر على المشاريع الطويلة، والثبات على المشاريع الطويلة مهما كانت (أو أمضي حقبا).
وأو هنا ليست للتخيير وإنما المراد منها التأكيد على المضي حتى يدرك العبد الصالح لعلمه بصدق وعد الله بما أخبره.
ما وجه حصر إسناد الإنساء إلى الشيطان؟
ما حصل لفتى موسى من نسيان بأن يخبر موسى بتلك الحادثة العجيبة نسيان ليس من شأنه أن يقع في زمن قريب، خاصة مع غرابة الموقف ومع شدة الاهتمام بالأمر المنسي، فإن موسى وغلامه كانا يترقبان هذا الحدث الغريب، ولأن الشيطان يسوؤه مثل هذا اللقاء وما ينتج عنه من أثر في بث العلوم الصالحة، ومعرفة سعة علم الله وحكمته، فهو يصرف عنها ولو بتأخير وقوعها طمعا في حدوث الوقائع.
وهكذا الشيطان لا يدع بابا من أبواب صد الناس عن الله إلا وسلكه، ولئن ظهر هنا في كلمة وإشارة، فقد ظهر في السورة في فصل كامل للدلالة على عظيم خطره.
أين ذهب بعد ذلك غلام موسى عليه السلام؟
المتأمل في سياق القصة يرى أن غلام موسى قد غاب عن المشهد فجأة بعدما لقي موسى الخضر رحمه الله، وغيابه هذا عن المشهد لا يعني غيابه عن مشهد التاريخ، فقد كان دخول بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة بعد ذلك مع يوشع بن نون، ذات الغلام الذي رباه موسى، موسى الذي ربى الغلام وخاض مثل هذه التجارب لم يقدر الله أن يكون دخول الأرض المقدسة على يديه، وإنما كان على يد الغلام الذي حضر هذه التجارب وخاضها مع موسى عليه السلام، لذلك ينبغي على الداعية أن يحرص على تهيئة من يحمل بعده الدعوة وأفكارها، فقد لا يتيسر للأعلى أن يقدر الله النتائج على يديه، بل يكون الفتح على يد الجيل الثاني أو الثالث وهكذا.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها وعد موسى للخضر عليه السلام بقوله: ستجدني إن شاء الله صابرا؟
قوله هذا عليه السلام أبلغ في ثبوت الصبر من نحو قوله سأصبر، لأن الاسم يفيد الثبوت والاستمرار، فكأنه قال ستجد الصبر حالا ثابتا عندي.
ما هي دلالات ترك موسى عليه السلام لبني إسرائيل لأجل التعلم؟
أن يترك موسى عليه السلام القيام بأعباء النبوة بحثا عن العلم عند الخضر عليه السلام فهذا شأن عظيم يستحق التوقف عنده طويلا، فلا بد لطالب العلم أن يكون له فترات ينوع فيها من نشاطه، فمرة في طلب العلم، ومرة في الدعوة إلى الله، ومرة في السعي على الأرملة والمسكين، ومرة في كسر سطوة الرأسمالية على حياتنا، ومرة في رد الشبهات، ومرة في إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وهكذا.
ما هي دلالات بحث موسى عليه السلام وطلبه عن الخضر رحمه الله؟
مع الرغم من أن موسى كان أعلى منزلة عند الله من الخضر رحمه الله، إلا أن هذا لم يمنعه من طلب العلم، وهذا درس عظيم جدا في طلب العلم من الأصاغر ممن فتح الله عليه في علم لم يفتح فيه على الأكابر، وكما جاء في الحديث في كلام الخضر رحمه الله (يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لَا أَعْلَمُهُ) وكما يقال: فالحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أولى بها، حتى لو وجدها عند من هو أقل منه علما وأصغر منه.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها وصف الخضر بقوله جل وعلا: (عبدا من عبادنا)؟
القارئ المتدبر لا بد له أن يقف طويلا عند قوله جل وعلا: (فوجدا عبدا من عبادنا) كان المتوقع أن يقول فوجدا عالما من العلماء، أو ملهما من الملهمين أو محدثا من المحدثين، إلا أن الله عز وجل وصفه بالعبودية في سياق الثناء، وكأن أعظم ما فيه كان عبوديته المطلقة التامة لله، وكأن هذا يقول للقارئ المتدبر: اعتن بعبوديتك تكن في أعلى المراتب على ما أنت فيه من العلم.
وجاءت لفظة عبد منكرة للتعظيم أي: فوجدا عبدا أي عبد، عبدا عظيما مكرما من عبادنا.
وكأن التشريف بالعبودية هنا نابع من قوله جل وعلا في أول السورة (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فمدحه بالعبودية مضافا إليه جل وعلا، والشأن هنا مثل الشأن في تلك.
ما هي المعاني التي ينتهي إليها تقديم الرحمة على العلم في الثناء على الخضر عليه السلام؟
هذا ثالث موضع تذكر فيه الرحمة في السورة، وبينه وبين ما قبله من المواضع خيط رفيع يجمع أجزاء معنى بارز من معاني هذه السورة.
