بين يدي السورة
النجاة من الفتن في سورة الكهف
ما هي الأسماء الواردة فيها ؟
سَمّاها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُورَةَ الكَهْفِ.
رَوى مُسْلِمٌ، وأبُو داوُدَ، عَنْ أبِي الدَّرْداءِ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ قالَ: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ وفي رِوايَةٍ لِمُسْلِمٍ: مِن آخِرِ الكَهْفِ، عُصِمَ مِن فِتْنَةِ الدَّجّالِ» .
ورَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ بِلَفْظِ: «مَن قَرَأ ثَلاثَ آياتٍ مِن أوَّلِ الكَهْفِ عُصِمَ مِن فِتْنَةِ الدَّجّالِ»، قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وكَذَلِكَ ورَدَتْ تَسْمِيَتُها عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ في صَحِيحِ البُخارِيِّ، قالَ: «كانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وإلى جانِبِهِ حِصانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو، وتَدْنُو، وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمّا أصْبَحَ أتى النَّبِيءَ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالقُرْآنِ» .
ولا يعرف لها اسم غيره.
مكان نزولها؟
وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفاقِ كَما حَكاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، قالَ: ورُوِيَ عَنْ فَرْقَدٍ أنَّ أوَّلَ السُّورَةِ إلى قَوْلِهِ ”جُرُزًا“ نَزَلَ بِالمَدِينَةِ، قالَ: والأوَّلُ أصَحُّ.
وقِيلَ قَوْلُهُ ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ [الكهف: ٢٨] الآيَتَيْنِ، نَزَلَتا بِالمَدِينَةِ، وقِيلَ قَوْلُهُ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهم جَنّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكهف: ١٠٧] إلى آخِرِ السُّورَةِ نَزَلَ بِالمَدِينَةِ، وكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ، والراجح أنها مكية كلها.
كم عدد آياتها ؟
وعُدَّتْ آيُها في عَدَدِ قُرّاءِ المَدِينَةِ ومَكَّةَ مِائَةً وخَمْسًا، وفي عَدَدِ قُرّاءِ الشّامِ مِائَةً وسِتًّا، وفي عَدَدِ قُرّاءِ البَصْرَةِ مِائَةً وإحْدى عَشْرَةَ، وفي عَدِّ قُرّاءِ الكُوفَةِ مِائَةً وعَشْرًا، بِناءً عَلى اخْتِلافِهِمْ في تَقْسِيمِ بَعْضِ الآياتِ إلى آيَتَيْنِ.
هل ثبت شيء في فضلها ؟
ورد في فضلها أحاديث منها في الصحيحين ومنها ما لم يرد في الصحيحين، فمما ورد في فضلها أحاديث:
الأول: ما رَوى مُسْلِمٌ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ عَنِ النَّبِيءِ ﷺ قالَ: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ وفي رِوايَةٍ لِمُسْلِمٍ: مِن آخِرِ الكَهْفِ، عُصِمَ مِن فِتْنَةِ الدَّجّالِ» والأولى أصح فهي من رواية همام وهشام كما نقل مسلم رحمه الله وأما رواية الأواخر فقد انفرد فيها شعبة.
الثاني: ما رواه البخاري ومسلم عن البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ، وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ، أَوْ سَحَابَةٌ غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اقْرَأْ فُلَانُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ»
الثالث: ما رواه مسلم عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ،
وأما حديث تخصيص قراءتها يوم الجمعة فورد في المستدرك مرفوعا ولا يثبت، وورد موقوفا وهو أشبه، والراجح أنه لا يثبت في تخصيص يوم الجمعة بقراءتها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما هو مقصد السورة وما هي القرائن التي دلت على ذلك، وما مناسبة الاسم للمقصد؟
المتأمل في السورة يرى أنها مؤلفة من أربع قصص لم تذكر في القرآن في موضع آخر، وقد انفردت السورة بذكرها دون غيرها من السور.
ولاشك أن طرح الأسئلة الصحيحة سيقودك إلى العثور على مقصد السورة، فليس التساؤل هو المهم ولكن الأهم هو طرح السؤال الصحيح، طرح هذا السؤال هو نصف الطريق والنصف الثاني الإجابة عنه، ومما ينبغي التنبيه عليه في هذه العجالة التركيز على بنية السورة عموما وعدم الانشغال بالتفاصيل والجزئيات والفوائد واللطائف، وحتى نعثر على مقصد السورة لا بد لنا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال.
سؤال في غاية الأهمية وهو: ما مناسبة جمع هذه القصص الأربعة في سورة واحدة؟ وما هو الرابط بينهم؟
الإجابة عن هذا السؤال ستوصلك حتما إلى مقصد السورة مع الأخذ بعين الاعتبار اسم السورة وربطه بالمقصد.
وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن مقصد هذه السورة هو العواصم من الفتن، ولم يختلفوا كثيرا في مقصدها كحال سور أخرى، وهذا مؤشر مهم إلى رجحان هذا المقصد خاصة وأنه يمكن بشكل معقول ربط هذه القصص بهذا المقصد، ويمكن القول أن القصص الأربعة يجمعها هذا المقصد:
أما قصة أهل الكهف فتعالج قضية فتنة الناس عن دينهم والسبيل إلى النجاة منها.
وأما قصة صاحب الجنتين: فتتناول قضية فتنة الدنيا والسبيل إلى النجاة منها.
وأما قصة موسى عليه السلام والخضر رحمه الله: فتلقي الضوء على فتنة العلم وتحكي سبيل النجاة منها.
وختاما فإن قصة ذي القرنين: فتتناول فتنة التمكين في الأرض وتدلك على سبيل الخروج منها.
وأما مناسبة السورة لاسمها فواضح جلي: فكأنه كهف يأوي إليه المؤمن لينجو من الفتن، وهذه إجابة حسنة متينة.
ومن القرائن التي تقوي هذا الاختيار: العلاقة بينها وبين فتنة الدجال كما جاء في الحديث، والدجال كما لا يخفى عليكم فتنة من أعظم الفتن، فقراءة الآيات الأول منها تعصم صاحبها من فتنة الدجال.
إذاً: فنحن نقرأ هذه السورة لتبين لنا أخطر الفتن التي تعرض للإنسان في حياته، ولنحذر كل ما قرأناها من الوقوع في أحدها.
ولم يخرج أحد عن هذا المقصد تقريبا، فلنمض سويا مع حنايا المعاني في خلال هذه السورة حتى نعلم كيف عالج القرآن هذه القضايا.
وتأمل نزول الحديث عن هذه الفتن في وقت مبكر من حياة الدعوة لمكية السورة، للتأكيد على موضوع الفتن.
ما معنى الفتنة؟
وجماع معنى الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان، وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب، إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجيد، وفي النهاية لابن الأثير: (يقال: فتنته أفتنه فتنا وفتونا إذا امتحنته وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم كثير حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف).
وهي تحمل معان ثلاثة:
الأول: الاختبار والابتلاء كما هو أصل اللفظ، كما في قوله تعالى (لنفتنهم فيه) أي نختبرهم وكقوله تعالى (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) وقوله تعالى ( أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) أي يختبرون.
والثاني: بمعنى الإعجاب بالشيء والميل له، ومنه فتنت المرأة الرجل: أي مال إليها وأحبها
والثالث: هو الضلال والميل عن الحق كقوله تعالى (ما أنتم عليه بفاتنين) أي مضلين عن الحق وقوله (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) أي يميلونك ويضلونك.
والمعاني الثلاثة مرتبطة ببعضها البعض، فالاختبار يؤدي إلى الميل والإعجاب والمحبة، والميل يؤدي إلى الانزلاق في الضلال والمعصية والانحراف عن الحق.
والمراد بالفتنة في هذه السورة الابتلاء والاختبار، إن بخير كما في قصة ذي القرنين وذي الجنتين أو بشر كما في قصة موسى والخضر عليهما السلام وقصة أصحاب الكهف ، مما يميز صدق مظهر الإيمان أو كذبه، وثباته أو تقلقله، وإيثار صاحبه العاجلة أو الآجلة، ومنه قوله تعالى ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )
ما مناسبة الاسم للمقصد؟
للقارئ المتدبر أن يتساءل عن سبب تسميتها بالكهف دون غيرها من الأسماء؟ لم لم تسم بسورة الخضر مثلا؟ أو سورة الجنتين؟ أو سورة ذي القرنين؟ مع أنها كلها لم تذكر إلا في هذا الموضع من القرآن؟
(فأووا إلى الكهف)
هذه الجملة هي مركز المعنى في السورة، وكهف هذه الأمة إنما هو ما استفتحت السورة بحمد الله تعالى على إنزاله على عبده صلى الله عليه وسلم: القرآن فمن دخله كان آمنا، كما أمن أصحاب الكهف، وأصحاب السفينة، وأبو الغلام القتيل، والغلامان صاحبا الكنز، وكما أمن أصحاب الردم، ومن لم يدخله هلك، كما هلك صاحب الجنتين والغلام القتيل. فهذه القصص وثيقة العلاقة بمركز المعنى الكلي للسورة كما رأيت.
فالسورة تجيبك عن أسئلة من قبيل:
كيف وصل أصحاب القصص الأربعة إلى ما وصلوا من مقامات إيمانية عالية وهمم سامقة وطموح إلى دار الآخرة غير مبالين بزينة الدنيا وزخرفها وفتنتها؟
كيف ثبت أصحاب الكهف أمام فساد مجتمعهم وطغيانه رغم صغر سنهم وضعفهم؟ وكيف انعزلوا عن لهوهم ومتاعهم إلى كهف مهجور لا يحوي من حطام الدنيا شيئا؟
كيف ثبت الرجل المؤمن في مواجهة تفاخر صاحبه وزهوه وعجبه بنفسه وولده وماله؟
كيف لم يرتب قلبه لحظة في أن الله هو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر؟
بل وكيف انشغل حتى تحت وطأة هذه الفتنة العظيمة بنصح صاحبه وتذكيره بربه وجلاء الحقائق أمام عينيه وتقويم موازينه في الحكم على الأشياء؟
وموسى عليه السلام لماذا ترك كل شيء خلفه وجد السير في طلب العلم؟
كيف امتلك كل هذا العزم والتصميم على بلوغ ما يبتغيه من علم وحكمة ورشد؟
لماذا لم يكتف بما يعلمه بل وكيف لم يغتر به على سعته؟
وذو القرنين؛ العبد الصالح الذي لا أتصور نفسي تستطيع اجتياز امتحانه قط؟
كيف سعى في مشارق الأرض ومغاربها متبعا الأسباب وباذلا عمره وجهده من أجل التمكين لدين الله في الأرض وليس من أجل مجده الشخصي وملكه الخاص؟
كيف لم تغره قوته وأمواله وجنوده بل ازداد بها خضوعا لخالقه وانقيادا له؟
كيف لم ينشغل في كل بلد فتحه إلا بإقامة العدل والدعوة إلى الله؟
إنه كهف (الكتاب)، أووا إليه واعتصموا به فنجوا من الفتن.
وتأمل تسميتها بالكهف: والكهف شق في الجبل فيه سعة من الداخل، أي شق واسع داخل الجبل فإن كان ضيقا ولا وسع فيه فهو غار، فيقال كهف لما انشق داخل الجبل وكان فيه فسحة، ويقال غار لما انشق في الجبل ولم يكن فيه اتساع.
وهذا المعنى في غاية الأهمية: فكأنه بشارة لمن أوى إلى الله بأن يجد سعة وإن كان في أضيق الأحوال، وأن الله قادر على أن يوسع عليه حتى ولو كان في بطن جبل.
ما مناسبة كل ما سبق لوقاية السورة صاحبها من فتنة الدجال؟
إذا كانت أول عشر آيات من السورة تحميل من فتنة الدجال التي هي أعظم فتنة كما جاء في الصحيح، فمن البدهي أن تحمي هذه السورة صاحبها مما دونه من الفتن، فكأن مسألة الحماية من فتنة الدجال هي المفتاح لهذه السورة، ومؤكد لمقصدها كمنجاة من الفتن.
وتدبر هذه السورة في غاية الأهمية لأنه يعرض خبايا النفس البشرية ويلج إلى أعماقها ويتتبع مساربها ويعالج خلجاتها ويعرضها مكشوفة أمام صاحبها ليصد بها كل فتنة تعترض المعتصم بها، والمناسبات في هذه السورة تنطق قائلة لقارئها المتدبر: أن من ربى نفسه على معاني القرآن وتدبره ورزقه الله الاهتداء إلى المعاني التي ينتهي إليها كلامه، فنجى من الفتن الصغار المذكورة التي في السورة، فهو لا بد ناج من الفتنة الكبرى فتنة الدجال، فالنجاح أمام الفتن الصغار وسيلة للثبات أمام الفتن الكبار، ومن عجز عن صد صغارها فهو أمام كبارها أعجز، فلأجل ذلك جاءت هذه السورة لتحضر القارئ المتدبر لمواجهة هذه الفتن استعدادا للفتنة الكبرى فتنة الدجال والتي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم، (فامرؤ حجيج نفسه).
ما هي المعاني التي ينتهي إليها ترتيب القصص في هذه السورة؟
سورة الكهف نسيج متكامل متوازن في الإصلاح والتغيير فالقصص الواردة فيه عبارة عن تيار من يعلو من أدنى درجات الاستضعاف إلى أعلى درجات التمكين والقوة، فأول قصصها: قصة أصحاب الكهف: تحكي قصة واقع استضعف فيها أهل الإيمان أشد الاستضعاف، ثم يمضي شيئا فشيئا إلى بحبوحة من الانفتاح والحرية والتمكين ليصل إلى مرحلة من النقاش والحوار بين المؤمن وصاحبه الكافر صاحب الجنتين، وهي مرحلة أعلى من مراحل التمكين والقوة، ثم تأتي قصة موسى: حيث تفتح أبواب العلم على مصراعيها لطالبه، فتأتي هذه القصة في وضع أفضل من سابقه ودرجة أعلى يتاح فيها شيء من العلم إلى أن يصل إلى أعلى مراتب التمكين وهو حيازة السلطان والحكم.
ومرورك على هذه السورة يختصر لك دورة كاملة من الاستضعاف إلى التمكين، شارحا لك ومبينا أعمالا ومهاما تقوم بها في كل مرحلة من هذه المراحل.
ما فائدة ذكر قصة أقوام مضوا ومضى زمانهم سواء أصحاب الكهف أم من بعدهم من القصص؟
مما ينبغي على القارئ المتدبر الانتباه له: ربط القصص والمعاني بمجريات الحياة وأحاداثها، فإذا قرأنا سورة الكهف في ضوء هذه الآية الكريمة فإننا حينئذ نرى قصصها ونعايشه بفهم مختلف وروح جديدة، هذا القصص ليس حديثا يفترى ولا محض خيال ولا تجسيد سردي لأفكار نظرية في عقل مؤلف بارع، هذا القصص قصص حق يعني وقعت أحداثه يقينا كما رويت لنا في كتاب الله ووجدت شخصياته حقا بأقوالها وأفعالها وعقائدها وطريقتها في مواجهة الفتن واحتمال الابتلاءات
هذا النظر في قصص القرآن بوصفها القصص الحق لابد أن يلازمنا طوال قراءتها ولا ينفك عنا لحظة حتى يمكننا تشرب معانيها الإيمانية والتقاط دروسها وعبرها وتتبع الهدى المتضمن فيها والاستضاءة به في حياتنا، بعبارة أخرى:
استبقاء عطاء الحدث بعد انقضائه
فالحدث ليس خطا مستقيما بل له مساحة من المعاني يتحرك فيها وله عمق في التاريخ تتجدد من خلاله هذه المعاني لينتفع بها الناس على طول الزمان
فمحنة فتية الكهف محنة محتملة الوقوع في زماننا الحالي وإن تبدت في مظهر مختلف، ومن هنا يمكننا رؤية طريقة مواجهتهم لهذه المحنة طريقة واقعية ومقبولة وليست مجرد أسطورة للتسلية، فوقوفهم الثابت أمام ضغط عقيدة الشرك الغالبة وتحصنهم بالصحبة الصالحة وانعزالهم الواعي عما لم يقدروا على تغييره واعتصامهم بربهم أثناء كل ذلك هي معاني وقيم ومباديء تتجدد في أشكال متنوعة على مدى التاريخ وليست أحداثا وقعت مرة وانتهت، ومن هنا أيضا نرى ابتلاءات البشر في قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح ابتلاءات متكررة الوقوع في كل زمان ومكان ومن ثم فإن الحكمة والرحمة المحيطة بها والمبين طرف منها في أعقاب القصة حاضرة كذلك في كل زمان ومكان.
أيضا قصة ذي القرنين ونجاحه الباهر في ابتلاء التمكين تصبح نموذجا قابلا للتحقق وليست معجزة قديمة لملك لا نعرف عنه شيئا
إن كل قصة مذكورة في كتاب الله وكل شخصية وُثقت ملامحها النفسية وردود أفعالها وسلوكها الأخلاقي ونهجها الإيماني هي حجة لنا أو علينا، إنها نماذج بشرية حقيقية قابلة للتكرار تخبرنا أننا لسنا بدعا من البشر، بل هناك أناس ضعفاء مثلنا عاشوا ابتلاءات أعظم وواجهوا فتنا أشد وتسلطت عليهم سفاهات الجهلاء ووساوس الشياطين وأهواء أنفسهم وشهواتها فما زادهم ذلك إلا يقينا وإيمانا وثباتا على الطريق
فماذا عنا؟! كيف نسلك؟ وأين نذهب؟!
أما إنه ليس إلا الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم سبيل نسلكه وطريق نلتزمه فاللهم اهدنا الصراط المستقيم
وأحداث التاريخ متكررة من حيث السنن، أي الأسباب والنتائج، تتغير الوجوه والأسماء والأماكن والتفاصيل، وتبقى مجريات الأحداث وسياقها واحدا، وهذا من رحمة الله بالعباد أن جعل لهم قوانين ثابتة يسيرون عليها في حياتهم، والحديث عن هذه القصص ليس إلا استعراضا لسنن الله في خلقه السابقين، ومعرفة عواقب الأحداث حتى لا يغتر أحد بالبدايات، وكيف نجا منهم من نجا وكيف هلك منهم من هلك، حتى يتبين كلا الطريقين لكل سالك فينجو من تغمده الله برحمته ويهلك من اختار سبيل الهلاك (وهديناه النجدين).
إذا كان الحال هكذا لماذا لم تذكر فتنة النساء في هذه السورة؟
لا شك أن فتنة النساء من أعظم الفتن التي يمكن أن تعرض للإنسان خاصة وأنها فتنة متكررة، وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ: «لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»، فما هو وجه غياب فتنة النساء عن الحديث في هذه السورة؟ خاصة مع غياب العنصر النسائي تماما فيها.
والذي يظهر جوابا على هذا السؤال نقاط:
الأولى: أن الفتن الموجودة بسورة الكهف تعرض على المؤمنين لتخرجهم من التوحيد الخالص لله
فتنة الدين
فتنة المال
فتنة السلطة
فتنة العلم
وهي من بداية السورة وآخرها تنبيه على التوحيد الخالص لله
لينذر الذين قالوا اتخذ الله ولداً)
( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه احدا)
خاصة وأن التوحيد من المعالم البارزة في السورة كما في الصور أدناه، أما فتنة النساء توقع المرء في الشهوات ولكن لاتخرجه عن مدار التوحيد وقد قال تعالى (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) فاعتبر عليه السلام الصبوة إلى النساء جهلا وليس خروجها من الدين أو التوحيد.
الثانية: أن هذه الفتن فتن عامة تصيب كل أحد، أما فتنة النساء فهي خاصة في الرجال أو في بعضهم دون بعض، فجاء في هذه السورة الحديث عن فتن عامة دون الحديث عن فتنة النساء، خاصة وأن مثل هذه الفتن من الفتن الخطيرة التي تعصف بالأمة كلها، كما جاء في حديث حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفِتْنَةِ، قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ: قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا لَجَرِيءٌ، قُلْتُ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ»، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: البَابُ عُمَرُ.
ففرق عمر رضي الله عنه بين الفتن التي تموج كموج البحر، والفتن الخاصة التي تكون في خاصة شأن الإنسان، فجاءت الفتن في هذه السورة لأجل هذا.
ما الذي ينبني على هذه الفكرة وهذا السؤال؟
الذي ينبني عليه ترتيب الاهتمام بالفتن، والتفريق بينها كما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه، فنركز على هذه ونضعها في سلم الأولويات، خاصة وأن الخطاب يحذر كثيرا من فتنة النساء، فتجد الإنسان متحفزا مستعدا لها، أما ما سواها من الفتن كفتنة الدين وفتنة العلم وفتنة التمكين وفتنة المال، فهي دون ذلك، فقد يغتر الإنسان بها ولا ينتبه لخطورتها فجاءت مجموعة في هذه السورة لتجنبها.
التوأمة بين سورتي الإسراء والكهف:
أول سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) أول سورة الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) العبد نفسه طالع إلى السموات في سورة الإسراء وفي سورة الكهف الوحي نازل إلى العبد، أرأيت التقابل. العبد عليه أزكى الصلوات في أول سورة الإسراء هو العبد ذاته في أول سورة الكهف ولكن الفرق أنه في الأولى هو الذي يصعد وفي السورة الثانية الوحي هو الذي ينزل، تكامل ما بينهما.
أول الإسراء (سبحان) وأول الكهف (الحمد) ونعرف أن سبحان الله والحمد لله ذكران متلازمان مقترنان مترابطان على مر الزمان وعلى كل لسان "سبحان الله والحمد لله". إذن سورة الإسراء (سبحان) وسورة الكهف (الحمد) وسبحان والحمد متلازمان.
في ختام الإسراء (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا) وفي أول الكهف (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)
السورتان فاصلتهما واحدة (الألف) ( أحدا – تكبيرا - ) كأنك تنتقل في نسق واحد.
عدد الآيات في الإسراء 111 وعدد الآيات في سورة الكهف 110 لو جمعنا عدد آيات السورة مع رقم السورة سيكون الناتج واحداً
في السورتين ذكر موسى عليه السلام. في الإسراء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ (101)) وفي الكهف (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ (60))
في خواتيم الإسراء (وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ (97)) في فواتح الكهف (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا (17))
في آخر الإسراء (وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) آخر الكهف (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكلام عن الشرك
التبشير والنذارة في آخر الإسراء (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)) والتبشير والنذارة في اول الكهف (قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2))
عدد كلمات آخر آيتين في السورتين 42 كلمة، هذا ليس من فراغ، هناك علاقة تحتاج إلى توضيح
في السورتين (ويسألونك) كلمة مشتركة بين السورتين في الإسراء (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ (85)) وفي الكهف (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ (83)) هناك سائلين
في السورتين الكلام عن كتاب الأعمال (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا (49)) في سورة الكهف، (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) (فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ (71)) كتاب الأعمال في الإسراء وكتاب الأعمال في الكهف
نفي الظلم عن الله سبحانه وتعالى في السورتين: (وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)) في سورة الإسراء، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)) في سورة الكهف
في السورتين قصة آدم (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ (50) الكهف) (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ (61) الإسراء)
الحديث عن الجن في السورتين (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ (50) الكهف) (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ (88) الإسراء)
في السورتين ذكر هلاك القرى (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا (59) الكهف) (وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (58) الإسراء)
في السورتين (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً (94) الإسراء) (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) الكهف) نفس النص مشترك بين السورتين
ذكر البحر ثلاث مرات في السورتين:
ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله 66
وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه 67
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر 70
(فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) الكهف)
(وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) الكهف)
(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر (79) الكهف)
ومجموع الثلاث آيات في كل منها هو 203.
في سورة الإسراء (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ (33)) في سورة الكهف (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ (74))
في السورتين ذكر الحق (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105)) (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)) وفي سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29))
توجيه للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر والثبات في السورتين (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74))، في سورة الكهف (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (28))
الكلام عن بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)) في سورة الإسراء وفي الكهف (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)
في الإسراء (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (91)) في سورة الكهف (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33))
الشمس مذكورة في السورتين (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (78) الإسراء) (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت (17) الكهف)
الأموال والأولاد في السورتين (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ (64) الإسراء) (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46) الكهف)
الجبال موجودة في السورتين (وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) الإسراء) (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ (74) الكهف)
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (41)) في الإسراء وفي الكهف (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54))
الموعد في كل من السورتين، سورة الإسراء موعد أن ندخل المسجد (وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ (7)) (فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5)) وسورة الكهف مليئة بالقصص التي لها حديث عن المواعيد، موعد موسى مع العبد الصالح وقصة ذو القرنين وموعد القرى التي جعل الله لها موعدا (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا (59))
الإسراء سورة الصراع مع بني إسرائيل والنصر عليهم إن شاء الله وإنهاؤهم من الوجود ليس ظلماً ولا عدواناً إنما بما صنعت أيديهم جزاء وفاقاً. سورة الكهف فيها التركيز على اسمها (الكهف) لا بد هؤلاء الذين يملكون الجو والطيران أن تختفي من تحت أنظارهم في هذا الصراع يعني كأن الكهف في هذا الصراع وقاية لك وحماية لك في صراعك مع بني إسرائيل
المناسبة بين سورة الكهف وسورة مريم:
قال سبحانه في خواتيم سورة الكهف : { قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ... (98)} .
وقال في أوائل سورة مريم : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)} .
فذكر في الكهف رحمته بخلق كثير من عباده ،وذكر في مريم رحمته بزكريا عليه السلام.
قال تعالى في خواتيم الكهف : { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} .
وفي سورة مريم :كان يحي عليه السلام كلمة من كلمات المولي سبحانه .
وعيسي بن مريم عليه السلام إنما هو كلمة من كلماته سبحانه ، كما قال تعالى : { إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ... (45)} ءال عمران.
تأمل مواضع الرحمات في سورة الكهف، كقوله تعالي:( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
)(١٠)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا) (٦٥)وغيرها …
وظلال الرحمات في سورة مريم، كقوله تعالي:(ذكر رحمت ربك عبده زكريا )(٢)، و(قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)(٩)و غيرها ….
ومن طريف التناسب بين السورتين:
انه ذكر في سورة الكهف فرار الفتية من قومهم والتجاءهم الى الكهف لئلا يطلعوا عليهم .
وفي سورة مريم ذكر التجاء مريم الى جذع النخلة في مكان بعيد عن الناس لئلا يطلعوا على ما هي فيه .فكلتا الحالتين ابتعاد عن قومهم والتخفي عنهم .
ونهاية الحادثين بأمر عجيب غريب .
فالفتية خرجوا بعد نومهم ثلاثمائة سنين و تسع ، ومريم جاءت بولد من غير أب ..
جاء في (البحر المحيط ) في مناسبة ورود سورة مريم بعد سورة الكهف :
أن سورة الكهف احتوت علي قصصاً عجباّ كقصة أهل الكهف وقصة موسى مع الخضر وقصة ذي القرنين .
أما في سورة مريم فقص علينا المولي عز و جل قصة ميلاد يحيى بن زكريا عليه السلام ،وهذا أمر عجيب حيث لم تجري العادة بأن الشيخ الكبير يولد له بعد سبعين سنة أو ثمانين سنة ، ولم تجري العادة أن المرأة العجوز تلد بعد ستين أو سبعين سنة ،فكان في ميلاد يحيى بن زكريا عليهما السلام أمر عجب .
وأعجب منه ما كان في القصة الثانية في سورة مريم وهي قصة ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام من أمه دون أن يمسها بشر في حلال أو حرام وحاشاها رضي الله عنها ..
جميع الحقوق متاحة للمسلمين دون اشتراط ذكر المصدر © 2023 7a9ad.com. All Rights Reserved