وقد أثنى الله عز وجل على الخضر عليه السلام بصفتين:
الأولى: العبودية: حين قال عبدا من عبادنا، أي عبدا خصصناه بمنزلة عندنا كما سبق.
الثانية: الرحمة والعلم: وقدم الرحمة على العلم لأن العلم دون رحمة يهوي بصاحبه في مهاوي الكبر، فالعالم بدون رحمة شيطان رجيم، وابليس كان أعلم الجن، إلا أن الكبر أعمى قلبه وصار إمام أهل النار.
وهذا إشارة إلى كل طالب علم أن يعتني بالرحمة في قلبه قبل العلم، وإلا أصابه ما أصاب إبليس من الكبر، وأن يسعى في سقاية قلبه بالرحمة قبل أن يملأ نفسه بالعلم، حتى يحفظه الله بها من الضلال.
وتأمل إسناد فعل الإيتاء والتعليم إلى نا الدالة على الجماعة لإفادة التعظيم، وللتنبيه على أن مؤتي الرحمة ومعلم العلوم هو الله عز وجل وحده فلا يطلب إلا منه ولا يرجى إلا ما عنده.
ما هي مظاهر الأدب في سؤال موسى للخضر عليه السلام: هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا؟
في الجملة مظاهر أدب عديدة:
منها: قوله هل أتبعك، وسأله الاتباع مع أنه أصلا قادم ليتبعه وليكون معه، لكن سأله الاتباع زيادة في الأدب.
ومنها: حذف الياء في قوله تعملن، فاختلسها ههنا حتى يعطي صورة تضاؤل التلميذ أمام معلمه.
وقد قابل عليه السلام أدب موسى – أدب المتعلم – بتواضع المعلم، قال معي صبرا: فاختلسها كما اختلس موسى عليه السلام،
ما معنى الرشد في قوله جل وعلا: مما علمت رشدا؟
الرشد بضم الراء وسكون الشين هو الوقوف على الخير وإصابة الصواب، ويكون المعنى: هل تعلمني مما علمت علما ذا رشد أرشد به وأقف به على الخير وأهتدي به إلى الصواب؟
وقرئ رشدا بفتحتين وهي بمعنى، وهما لغتان كالبُخْل والبَخَل.
ما مناسبة هذه الأحداث الثلاثة لفتنة العلم؟
جاءت هذه الأحداث لتذكرك وأنت تقرأها أنه ربما ابتليت بعيب ينقص به قدرك في أعين الناس لكنه رحمةٌ بك من الله ونجاة من شر أكبر لا تدريه
نعم ربما ابتليت بعيب يخمل به ذكرك عند الناس لكن يُرفع به ذكرك عند الله والله خير وأبقى
عيب ظاهر يُنجيك من عُجب باطن، من غرور كامن، من ذرة من كبر لدقتها تخفى عليك لكنها لا تخفى على اللطيف فيطهرك منها
وأنت تقرأ سورة الكهف اليوم تذكر أنه ربما أضناك فقد الأحبة واستوحش قلبك من الخلق، لكنه ربما إذ أوحشك من الخلق قد أذن لك الرب بأن تأنس به وحده وبذكره وكلامه
نعم ربما ابتليت بفقد لم تدرِ كيف يبدلك الله خيرا منه، وربما ابتليت بكسر لم تدرِ كيف يجبرك الله بعده، لكنك وأنت تطلق بصرك في عالم الشهادة متحسرا على ما فقدت كان ربك في عالم الغيب يهييء لك ما هو خير لك مما فقدت وأقرب وأنفع، وفي نفس ساعة الفقد كان يعطيك الرب لكنك فقط لمَّا تبصر ولمّا يأتك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا
وأنت تقرأ في سورة الكهف اليوم تذكر أنه رب إمهال للظالمين اغتم له قلبك وتفتت حزنا على المقهورين كان من أجلك، فربما مد لهم الرب في النعيم لتكون ثماره لك، فتراهم يتطاولون في البنيان ويفتخرون بينما كنزك مدفون تحت بنيانهم مدخرا لك ثم يأتي زمان تخرج فيه كنزك وتسعد به، فكأنهم ما بنوا إلا لتسكن وما زرعوا إلا لتحصد.
وأنت تقرأ في سورة الكهف اليوم تذكر أنه ربما في خرق سفينتك النجاة، ومع فقد أحبتك العوض، وتحت بنيان أعدائك كنز ينتظرك.
وأنت تقرأ سورة الكهف اليوم تعلم الصبر وإن لم تدرك الحكمة ولم تفهم الرحمة في بعض أقدار الله، تعلم الصبر فربما ذات يوم يأتيك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا فتود لو كنت صبرت
ما مناسبة تقديم جملة: فأردت أن أعيبها على قوله: وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا؟
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved